أنطوان جوكي
لا يمكن إهمال الأنطولوجيا الجديدة التي وضعها المستعرب الفرنسي جان جاك
شميت تحت عنوان "قصص حب في تاريخ العرب"، وصدرت حديثا عن دار "أكت
سود"
الباريسية-سلسلة "سندباد"، فداخلها جمع المستعرب وترجم نحو
سبعين قصة حب شهيرة عرفها عالمنا العربي في تاريخه القديم.
كتاب مرجعي إذا من منطلق توفيره النصوص التي تدعم الأطروحات الأدبية
الكثيرة التي وضعت في أوروبا خلال العقود الأخيرة حول دور الأدب العربي القديم في
انبثاق شعر الغزل الذي ازدهر على الضفة الغربية من حوض المتوسط بين القرنين الـ11
والـ13.
قصص الحب المجموعة في هذه الأنطولوجيا تحضر وفقا لترتيب تاريخي مقسم إلى
خمسة عصور كبرى: عصر الجاهلية، وبدايات الإسلام، والعصر الأموي، والعصر العباسي،
والعصر الأندلسي.
واللافت في هذه القصص -بالنسبة إلى شميت- هو هويتها الموضوعية والسردية
والدرامية الواحدة رغم اختلاف ظروفها التاريخية وشخصيات أبطالها.
وجميع هذه القصص هي قصص حب محظورة، مما يفسر الكآبة التي تطغى على كل منها
والناتجة عن تعذر بلوغ الحبيب أو التواصل معه، ولا عجب بالتالي في انتهاء عملية
السرد غالبا بطريقة مأساوية، بموت أحد الحبيبين أو الاثنين معا، الواحد تلو الآخر،
علما بأن ثمة نهاية سعيدة لبعض هذه القصص.
"يقول شميت إن العرب هم شعب من الشعراء، وذلك منذ عصر الجاهلية، حيث
انبثق شعر خاص مكرس لإنشاد نبل وفضائل المرأة التي نظر إليها باعتبارها
السيدة"
لغة الحب
والملاحظ أيضا هو أن مشاعر الحب في هذه القصص تنبثق تارة بشكل مفاجئ عبر
لقاء بالصدفة، وتنمو بسرعة لتصبح هوى قاتلا، وتارة بطريقة طبيعية -منذ الطفولة-
بين حبيبين من عائلة أو قبيلة واحدة.
ويمكن للحب أيضا أن يصعق رجلا وامرأة يفصل بينهما الظرف الاجتماعي (بين
سيد وعبدة) أو الانتماء الديني (بين مسلم ومسيحية) أو لون البشرة، نظرا إلى أن
كونه يتجاوز هذه الفوارق.
وغالبا ما يكون أحد الحبيبين شاعرا، وأحيانا الاثنان معا، من هنا خيار
القصيدة كوسيلة رئيسية ومثالية للتعبير عن مشاعر الولع وأيضا لترجمة ألم الفراق
وعذابات الندم وهذيان الحبيب الذي يلامس الجنون في حنينه إلى حبيبته.
أما أسماء شخصيات هذه القصص فمعظمها بات أسطوريا في مخيلتنا الأدبية
والشعبية العربية، مثل عنترة وعبلة، جميل وبثينة، عروة وعفراء، قيس ولبنى، كثيّر
وعزة، ذو الرمة ومي، خصوصا قيس وليلى اللذين تجاوزت قصتهما حدود العالم العربي
لتبلغ إيران والهند وآسيا الوسطى وأفريقيا الشمالية قبل أن تصل الغرب أخيرا مع
أغنية إريك لابتون "ليلى".
بعض آخر من هذه الأسماء أقل شهرة، مثل نسيب وزينب، جعد وأسماء، الوليد بن
يزيد وسفرة، من دون أن ننسى أسماء الشخصيات التي عاشت في الأندلس، مثل أمير
إشبيلية المعتمد بن عباد وزوجته المفضلة اعتماد، أو الشاعر ابن زيدون الذي خصص
لحبيبته ولادة الجزء الأكبر من ديوانه الشعري.
في مقدمته لهذه الأنطولوجيا، يقول شميت إن العرب هم شعب من الشعراء، وذلك
منذ عصر الجاهلية حيث انبثق شعر خاص مكرس لإنشاد نبل وفضائل المرأة التي نظر إليها
باعتبارها "السيدة" التي غالبا ما يتعذر بلوغها، ومن أجل حبها يبدو
الرجل حاضرا للتضحية بنفسه وبكل ما يملكه.
وفي هذا السياق، يتوقف المستعرب عند قبيلة بني عذرة في شمال شرق الجزيرة
العربية التي اشتهر أفرادها بكتابة شعر غزلي صاف ورقيق للتعبير عن حب عذري، شعر ما
لبث أثره أن طاول شواطئ أوروبا الجنوبية فساهم في ولادة شعراء
الـ"تروبادور".
"المصادر التي اعتمدها شميت لإنجاز هذه الأنطولوجيا، هي: "كتاب
الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، ومصارع العشاق لأبي محمد السراج، وطوق
الحمامة لابن حزم، ونوادر العشاق لإبراهيم زيدان"
شعر الغزل
ويتناول شميت أيضا شعر الغزل الذي كتب في مكة المكرمة والمدينة آنذاك
وتغنى بدوره بعفة المرأة ورقتها ووفائها، لكنه تميز عن شعر بدو الصحراء بكونه أقل
غنائية وبوصفه جمال الحبيبة الجسدي بدقة بالغة وكلمات مصقولة لهذه الغاية.
ومع انتقال الحكم إلى دمشق خلال العصر الأموي شهدت هاتان المدينتان مرحلة
تميزت بحرية التفكير والمسلك نتج عنها إبداع في مختلف الميادين، كما يشهد على ذلك
شعر تلك الحقبة.
أما في ما يتعلق بقصص الحب التي جمعها ونقلها إلى الفرنسية فيشير المستعرب
إلى أن الجانب الأسطوري والخارق فيها محدود، وبالتالي فهي تشكل شهادات معيشة
وترتكز على وقائع حقيقية تنخرط ضمن ظرف تاريخي وسوسيولوجي محدد.
يشار إلى أن المصادر التي اعتمدها شميت لإنجاز هذه الأنطولوجيا هي أربعة
كتب: "كتاب الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، و"مصارع العشاق"
لأبي محمد السراج، و"طوق الحمامة" لابن حزم، و"نوادر العشاق"
لإبراهيم زيدان.
المصدر : الجزيرة