في الثالث من شهر أيار/ مايو سنة 1987، رحلت داليدا
عن هذه الدنيا منتحرة بجرعة زائدة من الأقراص المهدئة، وتركت قبل رحيلها رسالة قصيرة
تقول فيها: "سامحوني،
الحياة لم تعد تُحتمل". رحلت المغنية العالمية وهي
في الرابعة والخمسين من عمرها، واستعاد الرواة حياتها في أكثر من رواية، وتوقفوا أمام
بداياتها في مصر حيث وُلدت وترعرعت وخطت خطواتها الأولى نحو المجد.
هي يولاندا كريستينا جيجليوتي، وُلدت في شبرا لأبوين
من المهاجرين تعود أصولهما إلى كلابريا في جنوب إيطاليا، وبدأت حياتها الفنية إثر فوزها
بلقب "ملكة جمال مصر" سنة 1954، كما تقول السيرة الشائعة. نقع على صورة لداليدا
في عدد من مجلة "الفن" المصرية يعود إلى منتصف حزيران، يونيو 1954، مع خبر
قصير يقول: "أقيمت في اوبرج الأهرام مباراة حسان الباتيناج، وفازت الآنسة يولاندا
جيجليوتي بالجائزة الثانية وهي جهاز راديو فيليبس، ومن المنتظر أن تكسب السينما المصرية
وجهاً جديداً، نظراً لكثرة العروض التي تقدمت إليها حتى الآن". يتّضح لنا أن يولاندا
جيجليوتي لم تكن "ملكة جمال مصر"، بل وصيفة ملكة حسان الباتيناج، وقد بدأت
مشوارها الفني بعد هذه المباراة.
في نهاية آب، تظهر يولاندا جيجليوتي من جديد في
صور جماعية ضمن تحقيق للمجلة عن مشاريع شركة "هلال فيلم". نراها مع مدير
الشركة بطرس زربانيللي الذي عُرف فيما بعد باسم شريف زالي، برفقة الراقصة سامية جمال،
والنجم الأميركي جوزي مورينو، والممثلة "الناشئة" سميرة أحمد، والمخرجين
صلاح أبو سيف وفطين عبد الوهاب. ويظهر إلى جوارها "الوجه الجديد" محمد مرعي،
وهو المغني اللبناني الذي اشتهر في الستينات بأغنية الأخوين رحباني "تسرح وتمرح".
في تشرين الأول، تحضر يولاندا جيجليوتي في تحقيق
لمجلة "أهل الفن" يستعرض باقة من الوجوه الجديدة، واسمها هنا دليله. في تعريفها
بهذه الممثلة الصاعدة، كتبت المجلة: "دليله، اختارها المخرج نيازي مصطفى من بين
الفائزات في مسابقة السابحات الفاتنات، وكان ترتيبها الثانية بين الفائزات. اسمها يولاندا
جيجليوتي، واختار لها نيازي إسم دليله للسينما بعدما اسند إليها دوراً مهماً في فيلمه
"سيجارة وكاس" الذي تقدم فيه دليله بعض رقصاتها الافرنجية. عمرها 21 سنة،
تجيد اللغات الإنكليزية والفرنسية وتتكلم العربية بطلاقة. رياضتها المفضلة السباحة
وهوايتها الرقص. يقدمها نيازي مصطفى في فيلم "سيجارة وكاس" مع كوكا وسامية
جمال وسراج منير ونبيل الالفي. وعملت من قبل مع وليم ديترل في فيلم سيدنا يوسف وإخوته،
الذي صُوّر في مصر، كبديلة لبطلة الفيلم الأميركية". بطلة الفيلم الأميركية هي
ريتا هيوارث، وبطله عمر الشريف، والفيلم مجهول لأنه لم يخرج إلى النور، لأن الأزهر
عارض ظهور النبي يوسف على الشاشة بشدّة.
في تشرين الثاني، نقع على خبر آخر يتحدّث عن
"مطربة إيطالية تغني باللغة العربية"، والأغنية عنوانها "فتان يا ليل
فتان"، وهي من كلمات محمد حلاوة وألحان حسين جنيد، وقد سجلتها "المطربة الإيطالية
يولاندا في استديو الأهرام لحساب شركة "أفلام باريس" التي تقوم بتصوير فيلم
ذهب الفراعنة". صُوّرت مناظر هذا الفيلم في مصر، وشارك فيه من المصريين يوسف وهبي
وسامية جمال، وهو من إنتاج الفرنسي المصري الأصل ريمون حكيم، وإخراج ماكس دي جاستون،
وعُرف باسم "قناع توت عنخ آمون"، كما عُرف باسم "ذهب النيل"، وظهرت
فيه يولاندا وهي تؤدي رقصة مصرية، ولا نعرف ما آلت إليه الأغنية العربية التي سجلتها
لهذا الشريط.
مثلت "ملكة الجمال" دليله وغنت ورقصت
تحت إدارة نيازي مصطفى في فيلم "سيجارة وكاس" الذي عُرض على الشاشات في شتاء
1955، وانتقلت بعدها إلى أوروبا حيث حصدت نجاحاً كبيرة في عام 1956. تحت عنوان
"داليدا، مصرية اختطفتها السينما الكندية"، كتبت مجلة "الكواكب"
في مطلع شهر أيار: "إن الفتاة الجميلة التي رأيناها في دور قصير في فيلم
"سيجارة وكاس" هي نفسها النجمة التي تعمل في الأفلام الفرنسية والإيطالية
والكندية والتي تزور مصر لفترة قصيرة تعود بعدها إلى أوروبا. إنها داليدا، هل تذكرونها؟
شابة فاتنة، إيطالية الأصل، مصرية المولد، دخلت منذ عامين نادياً للسباحة كان يحتفل
باختيار السابحة الفاتنة لعام 1954. دخلته وليس في نفسها أكثر من قضاء سهرة ممتعة،
وخرجت منه تحمل وشاحاً أخضر حول عنقها يتوجها ملكة السابحات جميعاً. اختيرت يولاندا
جيجليوتي ملكة جمال السابحات لعام 1954، وكان اختيارها هذا سببا في أن تقع عليها عينا
المخرج نيازي مصطفى الذي كان بين الحاضرين. وفي اليوم التالي أرسل نيازي مصطفى السابحة
الفاتنة إلى مكتبه ووقعت يولاندا عقدها الأول في دنيا السينما. وقعته بالاسم الفني
الذي اختاره لها المخرج: دليله. وظهرت دليله في دور صغير في فيلم "سيجارة وكاس"
مع سامية جمال، ولم تظهر في غيره من الأفلام إذ لم يعجبها دور من الأدوار التي عضرت
عليها بعد ذلك".
ظهرت يولاندا جيجليوتي باسم دليله في "سيجارة
وكاس"، وسافرت بعدها إلى فرنسا حيث "شاءت أن تدخل تعديلاً بسيطاً على اسمها
فأصبح داليدا"، واشتركت في فيلمين كبيرين، "ثم انتقلت إلى شاشة التلفزيون
فاشتركت في تمثيل عدة برامج ناجحة. ولفت نجاح داليدا على شاشة التلفزيون انتباه إحدى
الشركات الكندية، فتعاقدت معها على تقديم عدة برامج لحسابها". واكبت الصحافة المصرية
صعود داليدا سلمّ النجومية بفخر واعتزاز. في حزيران 1958، احتفلت الكواكب بهذا النجاح
في مقالة عنوانها "ملكة الاسطوانات في العالم مصرية من شبرا"، وفي أيلول
استعرضت سيرتها في تحقيق مصوّر.
في ربيع 1959، احتفلت الكواكب بـ"عودة ابنة
شبرا إلى الوطن"، ونشرت صورها في دار محمد فوزي ومديحة يسري في حضور "عدد
كبير من الفنانين ونجوم المجتمع". "في نهاية هذه السهرة، أعلنت داليدا أنها
ستسافر صباح اليوم التالي إلى بيروت لتبقى بها يومين ثم تعود بعد هذا إلى باريس لتسأنف
عملها هناك".