هيثم حسين
تثير الجوائز المخصّصة للرواية بالعالم العربي،
وخاصة جائزتي "البوكر العربية" و"كتارا"، حراكًا أدبيا وإعلاميا
كبيرًا، تلفت الانتباه إلى الحركة النشطة التي تشهدها
الرواية العربية من حيث الكم
المنشور، وتتحول النتائج المعلنة، والقوائم السابقة عليها، إلى اهتمام إعلامي بالأعمال
المختارة وأصحابها، بحيث يتجلى انتعاش الفن الروائي عربيا، ولو من حيث الكم الذي لا
بد أن يفرز النوع بالتراكم.
وأصبح كثيرون من الروائيين العرب حريصين على أن
يوقتوا موعد صدور رواياتهم، أو إنهائها ونشرها، بالتزامن مع مواعيد التقدم للجوائز،
بحيث أصبح العامل الزمني بمثابة قيد ذاتي يطبقه بعضهم على أعماله، وقد يتسبب ذلك في
الاستعجال في دفعها إلى المطبعة، أو الحرص على نشر عمل كل سنة ليكون حاضراً في الترشيحات،
ومتكرراً على مدار الدورات.
بتخصيص الحديث عن الجائزة العالمية للرواية العربية
المعروفة اختصارًا بـ"البوكر العربية"، يلاحظ المتابع أنه لا يكاد يتم الإعلان
عن القائمة الطويلة في أي دورة من دوراتها إلا وينشط التخمين والتكهن عن أسباب اختيار
روايات بعينها وإقصاء أخرى.
وكعادة السنوات السابقة لم تخلُ دورتها الحالية
(التاسعة)، التي أعلنت يوم 12 يناير/كانون الثاني الجاري لائحتها الطويلة (16 رواية)
تم اختيارها من بين 159 رواية ينتمي كتابها إلى 18 دولة عربية، من لغط وسجال وتجاذب،
بدأ باستبعاد رواية "في الهُنا" للكويتي طالب الرفاعي لمخالفتها شروط الجائزة،
ولن ينتهي، كالعادة، حتى بعد الإعلان عن الرواية الفائزة.
اتساع وشمولية
ورغم أن الجائزة مخصصة للنصوص الروائية، وليس للروائيين،
أو الدول التي ينحدرون منها، لكن لا يخفى أن هناك مراعاة لجوانب جغرافية، في دورات
الجائزة، ربما لإضفاء نوع من الاتساع والشمولية والتنويع عليها، وتفعيلها في مشرق العالم
العربي ومغربه، وقد يؤخذ الأمر على أنه محاصصة غير معلنة، في حين أنه لا يتعدى اختيار
الأعمال، بحسب المُعلَن.
اختيرت روايات القائمة الطويلة من سبع دول عربية،
هي: مصر وفلسطين وسوريا والعراق والمغرب ولبنان والسودان. وقد لوحظ غياب روايات من
دول مثل السعودية والجزائر وتونس، التي كانت الجائزة في الدورة الماضية من نصيبها من
خلال رواية "الطلياني" لشكري المبخوت.
لم يخلُ تعليق رئيس لجنة التحكيم، الذي لم يتم الإعلان
عن اسمه بعد، من أحكام عامة تكاد تنطبق على معظم الروايات العربية المقدمة للمنافسة
على الجائزة، وأشار إلى تمكن الروايات "من طرح قضايا الإنسان العربي: المعيشية
والنفسية والسياسية والاجتماعية، كما أدانت كل أشكال العنف والطائفية الدينية والسياسية
والاجتماعية والقبلية والدكتاتوريات المعاصرة. وتنافست الروايات على أن تكون الأرقى
والأكثر تطوراً وتجديداً من حيث المضمون والشكل والمعالجة والتقنية السردية".
يمكن رصد ملامح متقاطعة لبعض الأعمال المختارة،
من ذلك مثلاً، حفرها في تاريخ المنطقة ومحطات متقاطعة مع تاريخ الآخر، ومحاولة توثيق
الذاكرة الاجتماعية للأماكن التي قدمتها ونبشت تاريخها، بالإضافة إلى المتغيّرات السياسية
والتاريخية التي كان لها تأثير في بلورة الشخصية المعاصرة، ومنها "كتيبة سوداء"
للمصري محمد المنسي قنديل، و"مديح لنساء العائلة" للفلسطيني محمود شقير،
و"ترانيم الغواية" للفلسطينية الأردنية ليلى الأطرش، و"مصائر.. كونشرتو
الهولوكوست والنكبة" للفلسطيني ربعي المدهون، و"معبد لأنامل الحرير"
للمصري إبراهيم فرغلي.
أجيال متنافسة
تحاول لجنة التحكيم كعادتها مراعاة التنويع، سواء
الجغرافي أو الجيلي، فالإشارة إلى أن هناك ثلاثة روائيين تحت سن الأربعين تكون من باب
التركيز على دعم التجارب الشبابية، وقد سبق للجائزة أن مُنحت لروائيين شباب، منهم الكويتي
سعود السنعوسي الذي كان في الثانية والثلاثين من عمره عن روايته "ساق البامبو"
2013، وكذلك للبناني ربيع جابر وكان في الأربعين من عمره عن روايته "دروز بلغراد"
2012.
يلاحظ المتأمل في اللائحة الطويلة حضور ثلاثة أجيال
روائية عربية، تتنافس فيما بينها على الفوز بالجائزة، ويكون التنافس قوياً، ربما يميل
لصالح الكبار نظرياً، لأن ذوي الخبرة يفوقون الشباب حنكة ومراناً وتمرساً وتكرساً،
في الوقت الذي يتقدم فيه الجيل الجديد مندفعاً بهواجس التجريب ومزاعم التجديد.
ولربما يمكن بشكل تقريبي تقسيم المختارين ضمن اللائحة
الطويلة بحسب الأجيال إلى ثلاثة أجيال، من جيل الأكبر سنّاً الفلسطينيون: محمود شقير
(1941)، وربعي المدهون (1945)، وليلى الأطرش (1948)، والمصري محمد المنسي قنديل
(1949)، واللبناني جورج يرق (1958).
ومن الجيل التالي المغربي عبد النور مزين
(1965)، والمصري إبراهيم فرغلي (1967)، والسوريان محمد حسن الجاسم (1966) وشهلا العجيلي
(1976)، والسوداني حامد الناظر (1975)، والمصري محمد ربيع (1978)، وممن هم الأصغر سنّاً
المغربي طارق بكاري (1988) واللبناني أحمد محسن (1984).
يظل التجاذب متفاعلاً إلى حين إعلان القائمة القصيرة،
ومن بعدها الرواية الفائزة، فهناك مَن يقول بأحقية فوز هذه الدولة أو تلك، أو تكريم
هذا الروائي أو ذاك لاعتبارات ربما لا تتعلق بروايته نفسها، بقدر ما تتعلق بتوازنات
وتصديرات مقترحة.