نحن لسنا رقميين بالكامل حتى اللحظة، ولا يوجد إنسان واحد على وجه الارض يزعم انه تحول إلى إنسان افتراضي رقمي 100%. ما زلنا نستخدم الورق وما زلنا نغادر منازلنا في الصباح...
محمد سناجلة
أثارت المقالة التي نشرتها في ملحق صحيفة الرأي الثقافي الأخير حول كتاب الأستاذ تاج الدين عبدالحق الاخير “أعلام وإعلام” ردود فعل كبيرة وردتني عبر الإيميل والفيسبوك وتويتر، أغلب الرسائل والأسئلة كانت حول المصطلح الجديد في اللغة العربية الذي استخدمته في وصف صديقي تاج وهو مصطلح “الورقمي”، وجمعه الورقميون، وهم مصطلح يستخدم للمرة الأولى في اللغة العربية.
من هو الورقمي ومن هم الورقميون؟ وعلى من ينطبق هذا الوصف ولماذا وكيف؟
للإجابة على هذه الأسئلة علينا أن نعرج أولا على الثورة الرقمية والزمن الرقمي والمجتمع الرقمي بإنسانه الجديد “الإنسان الافتراضي” الذي يعيش ويعمل ويحب ويحيا في المجتمع الرقمي عبر محيط من الشاشات التي تلفنا بألوانها طوال الزمكان.
ففي خلال برهة خاطفة من الزمن تغيرنا وتحولنا ودخلنا إلى طور آخر من أطوار التطور البشري، ثورة غيرتنا بالكامل وما زالت تفعل، وربما كانت الثورة الرقمية هي أخطر ثورة تمر على الإنسان منذ اكتشاف النار.
وأقول برهة من الزمن لأن العشرين سنة الماضية التي دخلنا فيها للعصر الرقمي لا تشكل سوى أقل من رمشة في تاريخ البشرية، ومع ذلك فإن هذه الرمشة هي الأخطر على الإطلاق حيث ولد فيها إنسان جديد بكل معنى الكلمة هو الإنسان الافتراضي وأخذ ينفصل بشكل سريع جدا عن سلفه وأبيه السابق “الإنسان العاقل” الذي خلف إنسان النينداترال قبل عشرات الآلاف من السنين.
في برهة من الزمان اختلف الإنسان، تغير، تبدل لم يعد عاقلا بل صار رقميا افتراضيا، وتبعا لذلك تغيرت الدنيا كلها بدءا من العمل وليس انتهاء بالحياة نفسها.
نحن الآن جميعا لا نستطيع أن نعمل من غير استخدام أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والانترنت، تصوروا لو انتهت الانترنت الآن، ماذا سيحدث؟…. سينهار اقتصاد العالم كله، سيتوقف الزمن ومئات الملايين بل مليارات من البشر ستجد نفسها بدون وظائف، بدون عمل ، بدون دخل… سندخل في صحراء من جدب وصقيع، وسنعود كائنات عاقلة وبائسة وخارج إطار الزمن!
إلى هذه الدرجة نعم، بل وأكثر، ليس فقط في العمل، بل في التواصل الإنساني، من يكتب رسائل ويرسلها بالبريد العادي الآن؟ من لديه بذخ انتظار شهر كي يأتيه رد رسالة ورقية؟ هذا على سبيل المثال لا الحصر، وقس على ذلك، الإنسان الجديد الرقمي، الافتراضي، يعيش ويعمل ويتاجر ويحب ويعشق بل ويمارس الجنس رقميا في المجتمع الجديد، المجتمع الافتراضي، ولا يمكن للزمن أن يعود للوراء أبدا.
لكن مهلا… هل نحن رقميون 100%، هل انتقلنا بالكامل من مرحلة الإنسان العاقل إلى الإنسان الافتراضي، أو السؤال بطريقة أخرى اكثر لؤما، هل انتهى عصر الورق فعلا، أم أننا ما زلنا نستخدمه بهذه الدرجة أو تلك.
الاجابة بكل تأكيد لا، نحن لسنا رقميين بالكامل حتى اللحظة، ولا يوجد إنسان واحد على وجه الارض يزعم انه تحول إلى إنسان افتراضي رقمي 100%. ما زلنا نستخدم الورق وما زلنا نغادر منازلنا في الصباح، ونستخدم السيارات للذهاب إلى مكاتبنا وشركاتنا ووظائفنا!
لماذا؟ لأننا ما زلنا نعيش في زمن التحولات، لأننا ما زلنا في لحظة الولادة العظيمة التي لم تكتمل بعد.
إذا للإجابة على السؤال الاول من هو الورقمي، أقول نحن ما زلنا جميعا ورقميين، بهذه الدرجة أو تلك، بعضنا ورقي بنسبة 20% ورقمي بنسبة 80% وهؤلاء هم أبناؤنا، جيلي رقمي بنسبة 60% فقط، الأكبر سنا، رقميون بنسبة 30% وهكذا، ما زلنا جميعا ورقميين نعيش لحظة التحول العظيمة، لحظة الخلق الاكبر للإنسان الرقمي الذي لم يوجد بعد بشكل كامل 100%.
لكن متى ستنتهي هذه المرحلة الانتقالية؟
أقول ليس بعيدا أبدا، أحفادنا أو أبناء أحفادنا على أبعد تقدير سيكونون رقميين فقط، بلا ورق وبلا سيارات للذهاب إلى العمل في ذاك الصباح الذي لن يكون صباحا. سنصبح رقميين بالكامل حين نتخلص من مشيمة الورق، ونقطع سرتنا الشجرية بالكامل.
عن موقع إرم
عن موقع إرم