-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

مدونة الشغل بين مطلب العمال لتفعيلها وطلب المشغلين لتعديلها وتنكر الحكومة لإلتزاماتها بقلم: ذ. محمد المعاشي

في اطار مواكبة النقاش حول الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف، الذي إنبعث من مرقده يوم 13 أبريل 2016، القائم بين الحكومة المغربية والمركزيات النقابية الأكثر
تمثيلية حسب نتائج انتخابات المهنية الأخيرة لسنة 2015، والمتمثلة في الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وكذا المنظمة المهنية للمشغلين المتمثلة في الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إرتأيت أن أعود من جديد في مقالي للصعوبات التي تعترض التفعيل الكامل لمدونة الشغل( ) منذ أزيد من عشر سنوات إلى يومنا هذا( )، خاصة بعد أن تضمن جدول عمل اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي تعديل بعض مقتضيات مدونة الشغل.
وإذا كان تعديل بعض مقتضيات مدونة الشغل، يتطلب أثناء جوالات الحوار الاجتماعي وخاصة داخل اللجنة التقنية المنبثقة عن اللجنة الوطنية، الوقوف على مكامن الضعف الذي يعتري بنود المدونة وإشكالات تطبيقه على أرض الواقع، مع الأخذ بعين الاعتبار توصيات الأوراش الأربعة المنبثقة عن المناظرة الوطنية الأخيرة التي نظمتها وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية يومي 22 و23 شتنبر 2014 بالرباط،  تحت شعار " مدونة الشغل بعد عشر سنوات من التطبيق بين متطلبات التنمية وضمان العمل اللائق"( )، فإنه في اعتقادي، كان من الأولى أن يتم النظر في الأسباب الرئيسة التي تقف وراء تعطيل التفعيل السليم لمدونة الشغل، خاصة وأن المناظرة الأخرة داخل أوراشها أكدت كذلك على الصعوبات والاكراهات المتعلقة بتطبيق مقتضيات مدونة الشغل، عوض مصادقة أطراف الحوار على تعديلها، حيث ستستمر نفس العراقيل والصعوبات في التنفيذ بعد التعديل، ماعدا ما هو لصالح أرباب العمل.
يعتبر صدور مدونة الشغل في دجنبر 2003 الذي توج اتفاق 30 أبريل 2003( ) من جهة، كأهم حدث طبع هذه المرحلة ضمن سلسلة من الإصلاحات القانونية والقضائية التي عرفها المغرب في بداية الألفية الثالثة، ومن جهة اخرى، يعتبر مساراً تاريخيا، ساهمت فيه ظروف سياسية واقتصادية، حيث أن صياغة المدونة تم بتوافق الأطراف الثلاث، الحكومة والفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين، في اطار المفاوضات الجماعية خلال الفترة الممتدة بين سنوات 1994 و2003 واعتمادها بالاجماع، في الوقت الذي كان التشريع الإجتماعي آنذاك عبارة عن نصوص تشريعية متناثرة ومتقادمة تتميز بالتبعثر والتشتت والتجاوز.
والحوار الاجتماع الحقيقي، يعتبر أحد الركائز الأساسية في تطوير العلاقات المهنية واستقرارها واقرار السلم الاجتماعي والحفاظ على رصيد الشغل داخل المقاولات والمؤسسات الإنتاجية، كما يشكل دورا حيويا في ترسيخ البناء الديمقراطي وانعاش التنمية الاقتصادية وتوطيد الاستقرار الاجتماعي في البلاد، وقد جاء الدستور المغربي في فصله 13 ليؤكد على السلطات العمومية العمل على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.
إن إنعقاد جلسات الحوار الاجتماعي برئاسة الحكومة، يأتي نتيجة ثمرات نضال المستمر والمتواصل للحركة النقابية التي رفعت من وتيرة نضالاتها، بعد أن خاضت سلسلة من المعارك النضالية، المتجلية في ثلاث إضرابات عامة في ظل الحكومة الحالية والذي لم يشهده المغرب سابقاً، بالاضافة إلى إضرابات قطاعية التي لا تعد ولا تحصى، ووقفات احتجاجية وطنية وقطاعية، كما تم تأجيل المسيرة الوطنية من الدار البيضاء إلى الرباط التي كانت ستخوضها  يوم 10 أبريل 2016 من الدار البيضاء اتجه الرباطـ من جهة، ومن جهة أخرى، مساهمة المجتمع المدني كفاعل أساسي في الحركات الاحتجاجية وكقوة مجتمعية مستقلة عن النقابات والأحزاب السياسية وعن الدولة كذلك، حيث عرفت الساحة الوطنية مؤخرا احتجاجات منعددة من ثورة الشموع بطنجة الى خروج آلاف طلبة الطب ومسيرات واحتجاحات الأساتذة المتدربون على الصعيد الوطني واعتصامات وإضراب عن الطعام، ناهيك عن المسيرات الإحتجاجية والمتعددة للعاطلين على الصعيد الوطني، وأصداء هذه الاحتجاجات القوية ساهمت فيها شبكات التواصل الاجتماعي عبر الانترنيت بشكل كبير، وهي تعد ظاهرة إعلامية جديدة الأبرز في عالمنا اليوم، وتعتبر من أحدث منتجات تكنولوجيا الاتصالات وأكثر شعبية، حيث لعبت دورا هاما في تنمية الوعي السياسي والاجتماعي داخل الوطن وخارجه، ويمكن القول أن شبكات التواصل الاجتماعي أحدثت ظفرة نوعية ليس فقط في مجال الاتصال بل في نتائج وتأثير الاتصال.
لقد اعتمدت اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي ولأول مرة، على منهجية اشتغال متوافق عليها داخل الاطراف الثلاث، والتي صادقت على جدول الأعمال كخريطة الطريق ووفق جدولة زمنية محددة، وانبثق عنها لجنة تقنية واحدة ومشتركة مكونة من ممثلي الحكومة وممثلي الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين.

ويتضمن جدول الأعمال تسع نقط، من بينها، تحسين الدخل والمعاشات، واستكمال تنفيذ اتفاق 26 أبريل2011، واحترام الحريات النقابية، وإدماج القطاع غير المهيكل، وتعزيز الحماية الاجتماعية، والتشريع الاجتماعي (يتضمن القانون التنظيمي للإضراب، تعديل مدونة الشغل، والتكوين المستمر والعقود الخاصة للتكوين، وقانون النقابات المهنية...)، وإطلاق الحوار الاجتماعي القطاعي، واصلاح أنظمة التقاعد، ومأسسة الحوار الإجتماعي وتطوير التفاوض والاتفاقيات الجماعية.
وتحديد النقط المتفرعة عن التشريع الاجتماعي جاءت كملتمس تقدم به الفرقاء الاقتصاديين.      
ومادام جدول الأعمال يتضمن "تعديل بعض مقتضيات مدونة الشغل"، أتساءل، كيف 

يتم تضمين هذا المطلب في جدول الأعمال الحوار الاجتماعي، والطبقة العاملة تطالب 

بالتفعيل السليم لمقتضيات المدونة (أولا)، في حين أن المنظمة المهنية للمشغلين لا 

تكترث للانخراط في تطبيق مقتضيات المدونة وتطالب بتعديلها (ثانيا) في الوقت الذي 

تتنكر الحكومة لالتزاماتها في تنفيذ اتفاق 30 أبريل 2003 (ثالثا)؟

أولا: الطبقة العاملة ومطلب تفعيل السليم للمدونة
تعرف أغلب المؤسسات والمقاولات مختلف نزاعات الشغل، فردية كانت أم جماعية، نتيجة عدم التفعيل السليم لمدونة الشغل، مما تضطر الطبقة العاملة المتضررة من ذلك، إلى إسماع صوتها للمطالبة بحقها القانوني، عن طريق خوض مختلف المعارك النضالية والتي عادتا ما يتولد عنها قرارات تعسفية ومجحفة من طرف المشغلين في حق العمال، المتجلية في الانتقالات تحت ذريعة لضرورة المصلحة أو اقتطاعات من الراتب الشهري عن يوم الإضراب أو تسريحات فردية وجماعية، أو الإحالة على المجالس التأديبية الصورية، أو عقوبات تأديبية، ناهيك عن حرمانهم من المنح والتعويضات واللائحة طويلة.
سنورد على سبيل المثال لا الحصر، بعض مقتضيات المدونة التي يتم تغييب تفعيلها، بالرغم من أغلبيتها تعتبر إلزامية التطبيق من طرف المشغل:
          عدم تفعيل مؤسسة مندوب الأجراء (المواد من430 إلى 462)( ) في عديد من المؤسسات والمقاولات رغم إلزاميتها، حيث نصت المادة 430 على أنه ((يجب أن ينتخب، بالشروط المنصوص عليها في القانون، مندوبون عن الأجراء في جميع المؤسسات التي تشتغل اعتياديا ما لا يقل عن عشر أجراء دائمين))، وعن طريقها يتم انتخاب لجنة السلامة والصحة، الملزمة التطبيق،(المواد من 336 إلى 344)( ) وكذا لجنة المقاولة (المواد من 464 الى 469)( )، وكذلك الممثل النقابي (المواد من 470 إلى 474).
وتعتبر مؤسسة مندوب الأجراء إحدى الركائز الأساسية في تنظيم علاقة الشغل بين المشغل والأجراء، حيث تساهم في حل وفض مختلف نزاعات الشغل القابلة للاندلاع في أي لحظة، وفي تنمية العلاقات المهنية( )، لكن، لا يتأتى ذلك إلا في حالة استقلالية هذه المؤسسة عن المشغل، وعدم تدخل هذا الأخير في فرض أسماء خاصة لنيل صفة مندوب الأجراء، وإجراء انتخابات مهنية نزيهة، وابتعاد مندوب لأجراء عن قضاء مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة؛
          عدم توفر العديد من المؤسسات والمقاولات على النظام الداخلي، رغم إلزاميته من طرف المشرع، (المواد من 138 إلى 142)( )، حيث نصت المادة 136 على أنه ((يجب على كل مشغل، يشغل اعتياديا ما لا يقل عن عشر أجراء، أن يضع خلال السنتين المواليتين لفتح المقاولة أو المؤسسة، نظاما داخليا، بعد إطلاع مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم عليه، وأن يوجهه إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل من أجل الموافقة عليه...))، ويعمل هذا النظام على تنظيم علاقة الشغل بين الأجراء والمشغل داخل المؤسسة أو المقاولة.
حيث لا نجد إلا 170 مقاولة من أصل 18000 التي تشتغل اعتياديا 10 أجراء فأكثر التي تتوفر على النظام الداخلي( )؛
          عدم إحداث في العديد من المؤسسات والمقاولات لمصالح طبية مستقلة للشغل أو مصالح طبية مشتركة، (المواد من 304 إلى 331) ( )، ورغم إلزامية إنشائها حسب المادة 304 التي تنص على أنه ((يجب إحداث مصالح طبية مستقلة عن الشغل...))، حيث نجد 896 مقاولة فقط من أصل 2446 التي تتوفر على المصالح الطبية للشغل( )؛
          المس بالحريات النقابية( )، رغم صراحة نص المادة التاسعة من المدونة التي تنص على أنه ((يمنع كل مس بالحريات والحقوق المتعلقة بالممارسة النقابية داخل المقاولة وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل...))؛
ويعتبر المغرب ضمن أسوء الدول في معاملة العمال من حيث الحماية القانونية والحريات النقابية، حسب التقرير الأخير الاتحاد الدولي للنقابات( ) ؛
          ضعف إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية (المواد من104 إلى 134)( ) مع النقابات الأكثر تمثيلية المتواجدة داخل المؤسسات والمقاولات.
وإن كانت اتفاقية الشغل الجماعية تحتل مكانة أساسية في ضبط العلاقات المهنية والتي غالبا ما تتضمن امتيازات لصالح الطرفين، لكنها لم ترق بعد إلى مستوى تطلعات الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين،  بالرغم من مأسسة المفاوضة الجماعية، حيث الشركاء الاجتماعيين لا يلجؤون إليها إلا عند اندلاع نزاعات الشغل الجماعية؛
          عدم تصريح المؤسسات والمقاولات بجميع عمالها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مما ينعكس ذلك سلبا على حقوقهم وواجباتهم الاجتماعية؛
          إحالة الأجراء على التقاعد دون إستيفائهم لمدة التأمين المحددة في 3240 يوما، مما يحرمهم من المعاش (المواد 526 إلى 529)، الذي يساهم في تفقير هذه الشريحة التي أسدت خدمات جليلة في تنمية وطنها؛
          استمرار بعض المتقاعدون في مزاولة عملهم بالمؤسسات والمقاولات دون سند قانوني( )، في حين أن عدد المعطلين في تزايد مستمر...الخ.
وهذا التغييب والخروقات القانونية المرتكبة من طرف المشغلين، أدى إلى إجهاز حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة، المساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، والذي يرجع بالأساس لعدم اكتراث  المنظمة المهنية للمشغلين للانخراط المباشر في تفعيل بنود المدونة.
ثانيا: المنظمة المهنية للمشغلين لا تكترث للانخراط في تطبيق المدونة وتطالب بتعديلها
في الوقت الذي تصادف مدونة الشغل صعوبات واكراهات وعوائق جمة في تطبيقها، اتجه الاتحاد العام لمقاولات المغرب سنة 2008 إلى صياغة ملفه المطلبي، أطلق عليه "الكتاب الأبيض" الذي يتضمن مواقفه من عدة قضايا تتعلق بأوضاع الشغل.
وقد جاءت مطالبة الاتحاد بتعديل مدونة الشغل بعد أربع سنوات عن صدورها، عوض أن ينخرط الإتحاد في السهر على تطبيق المقتضيات القانونية الواردة فيها والتي ساهم في صياغتها الى جانب الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية.
والكتاب الأبيض يتضمن 12 إقتراح تعديل، جاءت مرتبة على الشكل التالي:
1.         تعديل المادة 12 (إقتراح إضافة فقرة حول عرقلة حرية العمل)؛
2.         تعديل المادتين 16 و 17 (إقتراح لجوء إلى عقد الورش بقطاع البناء)؛
3.         تعديل المادتين 37 و38 (إقتراح اعتماد النسبية في العقوبة عوض التدرج)؛
4.         تعديل المادة 59 (إقتراح عدم جمع الاستفادة من التعويضات عن الإخطار والتعويض عن فقدان الشغل والتعويض عن الطرد التعسفي)؛
5.         تعديل المادة 62 (إقتراح عدم اللجوء إلى مسطرة الاستماع)؛
6.         تعديل المادة 184 (إقتراح التوافق على العمل بين 44 إلى 48 ساعة بدل الزامية الاستفادة من أجر 48 ساعة مقابل 44 ساعة من العمل، وعدم التزام توزيع الحصة السنوية للعمل نظر لعدم وضوح المرسوم التطبيقي لهذه المادة )؛
7.         تعديل المادة 185 (إقتراح تجاوز ستين يوما في مدة توقيف عن العمل في حالة حدوث أزمة اقتصادية للمقاولة)؛
8.         تعديل المادة 304 (إقتراح رفع عدد العاملين من 50 إلى 100 ليتم توفير المراقبة الطبية)؛
9.         تعديل المادة 312 (إقتراح إلغاء العقد مع طبيب الشغل)؛
10.       تعديل المادة 13 (إقتراح عدم تدخل مفتش الشغل في حالة النزاع مع طبيب الشغل) ؛
11.       تعديل المادة 500 (إقتراح رفع مدة عقد الشغل من 6 أشهر إلى 9 أشهر )؛
12.       تعديل المادة 528 (إقتراح إلغاء ما جاء في هذه المادة ).
لقد واجهت هذه المطالب معارضة شديدة من طرف المركزيات النقابية واعتبرتها مجانبة للصواب، لذا، كيف يعقل أن تطالب المنظمة باقتراح 12 تعديل من مدونة الشغل، بعد أن سبق مناقشة المقترح أثناء جلسات الحوار حول مشروع المدونة ولم يؤخذ بها؟ في الوقت الذي نجد أن المدونة في أمس الحاجة لتفعيل مقتضياتها القانونية من طرف أرباب العمل المنخرطين في المنظمة.
إن جل الخروقات القانونية التي يرتكبها المشغلين في حق الطبقة العاملة السالفة الذكر على سبيل المثال لا الحصر، على بينة من الحكومة، سواء عن طريق الشكابات التي تتوصل بها مديريات التشغيل التابعة لوزارة التشغيل، وكذا عن طريق الصحافة.
وتتصدر لائحة الخروقات "المس بالحريات النقابية"، حيث أن الحريات النقابية بالمغرب تواجهها مجموعة من الاكراهات على المستوى الواقعي، والتي تضيق على العمل النقابي، والسب في ذلك راجع بالأساس إلى الثقافة السائدة لدى عامة أرباب العمل على أن العمل النقابي يساهم في إفلاس المؤسسات والمقاولات، مع العلم أن خير وسيلة لسيادة السلم الاجتماعي داخل المؤسسات والمقاولات، هي الاعتراف للأجراء بحقهم في التنظيم والتكتل داخل منظمات نقابية تتولى الدفاع عن مطالبهم وحقوقهم مع إشراكهم في التدبير الاقتصادي والتدبير الاجتماعي لهذه المقاولات والمؤسسات( )، كما لم يعد دور النقابة( ) مقتصرا في الدفاع عن مطالب الأجراء، والمطالبة باحترام القوانين المنظمة للشغل، بل أصبحت إحدى أهم القوى الفاعلة لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي( ).
لقد أولى المشرع المغربي أهمية كبرى للحق النقابي( )، سواء المنصوص عليه في دساتير المملكة، 1962، 1970، 1972، 1992، 1996، ووصولا للدستور الأخير لسنة 2011، الذي نص في فصله الثامن، على أنه ((تساهم المنظمات النقابية للأجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها، ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون))، أو ما جاء في ديباجة مدونة الشغل على أن ((الحرية النقابية هي حق من الحقوق الأساسية في العمل، تندرج ممارستها في إطار الوسائل المعترف بها للعمال وللمشغلين للدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية والمهنية...))، وقد كرس مشرع المدونة القسم الأول من الكتاب الثالث للنقابات المهنية (المواد من 396 إلى 426)، ناهيك عن الإعتراف الدولي بالحركة النقابية التي تعتبر من ضمانات الحقوق الأساسية للإنسان، من طرف:
          الاعلان العالمي لحقوق الانسان؛
          قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة ؛
          الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛
          الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية؛
          الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التمييز العنصري؛
          إعلان التقدم والتنمية؛
          الميثاق الاجتماعي الأوروبي؛
          الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان؛
          اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 87 ورقم 98؛
          اتفاقية العمل العربية رقم 3.
لكن بالرغم من حجم الاعتراف الدولي بالحريات النقابية، فما زالت التشريعات الوطنية ذات صلة بالحقوق والحريات النقابية لاتتلائم مع الاتفاقيات الدولية، حتى وان إلتزامت الحكومة في اتفاق 30 أبريل 2003 وكذا في اتفاق 26 أبريل 2011 بتسريع ملائمتها، فلا شيئ تحقق، كما أن الدستور المغربي أكد إلتزامه بما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتشبثه بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا.
وبناء على ما سبق أتساءل، كيف يعقل أن تطالب المنظمة المهنية للمشغلين بتعديل بعض مقتضيات مدونة الشغل وهي غير منخرطة في تفعيل بنود مدونة الشغل؟ وفي نفس الوقت أن الحكومة تتنكر لالتزاماتها ؟ 
ثالثاً: تنكر الحكومة لالتزاماتها 
إذا ما حاولنا الرجوع لمضمون إتفاق 30 أبريل 2003 كمرجع وكوثيقة موقعة تلزم الأطراف الثلاث، وهو الاتفاق الذي توج بصدور مدونة الشغل في تلك السنة، فإننا نقف على النقطة المتفق عليها بين الحكومة الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين، والمتعلقة بدعم جهاز تفتيش الشغل، حيث جاءت الصياغة على الشكل التالي ((تؤكد الأطراف الثلاث على الدور الذي يجب أن يقوم به جهاز تفتيش الشغل في مراقبة تطبيق قانون الشغل بصفة عامة والتشريعات المتعلقة بالحقوق والحريات النقابية بشكل خاص، وترى أن الدور الذي يقوم به هذا الجهاز يستلزم مده بالإمكانيات المادية والبشرية اللازمة حتى يتأتى له اداء المهام المنوطة به على الوجه المطلوب.  
وتتمثل الإجراءات المتفق عليها لتحقيق هذا الغرض فيمايلي:
          الإسراع في إقرار مشروع المرسوم المتعلق بقانون الأساسي لهيئة مفتيشي الشغل؛
          إحداث مناصب مالية تسمح بمد هذا الجهاز بالموارد البشرية الكافية لمواكبة توسع النسيج الاقتصادي والازدياد المطرد للمؤسسات الخاصة لمراقبة جهاز تفتيش الشغل))
وانطلاقا من قراءة هذا المضمون، يتضح أن تنفيذه إلزامي، خاصة بعد أن استعمل في صياغة الاتفاق كلمة "يجب" وليس يمكن، وكذا كلمة "يستلزم"، والزامية التنفيذ يقع على عاتق الحكومة دون غيرها، خاصة أن جهاز تفتيش الشغل، هو جهاز تابع لوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية.
و جهاز تفتيش الشغل الذي يعتبر المحرك الأساسي في المراقبة والسهر على تنفيذ الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل، تم تغييبه لأزيد من 13 سنة أي قبل صدور مدونة الشغل، حتى يتسنى له القيام بالدور المسند إليه قانونيا لو وفرت له امكانيات مادية وبشرية،   
ويمكن القول أن هذا الجهاز متجه نحو الإنقراض، حيث لا يتعدى 450 مفتش شغل، والأطباء مفتيشي الشغل لا يتعدى العشرون، وكذا المهندسين مفتيشي الشغل لا يتعدى 25، في الوقت الذي تعرف البنية الاقتصادية بالمغرب توسعا كبيرا، بعد إحداث مقاولات وطنية وأخرى متعددة الجنسيات تشغل يد عاملة مهمة.
وهذا الخصاص أكدته المناظرة الوطنية الأخيرة من خلال الورشتين الأولى المتعلقة "مدونة الشغل وعلاقات الشغل الفردية" وكذا الورشة الرابعة المتعلقة وبالخصوص في الورشة الرابعة المتعلقة ب "العلاقات الجماعية للشغل وآليات إعمال وتطبيق مدونة الشغل"، حيث أشارة هذه الأخير وبصفة صريحة إلى "دعم جهاز تفتيش الشغل بالموارد البشرية اللازمة وذلك عبر إحداث مناصب مالية سنوية، بالحجم الذي يضمن النقض الحاصل في عدد مفتيشي الشغل، وبراعي النسيج المقاولاتي وتعدد المهام الموكولة لمفتش الشغل
وعليه، من خلال هذا الخصاص، نقف على التساؤول التالي، هل يرجع خصاص مفتيشي الشغل لقلة الموارد البشرية في سوق الشغل بعد أزيد من 13 سنة؟ مع العلم أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار خمس سنوات الأخيرة، فإن سوق الشغل يتوفر على عدد هائل من المعطلين، حسب الإحصائيات التي تقدمت بها المندوبية السامية للتخطيط، وهي كالتالي:
          سنة 2011 بلغ عدد العاطلون 1.028.000 عاطل، يتضمن %16.7 من الحاصلين على الشواهد؛
          سنة 2012 بلغ عدد العاطلون 1.038.000 عاطل، يتضمن %16.4 من الحاصلين على الشواهد؛
          سنة 2013 بلغ عدد العاطلون 1.081.000 عاطل، يتضمن %16.3 من الحاصلين على الشواهد، بينهم %18.8 من حاملي شهادات المستوى العالي؛
          سنة 2014 بلغ عدد العاطلون 1.167.000 عاطل، يتضمن %17.2 من الحاصلين على الشواهد، بينهم %20.9 من حاملي شهادات المستوى العالي؛
          سنة 2015 بلغ عدد العاطلون 1.148.000 عاطل، يتضمن %17.3 من الحاصلين على الشواهد، بينهم %21.2 من حاملي شهادات المستوى العالي؛
أمام هذه المدة الزمانية من الخصاص، من جهة، وأمام كذلك العدد الهائل من المعطلين الذين ينتظرون تشغيلهم، خاصة حاملي الشهادات، لماذا لم تلجأ الحكومة إلى سد الفراغ والخصاص الذي يعرفه جهاز تفتيش الشغل؟ ولماذا تقف الحكومة وراء تعطيل التطبيق السليم للمدونة؟ في الوقت الذي يصبح أرباب عمل المؤسسات والمقاولات هم المستفيدين من هذا الفراغ، حيث هذا التغييب انعكس سلبا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي إنتظار تشغيل الحكومة للمعطلين،  بعد تكوينهم الذي قد يصل لسنة من أجل سد هذا الخصاص، وجهاز تفتيش الشغل يحتفل هذه السنة بالذكرى التسعين عن إنشائه، نقترح بتعزيز هذا الجهاز بالموارد البشرية الكافية، ذلك بإجراء وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية على تحويل بعض الفئات الإدارية كمتصرفين إلى أعوان مكلفين بتفتيش الشغل، لسد جزء من الخصاص المهول الذي يتخبط فيه الجهاز، والذي ينعكس سلبا على جودة المراقبة التي يشملون بها المقاولات والمؤسسات الخاضعة لقانون الشغل
فضلا عن أن المدونة جاءت بإختصاصات واسعة لأجهزة المراقبة، بعد تخصيص الكتاب الخامس من المدونة لأجهزة المراقبة من المواد 530 إلى 548 من جهة، ومن جهة أخرى، إشراكهم في تسوية نزاعات الشغل الجماعية وفق مسطرة التصالح والتحكيم، حيث خصص لهم الكتاب السادس من المدونة من المواد 549 إلى 585، لكن غياب أجهزة المراقبة نتج عنه تعطيل تفعيل مجموعة من بنود قانون الشغل، منها ماهي إلزامية ومنها ما هي اختيارية.
وفضلا عن ذلك، ان الحكومة أصبحت في وضعية خرق مع الاتفاقيات الدولية، خاصة إذا ما وقفنا على الاتفاقية الدولية رقم 81 المتعلقة بتفتيش الشغل والتي صادق عليها المغرب في سنة 1958 بمقتضى ظهير شريف رقم 1.58.078 المنشورة بالجريدة الرسمية عدد 2377 بتاريخ 16 مايو 1958، حيث تنص المادة العاشرة منه على أنه ((يكون عدد مفتيشي العمل كافيا لضمان أداء فعال لواجبات ادارة التفتيش...)).
وعليه، كيف تصادق الحكومة على جدول الأعمال يتضمن تعديل المدونة وهي المساهمة في تعطيل التفعيل السليم لبنود المدونة؟ 
ورغم ذلك فإن هذا التعطيل في التفعيل لا نحمل الحكومة لوحدها المسؤولية فيه، بل ساهمت معها كذلك المنظمة المهنية للمشغلين التي تتفرج دون أن تتدخل لدى أرباب العمل لحثهم على إحترام تفعيل مقتضيات مدونة الشغل، حيث إكتفت المنظمة بالدفاع فقط عن مطالب التي هي لصالح ارباب العمل.
 خلاصة
          إذا كانت الحكومة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين يعبرون عن رغبتهم في تعديل بعض مقتضيات مدونة الشغل لتفادي تحقيق التراكم في تطبيقها وممارستها، فكان من الأجدر والأحق على الحكومة أن تعمل على تنفيذ ما جاء بهما اتفاق 30 أبريل 2003 واتفاق 26 أيريل 2011، الذي توافقا عليهما الأطراف الثلاث، سواء تعلق الأمر بمد أجهزة المراقبة بالامكانيات المادية والبشرية، أو التصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحريات النقابية وبالعلاقات المهنية، من جهة، ومن جهة أخرى، انخراط المنظمة المهنية بشكل قوي للتفعيل السليم لبنود المدونة من طرف أرباب العمل .
          لو لجأت الحكومة والمنظمة المهنية للمشغلين إلى التفعيل قبل التعديل، في نظري كان سيعرب عن مدى حسن نيتهما، خاصة وأن المقتضيات الواردة في مدونة الشغل تعتبر كحد ليس إلا،من جهة، ومن جهة أخرى، حتى إذا تم تعديل بعض مقتضيات المدونة، فستصادفها نفس الصعوبات التي تعرفها حاليا.
          لقد أبانت الممارسة أن تفعيل بنود مدونة الشغل، عند عدم التجانس أو عدم الملائمة لبعض المقتضيات، يؤدي في آخر المطاف إلى ضرورة المطالبة بالتعديل، وسبق وأن أوردت مقترحات تعديل بعض بنود المدونة في مقالي السابق في موضوع: هل ستفتح الحكومة ورش إصلاح عيوب مدونة الشغل؟
          متى سيصبح الحوار الاجتماعي والمفاوضات الجماعية، ثقافة وممارسة ومبدأ وسلوك مواطن لدى الحكومة والفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين؟
          ألا يشكل مطلب تعديل مدونة الشغل لسنة 2003 حتى قبل تفعيل أهم مقتضياتها، تعبير عن حاجة ملحة للنزوع نحو تبني وإعمال قواعد اتفاقية في مجال الشغل (اتفاقية الشغل الجماعية)، بدل الركون إلى قواعد قانونية آمرة (مدونة الشغل)؟
          هل نسيان أو تناسي المطلب العمالي المتجلي في تفعيل بعض بنود مدونة الشغل قبل التعديل، يرجع بالأساس إلى هاجس الانتخابات التشريعية المقبلة؟ وبمعنى أوضح، متى سيتخلص مسلسل الحوار الاجتماعي في المغرب من ظرفية واستغلال المحطات الانتخابية؟
وأخيراً إن أهم معضلات تدبير العلاقات المهنية بالمغرب، هو عبث المطالبة بالتعديل ما لم يتم تفعيله أصلا، إنها مدونة الشغل المغربية، إنها واحدة من خصوصية المغربية، وكفى !!!
باحث في قانون الشغل وخبير في الميدان النقابي والعلاقات المهنية
elmaachi.mohamed@gmail.com
------------------------------------
الرباط في 27 أبريل 2016





عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا