ملخص للكلمة التي ألقيتها في حفل تكريم المخرج السينمائي الكبير مصطفى الدرقاوي
الذي نظم بسينما
الريتز بالدار البيضاء :
وفي ثاني لقاء بالمخرج مصطفى الدرقاوي وكانت الفرصة التي مكنتني من معرفة
مصطفي الدرقاوي الإنسان والفنان والمثقف المهووس بالسينما إلى حد الجنون : تكلفت، صحبة
الأستاذ محمد قاوتي، بإعداد ملف خاص بمصطفى الدرقاوي وعلاقته بالسينما لنشره ضمن العدد
الثاني من مجلة "دراسات سينمائية" التي كانت تصدرها الجامعة الوطنية للأندية
السينمائية بالمغرب، وذلك بمناسبة خروج فيلمه "عنوان مؤقت" الذي اعتبره هواة
السينما والنقاد من أحسن ما أنجز في تاريخ السينما بالمغرب إلى حدود 1984، والذي لا
زلت شخصيا أعتبره من أجمل وأبدع ألأفلام المغربية إطلاقا إن لم يكن أجملها. فأجرينا
سلسلة من اللقاءات والحوارات مع مصطفى الدرقاوي اكتشفت على إثرها أن وراء الهرم الكبير،
قدوتي ومثلي الأعلى الذي أقدسه ولا زلت، يختبئ إنسان متواضع مسكون بالسينما إلى حد
الهوس، لا يفارقه القلق والخوف كلما هم بإنجاز فيلم، من لحظة اختياره للفكرة إلى آخر
لمسة مونطاج. اكتشفت أن مصطفى الدرقاوي من السينمائيين المغاربة القلائل الذين طرحوا
على أنفسهم السؤال الوجودي والفلسفي للسينما، ولم يطرحه أحد بنفس الحدة والقناعة والصدق
والهوس الذي طرحه بهم مصطفى. وهذا وحده دليل على أنه مبدع حقيقي...
لن أنسى الحادث الغريب والمشئوم الذي وقع كالصاعقة في مسار مصطفى الدرقاوي
وبقي راسخا في ذاكرتي على إثر النجاح الجماهيري الكبير الذي عرفه فيلمه "الدار
البيضاء باي نايت"، تشجع وتحمس مضطفى وقرر إنجاز جزء ثاني بتمويل خاص دون انتظار
دعم المركز السينمائي المغربي. فوظف كل مداخيل "الدلر البيضاء باي نايت"
واقترض من البنك والعائلة والأصدقاء وأنجز "الدار البيضاء داي لايت". وحين
قدمه للجنة الدعم بعد الإنتاج اتخذت اللجنة آنذاك قرارا جائرا في حقه برفضها لدعمه
! نزل الخبر كالصاعقة على مصطفى الدرقاوي مما أصابه بخيبة أمل كبيرة لازمته لعدة أسابيع
تسببت له في الجلطة الدماغية التي أصابته وأقعدته إلى يومنا هذا !.. هكذا نجازي المبدعين
الحقيقيين في هذا البلد...
منذ عشر سنوات حصل آخر مشروع فيلم لمصطفى الدرقاوي، "احميدة الجايح"
على دعم من لجنة التسبيق على المداخيل ولم يستطع حتى الآن إنجاز هذا الفيلم نظرا لحالته
الصحية أولا ولضعف الميزانية ثانيا. لذلك أقترح إنشاء مجموعة (collectif) مكونة من أصدقاء مصطفى الدرقاوي لدعم إنجاز
هذا الفيلم ماديا وحرفيا...
وفي الأخير أود إضافة شيء لم أجرأ على قوله بحضور مصطفى الدرقاوي خوفا من
جرح كرامته وأنا أعرف حسه المرهف وغزة نفسه: مصطفى الدرقاوي فنان مبدع أعطى الكثير
للسينما والثقافة السينمائية في بلدنا ولم ينل إلا القليل. هذا واقع نعرفه جميعا. وليس
لمصطفى الدرقاوي أي تقاعد ولا أي دخل قار وهو منذ الشلل الذي أصابه لا يعيش إلا من
ما توفره له مجموعة صغيرة من أصدقاءه. لذلك ألتمس من صاحب الجلالة الملك محمد السادس
نصره الله وأيده وأبقاه راعيا للفن والفنانين في هذا البلد أن يخصص له منحة خاصة تمكنه
من العيش بكرامة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.