نشر باتفاق مع جريدة الأحداث المغربية
“أ الشتاتاتاتاتا…. أصبّي صبّي صبّي… أ المعلم بوزكري… طيّب لي خبزي بكري… باش نعشّي وليداتي”.
ولأن لدى البعض منا قدرة خارقة على اختلاق البدع،
فقد وجدنا بين أئمتنا من اعتبر بأن الجفاف الذي أصبح اليوم معطى شبه أكيد لهذه السنة،
هو بسبب انتشار الفساد وارتكاب الناس للمعاصي. هكذا وبكل بساطة. ولينتحر العقل والمنطق
شنقا بالرصاص. طبعا، لا بأس من أن نضيف أن الجفاف يتسبب فيه أيضا انحلال الفتيات ولباسهن
الضيق وفجورهن. ألا يقول المثل الشعبي: “الرابح مْن المرا، والخاسر من المرا”؟ الآن،
يمكننا أن نضيف: “الشتا من المرا، والجفاف من المرا”.
موقع هسبريس نقل مقاطع من خطب الجمعة الماضية في
مجموعة من مساجد المملكة. مقاطع يجب أن تستوقفنا بجدية لأنها تترجم لَعِبا بالعقول
وبالإيمان. إليكم هذه المختارات: “شح السماء وانحباس الأمطار سببه الرئيسي اقتراف العباد
للمعاصي دون التوبة إلى الله تعالى”، “ارتكاب المعاصي يُزيل النعم ويمحق البركة، ويؤدي
إلى غضب الله على العاصين، فيعم سخطه بأن يمنع رزقه على الناس، ومن ذلك الأمطار”. خطيب
جمعة آخر اعتبر أن “انهمار الغيث يستوجب التضرع إلى الله تعالى بإنابة وإخلاص، والاستغفار
الدائم من الزلات والآثام” بينما ذهب خطيب آخر، دائما حسب موقع هسبريس، إلى الربط بين
الجفاف وبين “حالة المعاصي التي يعيش عليها الكثير من الناس دون وازع ديني، أو رادع
أخلاقي”.
طبعا، هذا الجهل ليس استثناء مغربيا. في مصر والسعودية
أيضا سمعنا في وقت سابق رجال دين يقولون نفس الشيء: “ارتكاب المعاصي يتسبب في الجفاف”.
وليذهب العلم إلى الجحيم… وإلى الجفاف. مادام الله يعاقبنا مطرا ويعاقبنا جفافا.
والمواطن المؤمن البسيط الذي يذهب للمسجد لأداء
صلاة الجمعة، تترسخ في ذهنه هذ التصورات لتصبح حقائق ثابتة… ولا أحد يطرح عليه أسئلة
بسيطة من قبيل: إذا اعتبرنا الجفاف عقابا من الله بسبب ارتكابنا للمعاصي، فهل يعني
هذا مثلا أن الدول الغربية التي تتساقط فيها الأمطار بغزارة (أو على الأقل بمعدلات
أكثر منا) يرتكب مواطنوها معاصي أقل؟ في هذه الحالة، علينا أن نتخذهم قدوة…؟ هنا، سيخرج
علينا نفس الخطباء ليعتبرونهم كفارا وفاسقين ويدعون عليهم بتيتيم أطفالهم وترميل نسائهم.
لأن الله يرزقهم في الدنيا لكي يلهيهم عن الطريق القويم فيعاقَبون أشد العقاب…
وهنا… يسكت المنطق عن الكلام المباح…
ثم يتبادر للذهن سؤال آخر: هل في السنة الماضية
مثلا، حين أمطرت السماء بغزارة (أدّت في بعض الحالات إلى غرق المواطنين وتهدم البيوت)
كنا نرتكب معاصي أقل من هذه السنة؟ لنتذكر أنه حينها، ربط رئيس الحكومة بين سقوط المطر
وبين حب الله لحزبه. وانتهى. وليذهب المنطق مرة أخرى للجحيم.
سنجد دائما تفسيرات غيبية ولامنطقية لنبرر الجفاف
والمطر الغزير والزلازل والفياضانات. السماء تمطر هنا لأن الله يحب حزب العدالة والتنمية
وتمطر في أوروبا لأن الله يريد أن يلهي عباده هناك بنعم بالدنيا عن الآخرة. الجفاف
عندنا عقاب من الله لأن المواطنين يرتكبون المعاصي (هذه السنة طبعا، فالعقاب موسمي
والتفسير موسمي)، والعاصفة الثلجية في الولايات المتحدة عقاب من الله. والزلازل عقاب
من الله… لنتذكر أن وزراء في حكومتنا الحالية اعتبروا التسونامي التايلاندي عقابا من
الله للتايلانديين بسبب انتشار الدعارة والاستغلال الجنسي للأطفال.
لا يمكننا أن نترك الغيبيات تتحكم في عقول الناس.
لابد من خطاب عقلاني يشرح للناس بأن الله لا يعاقبهم بالمطر والجفاف والفياضات والزلازل.
بأن الله لا يقرر في سنة أن يغرقنا في الفياضانات ليعاقبنا ثم يسلط علينا الجفاف في
السنة الموالية ليعاقبنا أيضا. بأن سلوك المواطنين لا يتغير بين سنة وأخرى بشكل فجائي
بين المعاصي الباعثة على العقاب الرباني وبين الحسنات والتوبة. بأن التوزيع الجغرافي
للمطر لا يخضع لقوانين المعاصي بين بلد وآخر. بأن الجفاف والزلازل والفياضانات كوارث
طبيعية تخضع لتفسيرات علمية وليس لمعاصينا وللتوبة والعبادة.
وما دمنا لا نشرح كل هذا للمواطنين بالعقل والمنطق…
ومادمنا نستغل الإيمان في تمرير خطابات الجهل والتجهيل، فسنستمر في جني النتائج الكارثية
مستقبلا… وحينها، سنتساءل: من أين جاء هذا التطرف؟.. غيرْ مْن الشْتا اللي ما صبّاتش….
سناء العاجي