كنت أعمل فى شركة يصنفها البعض انها شركة اسلاميه، كل الظواهر بها تنم عن ان أصحاب الشركة والعاملين بها لهم ميول إسلاميه، فهم يأسلمون كل شئ سواء فى العمل
أو حياتهم الشخصيه، تصل أحيانا إلى حد العبط كأن تسأل أحدهم “هو النهارده ايه؟” يرد عليك “الاتنين ان شاء الله” ما هو شاء خلاص والاتنين وصل.
المهم، اتعينت فى الشركة فور تخرجى من كليه الأداب قسم الادب الانجليزى، كان من ضمن طموحاتى ماجستير ودكتوراه فى أدب عصر النهضه، ولكنى لم أفعل ولا أعرف لماذا لم أفعل، واعتبرت وقتها أن فرصة العمل أهم من من الماجستير والدكتوراه الذين يمكن تأجيلهما بالرغم من أن الوظيفه كانت مجرد موظفة استقبال للرد على التليفونات وهذه الأشياء البسيطه
كنت فى بداية العشرينات عندما التحقت بهذه الشركة، محجبة بالطبع وكان حجابى من ضمن مصوغات قبولى فى الوظيفه، وهذه حقيقه فقد رأيت بعينى كيف طردت فتاه أخرى من الاختبار لمجرد انها غير محجبه ورفضت ارتداء الحجاب كشرط لقبولها بالشركة.
كل النساء العاملات بالشركة وعددهم ليس بكثير فقط أربعه نساء محجبات مختمرات وكل الرجال بلا استثناء ملتحين، لا تسمع فى المكتب سوى أيات القرآن منبعثه من أجهزة الكمبيوتر ولا ترى على الحوائط سوى أيات قرآنيه، أتذكر أول مره دخلت فيها المكتب أحسست بنوع من الراحة والطمأنينة فالإيمان يملأ الأجواء والحمد لله.
كل الأحاديث الجانبيه بالشركة هى أحاديث دينية بطبيعة حال الشركة وإذا ما حدث وتطرق أحدهم إلى أحاديث سياسية تكون بالطبع فى صالح الاسلام السياسى، كان ومازال الشيخ حازم أبو إسماعيل هو النجم الساطع فى سماء السياسة بالنسبة لجميع الزميلات والزملاء، اكتشفت مؤخرا أن العديد منهم ضمن جماعة حازمون وأن شركتنا تبرعت بجزء ليس بالقليل لدعم حملته فى الانتخابات ومازالت تدعم حزبه تحت التأسيس وتسبب ذلك فى عدم صرف حوافزنا وزيادة مرتباتنا عن العام الماضى الأمر الذى تقبلناه بمنتهى الرضا واعتبرناه جزء من ما يمكن تقديمه للوطن.
أتذكر بعد ثلاث سنوات أو اكثر بقليل من بداية عملى بالشركة عندما فاجأتنا مدام فاطمه بإرتداء النقاب، والحفاوة التى قوبلت بها من كل العاملين بالشركة حتى أنهم أقاموا لها احتفالا خاصا بارتدائها النقاب. مدام فاطمه كانت الأولى وليست الاخيرة ، بدأت فى دعوتنا إلى حضور دروس دينية وأهدتنا بعض الكتب لقرائتها ولاحظت استعداد عندى للاستجابه إما لأنى أصغرهم سنا فلم أكن قد تجاوزت الخمسه والعشرين من عمرى أو لأن لدى الاستعداد الحقيقى، ولا أخفيكم سرا لم أكن يومها من المتبحرين فى الدين ولا فى غيره، أنا فتاة ممن يقال عنهم عاديه، تخرجت من الجامعه توظفت وفى انتظار الزواج ونسيت ما كنت اتصور انه طموحاتى.
