-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الأحزاب و»هجاء» الإيديولوجيا : عريب الرنتاوي

منذ انهيار تجربة الاتحاد السوفياتي، وقبلها سقوط تجربة الأحزاب القومية العربية، وبعدها، مأزق الحركات الإسلامية التي تفجّرت في سياقات «الربيع العربي»، تسود
الخطاب الحزبي العربي، السياسي والفكري، موجة عارمة من «الهجاء» للإيديولوجيا، و»المديح» للبرامج والبرامجية في العمل السياسي، ويجري باستمرار استحضار تجربة الأحزاب السياسية في الغرب، بوصفها الشاهد والدليل، على «خطل» الأولى و»نجاعة» الثانية، من دون تأمل في أسباب انهيار «الإيديولوجيا» في تجربتنا العربية، أو توقف أمام اختلاف السياقات الغربية عن مثيلتها العربية.
وبرغم مرور أكثر من ربع قرن على اندلاع هذا النقاش في العالم العربي، أخفقت التجارب الحزبية العربية، في انتاج نموذجها الخاص لـ «الأحزاب البرامجية»، وليس هناك بلد عربي واحد، قدم «بديلاً» ملهماً على هذا الصعيد، وما زالت الأحزاب الإيديولوجية وحدها، من يمتلك القاعدة الاجتماعية والنفوذ، على الرغم من تنامي الوعي العام بمأزق هذه الأحزاب ومآلاتها الصعبة.
في استعراض سريع للخريطة الحزبية العربية، يتبين أننا أمام أنماط ثلاثة أو أربعة رئيسة من الأحزاب: الأحزاب العقائدية، إسلامية ويسارية وقومية، ما زال لها حضورها الفاعل والمتفاوت في عدد من الدول العربية، خصوصاً الإسلامية منها، وعلى اختلاف مدارسها ومذاهبها ... القوميون أكثر من غيرهم، يعانون كُساحاً مزمناً، تتفاقم أعراضه منذ الهزيمة المشؤومة في حزيران 1967 ... واليساريون يتمتعون نفوذ متفاوت من دولة إلى أخرى، مع إنهم بمجملهم، يقبعون على «هامش» الخريطة السياسية والحزبية في بلدانهم.
وهناك أحزاب السلطة أو «المخزن» التي تعيش تجربة «زواج متعة» مع الدولة العميقة أو «العسكر»، وتسعى في تشكيل ذراع للسلطة، أو أنشئت على عجل في بعض الدول، لمعادلة نفوذ الإسلاميين، أو لمنع عودتهم في السلطة ... هنا تقفز إلى الأذهان تجارب من نوع «الإصالة والمعاصرة» في المغرب، و»نداء تونس» و»في حب مصر» بوصفها التعابير الأكثر وضوحاً عن هذا النمط من الأحزاب، او امتداداً طبيعياً للأحزاب الحاكمة التي نشأت على قاعدة «تزاوج المصالح وتبادل المنافع» بين السلطة و»وجهاء» المناطق والطوائف والعشائر و»الأعمال»، هنا تحضر تجربة «الوطني» في مصر، و»الدستوري» في تونس» و»الشعبي» في اليمن، كحالات مُحملة بالدلائل والدروس.
السلطة والمصلحة، هما «اللاصق» الوحيد الذي يجمع عناصر الحزب وقياداته في هذا النمط من الأحزاب، و»الانتهازية» غالباً، هي الرابط التي يبقيها على قيد الحياة، ولقد أثبتت تجربة «الربيع العربي»، أنها أحزاب هشّة تماماً، سرعان ما يتبخر نفوذها عندما تنتهي صلاحية «اللاصق» الذي يبقيها «قطعة واحدة» ... والتأمل في تجربتي «نداء تونس» و»في حب مصر»، يظهر بما لا يدع مجالاً للشك، أننا أمام ظاهرة متحركة وعابرة، قد تنتهي قبل أن تبدأ، وقد تفشل عند أول اختبار، في السلطة والصراع على مواقعها ومنافعها.
وهناك نمط آخر من الأحزاب، نشأ وتطور على هامش «حروب الطوائف والمذاهب والأقوام» في المنطقة، صحيح أن الرابط الإيديولوجي ليس ظاهراً في خطابها وممارستها، بيد أنها أحزاب تدّعي تمثيل مصالح فئة من السكان والدفاع عنها ... هنا تستوقفنا تجربة «أحزاب الطوائف» في لبنان، فهي وإن كانت أحزاباً «غير دينية» أو حتى «علمانية»، إلا أنها في مضمونها، هي أحزاب طائفية ومذهبية و»إقوامية»، ولقد نجحت هذه الأحزاب في توفير «اللاصق» المطلوب في «العصب المذهبي والطائفي» من دون إيديولوجيا من أي نوع... كما تستوقنا هنا تجربة بعض الأحزاب الناشئة في العراق، ولعل تجربة «العراقية» برئاسة إياد العلاوي، وبعض الكيانات الأخرى، من كردية وسنية، توفر نموذجا دالاً على طبيعة هذا النمط من الأحزاب وآليات عمله وتطوره.
بخلاف هذه الأنماط، تبدو بقية الأحزاب التي تُسبغ على نفسها طابعاً برامجياً، هزيلة للغاية، لم تستطع أن تفرض حضوراً وازناً في الحياة السياسية والحزبية في بلدانها، ويوفر الأردن، نموذجاً على فشل هذه الأحزاب في احتلال موقع وازن على الصعيدين السياسي والشعبي، مع وجود ما لا يقل عن 30 حزباً «برامجياً»، من دون أن تترك أثراً في الحياة العامة.
العمل الحزبي، في بلداننا على نحو خاص، هو عمل «نضالي» بالأساس، فكرة «المناضل الحزبي» غابت كلياً عن ثقافة أحزابنا في المشرق على نحو خاص ... وهي بحاجة إلى هذا «اللاصق» الذي يعزز وحدتها ويبلور إرادتها الجمعية، ويدفع كادراتها ومناضليها، إلى ميادين الكفاح الشعبي السلمي، من أجل الإصلاح والتغيير، وإنفاذ رؤية الحزب وبرنامجه ... والرابط هنا، سيكون «جهوياً» أو «فئوياً» إن لم يكن إيديولوجياً ... ومن الأفضل من منظور «وحدة المجتمعات العربية وسلمها الأهلي وسيادتها الوطنية»، أن يكون هذا «اللاصق» إيديولوجياً منفتحاًعلى مساحات وفضاءات واسعة.
والإيديولوجيا هنا، لا تعني بالضرورة أن «الدوغمائية» أو الوقوع في براثن «سلفيات» مختلفة، وهناك سلفية يسارية وأخرى قومية، وليس إسلامية فحسب ... الإيديولوجيا يمكن أن تحدد وجهة الحزب واتجاهه، وأن ترسم أولويات تحالفاته والفئات المستهدفة بنشاطاته، تماماً مثلما هو الحال في كثير من «الديمقراطيات» التي لا تخفي انحيازات أحزابها صوب اليمين واليسار، التقدم والمحافظة، والتي تحتمل  بدورها، وجود أحزاب بمرجعيات أخلاقية وقيمية دينية، من دون تسقط في مستنقع «التزمت» أو في براثن خطاب ديني إقصائي لا يعترف بالآخر، ولا يحفظ له موقعاً
بدل المضي في «هجاء» الإيديولوجيا، نقترح على أحزابنا العمل على مراجعة إيديولوجياتها السابقة، وتحديثها وتطويرها، وتنقيتها من مظاهر «الغلو» و»الدوغمائية» و»السلفية» ... أما الأحزاب «البرامجية» فلا خلاص لها من «تيه البرامج»، سوى بتحديد الوجهة والتوجهات والانحيازات والأولويات، وغالباً بمنسوب إيديولوجي، يرتفع وينخفض بين حزب وآخر، ومن مرحلة إلى أخرى.
حزب بلا «قضية صلبة»، تجعله مختلفاً، وتجعل منه جاذباً لفئة أو جماعة أو طبقة، أو «ِشعب» في حالة التحرر الوطني، لن يكتب له البقاء والاستمرار والتوسع، حتى وإن بدا للحظة معينه، أنه طريق الخلاص وممثل الأغلبية... ويكفي أن نتأمل في خريطة الأحزاب العربية، حتى تتضح بصورة أفضل، عناصر الفكرة التي ندعو لها.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا