واضح أن الرئيس بوتفليقة قام خلال 16 سنة من الحكم
بنزع الشرعية عن كل مؤسسات الدولة، من البرلمان إلى الحكومة إلى المجلس الدستوري، إلى
نزع الشرعية
عن الأحزاب الحاكمة، ثم عمد إلى نزع الشرعية عن الرئاسة نفسها، والرئيس
بالذات، من خلال عهدة رابعة عدم شرعيتها القانونية صارخة.
الآن.. الرئيس يتجه إلى نزع الشرعية أو بقايا الشرعية
عن الدستور نفسه، الذي يحكم به البلد، من خلال إقرار تعديلات غير قانونية وغير دستورية
ومشبوهة، وبوسائل وطرق مشبوهة وغير مقبولة للأسباب التالية:
من الوجهة الشرعية لا يمكن للرئيس أن يدعي بأن الدستور كله غير صالح،
وهو الذي انتخب على أساسه أربع عهدات، وحكم بمحتواه البلد 16 سنة كاملة.. فإذا كان
الدستور غير صالح، فحكم الرئيس كان طوال 16 سنة غير صالح أيضا، وهذا يعني أنه حكم البلاد
خارج الشرعية طوال هذه المدة، وبالتالي لا يحق له أن يضع الدستور الجديد، هو ومن معه
ممن اجتمعوا لوضع الدستور الجديد.
إذا كان الدستور صالحا وفيه بعض المواد فقط التي تعرقل عمل الرئيس وحكومته
وتتطلب التعديل، فهذه المواد ينبغي أن يتم تحديدها وعرض أسباب فسادها واقتراح صيغ تعديلها
أو تغييرها على الشعب في استفتاء، والذي له وحده حق التعديل، باعتباره يملك السلطة
التأسيسية وليس الرئيس، وفي هذه الحالة لا يمكن الحديث عن تغيير الدستور، بل الحديث
عن التعديل فقط، أما إذا كان الأمر يتعلق بتغيير الدستور وليس تعديله، فالحاجة تصبح
أكيدة للعودة إلى النظام التأسيسي، كما حدث في تونس، ولا يحق لا للرئيس ولا للحكومة
ولا لجهة أخرى أن تحل محل صاحب السلطة التأسيسية بنص الدستور، وهو الشعب في إعادة صياغة
دستور جديد.
واضح أن الرئيس، أو من يحيط به، دخلوا في مرحلة جديدة من العبث بالمؤسسات،
وهو العبث بالدستور في أهم أركانه، وهو السلطة التأسيسية، فأرادوا سحبها من الشعب وممارستها
نيابة عنه، مثلما زيّفوا بواسطة التزوير الانتخابات وأنشأوا باسم الشعب مؤسسات مزوّرة
حكمت البلاد بلا شرعية ولا تمثيل حقيقي للشعب.
لماذا لا يقدم لنا الرئيس الأسباب الحقيقية التي جعلته يعطّل العمل ببعض
مواد الدستور طوال 16 سنة كاملة، ومنها المادة 158 التي تنص على إنشاء محكمة الدولة
التي تحاكم الرئيس والوزير الأول عن الأخطاء في ممارسة الحكم؟! لماذا بادر بإنشاء المجلس
الإسلامي الأعلى الذي ينبّه الرئيس إلى ضرورة أداء صلاة الاستسقاء إذا لم يسقط المطر،
ولم ينشئ المحكمة التي تحاكم الرئيس عن أخطاء قانون المحروقات الذي مرّره الرئيس عبر
البرلمان بالقوة، خدمة لشكيب خليل، ثم تراجع عنه بعد أن ألحق أضرارا كارثية بثروة البلد؟
لماذا أنشأ المجلس الأعلى للغة العربية الذي شيّع العربية إلى مثواها الأخير في عهد
الرئيس، ولم ينشئ محكمة الدولة التي تسأل الرئيس لماذا سمح باستخدام أجواء الجزائر
من طرف الاحتلال السابق مرورا إلى ضرب دولة جارة وهي مالي؟! أو تسأل الرئيس أين صرف
800 مليار دولار طوال 15 سنة من حكمه ولم ينجز ما يطمح إليه الشعب، وفوّت على الشعب
والبلد فرصة الإقلاع الاقتصادي التاريخي؟!
الرئيس بالتعديلات الجديدة يريد تكييف البلد ودستور
البلد مع حالته، ويرتب بذلك الأمر وفق دستور يضعه مع المجموعة التي اجتمع بها مؤخرا،
والتي تضع دستورا للبلاد ويمرّر بنواب الحفافات، وهؤلاء جلهم لم يضع رجله في الجامعة،
وأحسنهم تخرّج من مدرسة للتكوين المهني، ويعتمدهم الرئيس في وضع دستور للشعب، على صيغة
الآية.. إنه من بوتفليقة وإنه باسم الرئاسة فوافقوا عليه صاغرين