بعد ستة أشهر من ارتداء الحاجه فاطمة النقاب إلا وكنت انا ثانى المنتقبات وثانى من تم الاحتفال بهن من قبل الزميلات والزملاء بالشركة ومن قبلهم طبعا من شيختى وزميلاتى فى درس الدين الذى واظبت على حضوره مرتين فى الأسبوع . كان يوما جللا بالنسبة لى كل هؤلاء الأخوات يحتفلون بى ، يختمن القرآن ويدعون لى وقد أهدتنى شيختنا اول نقاب لى، كذلك احتفاء الشركة بى كنت مزهوة وسعيده بهذه ولم أعرف كيف أشكر واعبر للحاجه فاطمة عن امتنانى لها وفضلها على.
جذبتنى الحاجه فاطمه إلى حياة مختلفه تماما عن حياة أى فتاة فى عمرى، كان أهم نشاط أقوم به هو حضور الجلسات الدينيه وبعد فترة ومع التشجيع من شيختنا وزميلاتى فى الدروس بدأت انتقل إلى الدعوة والعمل الاجتماعى الذى يصب كله فى استقطاب الفتيات الصغيرات إلى حضور دروس الدين واقناعهم بالحجاب ثم النقاب، كانت شيختنا تتكبل مصاريف باهظه فى سبيل تحقيق هذا، لا أعرف من أين تأتى بكل هذه الأموال وعندما سألت مره حرصا منى عليها وعلى أموالها كان الرد أن ثواب ما نفعله هو أكبر بكثير من قيمته الماديه، ولم اعرف من أين تأتى بهذه الأموال ولكنى استمريت.
منذ أيام قليلة أتممت عامى الخمسين، وكانت قد بدأت أعراض انقطاع الدورة الشهريه تظهر على وأحسست ببعض التعب، ذهبت لزيارة طبيبة أمراض نسا وقبل ركوبى المصعد فوجئت برجلين يدخلان المصعد فاعتذرت منهما قائلة أننى لا أركب المصعد مع غرباء حتى لا تعتبر والعياذ بالله خلوة، وكان ردهم على بالغ القسوه على نفسى “هو انتى فاكره نفسك واحده ست” ، “هو من قلة الستات اللى بحق وحقيقى حنبصلك انتى”، “ده حتى صوتك اللى طلع مافيهوش ريحة الانوثه”، “طيب اثبتى لنا كده انك واحده ست واحنا نخرج من الاسانسير”.
واقعة قد لا تكون ذات أهمية كبيرة ولكنها أثرت فى بشكل غير عادى، ما أن دخلت بيتى حتى خلعت كل ملابسى ووقفت أمام المرآه أتأملها، بدأت اتحسس جسدى كما لو كنت أول مره أتعرف عليه، ما كل هذه الشحوم ومتى تراكمت، كيف تغيرت معالم هذا الجسد بهذه الصورة، ما هذا الشعر الأبيض الذى يعتلى رأسى أين ذهبت ضفائرى، لماذا تغير شكل عينى ونظرتهما بهذا الشكل وما كل هذا البرود فى عينى، ما هذا البله الذى يظهر على وجهى، من هذه؟؟؟؟
نظرت حولى، أين زوجى أين أطفالى لماذا لا يملأون على حياتى؟ أين احساس الحب فى حياتى ومتعة الجنس؟ أين الرجل فى حياتى؟ أين الأصدقاء والصحبه؟ ما هذا البرد الذى أشعر به فى أغسطس؟ نظرت على حوائط البيت أين شهادة الماجستير والدكتوراه؟ أين شهادات التقدير التى حصلت عليها فى عملى؟ أين صورة أبى وأمى؟ أين صورى وأنا طفلة أجلس على رجل أبى بينما يقف أخى بجانب أمى؟ فتحت دواليبى، ما هذا السواد؟ أين فساتينى ؟ أين باقى الألوان فى حياتى؟ أين زجاجات عطرى؟ أين ادوات تجميلى؟
ثم نظرت إلى المكتبة التى كنت قد ورثتها عن أبى وأمى، أين ذهبت كتب الشعر والأدب؟ أين ذهبت المسرحيات؟ أين نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وشكسبير؟ لماذا لا أرى كتب الأدب الانجليزى والكتب الفرنسيه؟ لقد كان لدى أبى موسوعة الفلسفه أين ذهبت؟ هل معقول فرطت فى كل ذلك؟
فرطت فى كل ذلك !!! طبعا فرطت فى كل ذلك، فرطت فى عقلى فرطت فى مستقبلى فرطت فى أحلامى فرطت فى أنوثتى فرطت فى أحساسى فرطت فى مشاعرى كل ما فعلته هو أننى شوهت حياة العديد من الفتيات الصغيرات كما لو كنت انتقم منهن ليصرن مثلى ويعشن بأسى ويأسى هذا هو انجازى الوحيد.
لم أنم للحظه تلك الليله، قد تندهش أذا ما علمت أن أبى و أمى كانا أساتذة فى الجامعه وأعضاء بارزين فى اليسار المصرى، هل ماتا حسرة على، انا على يقين أنهم لم يكونا راضيين عن تصرفاتى واتجهاتى وحاولا معى كثيرا منذ أن صممت على ارتداء الحجاب وانا مازلت فى ثانوى، أكثر من ثلاثين عاما لكى أعى ما كانت تقوله لى أمى.
ما أن دقت الساعة الحاديه عشر صباحا، ارتديت ملابسى، اقصد ارتديت نقابى ولملمت بقيتهم فى شنطه سوداء من شنط الزباله، ونزلت وكان يوما مزدحما جدا، تخلصت من الشنطة السوداء فى أقرب صندوق قمامة عمومى فى الشارع، ذهبت إلى أقرب مكتب استطيع منه ارسال فاكس وأرسلت باستقالتى إلى الشركة، توجهت بعدها إلى مجموعة محلات ملابس كنت أمر عليها فى طريقى من وإلى البيت ولم يخطر ببالى ولو لحظه أن أكون من روادها، اشتريت أطنانا من الملابس والجزم، ارتديت جزمه كعب عالى هل تصدقون ذلك، كنت مرعوبة أن أقع، سألت فتاة المحل فى حرج عن أقرب كوافير فى المنطقة، صبغت شعرى وهذبت أظافرى. تبادلت الحوار من رواد الكوافير وسألت احداهن عن وسيلة للتخسيس أعطتنى اسم دكتور وعنوانه وكذلك نادى صحى (جيم)، قررت الذهاب إليهم .
اشتريت دش وتليفزيون وموبايل جديد، لا تهزأوا بى أرجوكم فهذه هى الحقيقه، وغيرت رقم هاتفى حتى لا يستطيع أحد الوصول إلى مرة أخرى. أحسست بشوق غريب للقراءة، ذهبت إلى مكتبه مدبولى، نعم مكتبة مدبولى فى وسط البلد فهى الوحيده التى أعرفها منذ كنت فى الجامعه، سألنى البائع عن ماذا أبحث قلت له “عايزه كتب فى كل حاجه، روايات أدب فلسفة شعر منطق موضه سياسه” ضحك الرجل وقال لى “الدنيا كلها تحت أمرك”
فى طريق عودتى، مررت على الجامعه الامريكيه، أريد أن اتعلم سألت على الدراسات الحره وسجلت دراسات فى الاداره، ثم سجلت دارسات حره فى الكمبيوتر أردت أن أسجل ايضا فى الاقتصاد ولكنهم نصحونى أن انهى ذلك أولا ثم أكمل.
تذكرت أننى كنت عضوة فى نادى رياضى عريق، وقررت تجديد عضويتى، وقبل عودتى إلى البيت زرت أبى وأمى فى قبرهما اعتذرت لهما عن خيبة الأمل التى أصابتهم بسببى وتمنيت أن يغفرا لى، وفى نيتى زيارة أخى فى المانيا.
رجعت البيت فتحت كل الشبابيك والانوار، غيرت الستائر، رصصت ملابسى الجديده فى دولابى، رصصت كتبى الجديده فى المكتبة، علقت صور أبى وأمى وأخى وسمعتهم يقولون لى “حمد الله على سلامتك”