-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent

متى نتحدث عن علوم أدبية ولسانية؟ سعيد يقطين

باتفاق مع الكاتب
تأسست كلية الآداب العربية لتضطلع بالبحث العلمي في اللغة والأدب على غرار كل المؤسسات الجامعية الأخرى في كل الحقول المعرفية والبلدان المتطورة. 
ورغم مرور أزيد من قرن على كليات الآداب الأولى في الوطن العربي إلى الآن، ما يزال السؤال الذي لم نطرحه قط، يفرض نفسه، حول الأدب بالخصوص، وهو: هل عندنا علوم أدبية، أو على الأقل علم أدبي نشتغل به، ونبحث في ضوء إجراءاته ومبادئه ومقاصده؟ ونعمل على تطويره بهدف تطوير الدراسات الأدبية واللغوية العربية؟
قد يعترض معترض بالذهاب إلى أن الأدب لا يمكن أن يدرس دراسة علمية. فهو ليس «مادة» قابلة لأن نجري بصددها الأبحاث التجريبية، ولا يمكن أن نطبق عليها إجراءات البحث العلمي، التي يمكن تطبيقها على العلوم الطبيعية، بدرجة كبرى، والعلوم الاجتماعية بالدرجة نفسها.
إن النصوص الأدبية التي يُهتم بها في كليات الآداب عرضة لتدخل ذاتية الباحث، ولا يمكن من ثمة التعامل معها بالموضوعية التي تقتضيها باقي العلوم. ولا يمكن للحديث عن «العلم الأدبي» إلا أن يكون ضربا من العسف الذي لا طائل يرجى منه. إنه قتل للأدب وجماليته، إن الأدب ليس قابلا لأن يكون موضوعا للبحث العلمي، هذا هو لسان الحال.
هذا المعترض الذي أومأنا إليها ليس مفترضا، إنه واقعي وحقيقي أيضا، ويمكن أن يتحدد بالأسماء والأعلام الذين تمتلئ بهم الساحة العربية حتى يوم الناس هذا، سواء بين ردهات الكليات أو أروقة المؤتمرات، أو على منابر الإعلام الثقافي والمجلات «المحكمة».
ومحاولة منا لتسويغ أهمية السؤال الذي صدرنا به حديثنا، نقدم بعض الملاحظات لإبراز تهافت ذلك الاعتراض، من جهة، وعدم ضرورة الاستمرار في ممارسته كلما تعلق الأمر بالأدب، من جهة ثانية، والعمل على الإقدام على جعل كليات الآداب متلائمة مع وظيفتها العلمية، بصورة جديدة ومختلفة، وهي تتعامل مع الأدب من جهة ثالثة.
كثيرا ما يتم التلفظ بالبحث العلمي وعنه، في النقاشات التي تدور بين الأساتذة المشتغلين بالأدب. وهم في وصف المقررات وتبيين الأهداف يصرون على الإكثار من الحديث عن البحث العلمي، والروح العلمية والإجراءات والمنهجيات. وكثيرا ما كنت أجدني أتساءل، مع نفسي، عندما يشرع رئيس الجلسة في الترحيب بالحضور الكريم في «هذه الجلسة العلمية»، الذي يذيله عادة بالقول بأن هذه الجلسة كانت «علمية» بامتياز؟ وعندما أحاول استرجاع وقائع تلك الجلسة لا أجد في الحصيلة غير السجال، ووجهات النظر غير المؤسسة على أي منظور يرتبط بالعلم، أو بإجراءاته بصلة، واتباع خطوات الإقناع والحجاج والإفحام.
في استمارات تحكيم المقالات المتصلة بالحقل الأدبي، نجد المجلات العربية تقترح خانات تتصل بالمنهج العلمي المتبع، وبالأصالة العلمية، والروح العلمية في التحليل. وكنت أجد صعوبة في كل المرات في ملء مثل هذه الخانات بما يتطابق مع متطلبات البحث العلمي وإجراءاته، من خلال الدراسات المقدمة. وكنت أجيب بالوعي السائد، الذي يختزل البحث العلمي في مواصفات أكاديمية تتصل بكتابة المراجع، وتنظيم البيبليوغرافيا، والسلامة اللغوية. ولعل هذه هي المواصفات العامة التي نرتهن إليها في التقويم «العلمي» للأطاريح والرسائل الجامعية. ويكفي حضور بعض المناقشات لنجد ثلاثة أضعاف وقت النقاش تدور في فلك الأخطاء اللغوية والمطبعية. وقلما يتم النقاش حول المنهج أو المناهج التي يلفق بعضها إلى جانب بعض بدون وعي علمي أو مسوغات إبستيمولوجية. ومع ذلك تنتهي المناقشة بدرجة تخول للباحث مزاولة «البحث العلمي»، والإشراف على الرسائل «العلمية». إن الحديث عن المنهج والتحليل هو من صميم البحث العلمي. ولكننا نصر، واقعيا، على توظيف مصطلحات مثل التحليل والمنهج، ولكن بدون أن نحملهما الحمولة الملائمة للممارسة العلمية، حين نستعملهما بكيفية لا علاقة لهما بالبحث العلمي؟ ولعل قولنا الذي لا يخلو منه كتاب أو أطروحة إلى حد أن غدا بمثابة أسطورة: «النص يفرض المنهج»، أو «النص لا يمكننا تحليله بمنهج واحد»، خير دليل على عدم أخذنا بأسباب البحث العلمي، رغم كثرة ترديدنا لمقولات المنهج والتحليل والبحث العلمي؟ وعدم إيماننا بالبحث العلمي، وإن كنا نزعم غير ذلك.
النص يفرض المنهج، والنص لا يمكن أن يحلل بمنهج واحد لأنه متعدد ومنفتح، والقول بتكامل المناهج أو المنهج التكاملي؟ هذه هي الأساطير «المنهجية العلمية» التي اشتغلنا بها على مدى أكثر من قرن من الزمان، وما نزال نسير على المنوال نفسه، وإن استعملنا مصطلحات ومفاهيم تأسست في حقول معرفية أخرى، أو استشهدنا بباحثين وعلماء أجانب، وملأنا دراساتنا بالاستشهاد منهم، ستظل دراستنا الأدبية بمنأى عن العلم والبحث العلمي.
ما قلناه عن الأدب والدراسة الأدبية، ينسحب على اللغة. ورغم حديثنا عن علوم العربية، كما فعل القدامى، فإننا ما نزال نتردد للأسباب نفسها، عن تسمية العلم الذي يدرس اللغة هل هو «العلوم اللغوية»، أم «اللسانيات»؟ ولعل الحديث عن الصرف والنحو سوى ترجمة للتذبذب نفسه. إن طرح سؤال «العلمية» في الدراسة الأدبية واللسانية هو المدخل الطبيعي لكليات آداب تضطلع بالبحث العلمي؟ وإلا فهي مؤسسات للتكوين والتعليم.
كاتب مغربي

متى نتحدث عن علوم أدبية ولسانية؟
سعيد يقطين

عن الكاتب

ABDOUHAKKI ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا