الشاعر لا يصنع الديكتاتور، الديكتاتور هو الذي
يحتاج الشاعر.
قرأت في جريدة «الحياة» الصادرة يوم الثلاثاء
19 آذار/مارس 1999 مقالاً لاسم
معروف في الجريدة، المقال بعنوان «مديح الديكتاتور».
الكاتب يُحمّل الشعراء مسؤولية تطرف الحكام الديكتاتوريين فيقول: «كم من الجرائم ارتكبناها
باسم المديح». ثم يورد الكاتب أمثلة على ذلك منها: مديح الشاعر الوزير شفيق الكمالي
لصدام حسين.. ومن جملة ما قال: «وهكذا أبو تمام يمدح (الخليفة العباسي) ولم يذكر اسم
الخليفة ـ بقصيدة يقول فيها:
(فصيح إذا استنطقته وهو راكب ….) إلى آخر
القصيدة التي وصف فيها أبو تمام (القلم) وصارت ضمن (الحزورات).
فكتبت أنا تعليقاً أو تصحيحاً لأرسله إلى جريدة
«الحياة» في اليوم التالي بعنوان «هذا قلم وليس خليفة عباسياً».
قالت صديقتي ضيا وأنا ضيفتها في لندن: هل أنت، بحاجة
إلى أعداء؟
قلت لها أعلم «إن قول الحق لم يدع لي صديقاً».
قالت: وهو بالإضافة رئيس ابنتي لينا في العمل.
قلت: إلى هنا.. سأسكت، وطويت المقال.
حسن الأقتباس
قال أمروء القيس:
وتضحي فتيتُ المسكِ فوق فراشها
نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضلِ
تضحي أي تستيقظ الضحى لأنها مدللة وغنية والمسك
(هذا العطر الغالي قبل أن يصنع من البترول) منثور منها على فراشها.
ثم يكرر أو يُفسر نفس المعنى في الشطر الأول نؤوم
الضحى التي هي نفسها تُضحي، لم تتحزّم للعمل في الصباح لأنها غنية مدللة.
هذا البيت شاعر آخر أقتبس شطره الأول وأستغنى عن
التكرار في شطره الثاني بل طوّر المعنى كله بهذا الأقتباس فقال:
وتضحي فتيتُ المسك فوق فراشها
ويغدو به من حضنها من تعانقُ
هذا نموذج على حسن الأقتباس وذكاء في الشاعر المقتبس
وفي الشعر العربي نماذج كثيرة لمن يشاء.
نموذج آخر مخالف للأقتباس المتقدم ورد من الحديث
الشريف:
الناس سواسية كأسنان المشط
جميل هذا التشبيه، وأظنه لا يحتاج إلى تطوير أو
تطويل، لكن الفرزدق أخذه و(طوره) على ذوقه فقال
سواسيةٌ كأسنان الحمارِ
ومع أحترامي ومحبتي للحمار، الحيوان الذكي المطيع
الصبور صاحب أجمل عينين والمعروف بنظام أسنانه التي تكاد تكون أجمل (طخم)، إلا أن هذا
التشبيه يظل (يحرن) بالذوق ويخدش الأذن، وهو صناعة قبيحة وأقتباس غبي.
أديبة عراقية تقيم في كاليفورنيا