-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

هل البشرية من سلالة واحدة؟ بقلم: علي القاسمي

لا تهم الإجابة على هذا السؤال علماء الأحياء فحسب، بل تهم كذلك فقهاء القانون وعلماء النفس والمؤرخيين واللسانيين وجمع المشتغلين في المجالات المعرفية المختلفة.
وقد دأب الكتّاب على التحدث عن ثلاثة أجناس من البشر: الجنس الأبيض والجنس الأصفر والجنس الأسود، ما يوحي بأن هذه الأجناس تنتمي إلى سلالات بشرية مختلفة.
وهذا التقسيم للبشر فتح الباب أمام العنصريين والاستعماريين لإيجاد الحجج المؤيدة لآرائهم. وإذا كان مفكرو عصر الأنوار في أوربا قد نادوا بمبادئ الحرية والعدالة والمساواة، فإنهم كانوا يقصدون تطبيق هذه الشعارات والمبادئ على أبناء شعوبهم من الأوربيين، وليس على الزنوج، مثلاً، الذين كانوا يعدونهم في مرتبة القرود والحيوانات الأخرى.
وفي أواخر القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين، ظهرت نظريات أُطلق عليها اسم “ العنصرية العلمية” صنّف فيها بعض الإنثروبولوجيين البشرَ إلى مجموعات عرقية تراتبية طبقاً لقدراتهم الذهنية والجسدية، وذلك لتبرير استعمار الدول الأوربية للشعوب الأخرى في إفريقيا وآسيا، وكذلك لتبرير سياسات الميز العنصري التي كانت متبعة في الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب إفريقيا وغيرهما.
وفي الثلاثينيات من القرن الماضي نادي النازيون في ألمانيا بنظرية التفوق العرقي، فادعوا أن الشعوب الجرمانية في شمال أوربا تنتمي إلى الجنس الآري النقي الذي لم يختلط ببقية  الأجناس والذي نشأ في جزيرة أتلنتيس المفقودة، وهي في حقيقتها جزيرة خيالية ورد ذكرها في أحد مؤلفات إفلاطون. وهكذا صنفوا الشعوب على سلّم حضاري، ووضعوا العرب واليهود والسود في أسفل السلم.
وعندما تقدّمت علوم الأحياء وهندسة الجينات وتحليل الخلايا والحمض النووي، راود الأمل كثيراً من العلماء للتوصل إلى جواب على السؤال المطروح لا يستند إلى الحفريات والتاريخ فحسب بل كذلك إلى التقنيات الجديدة. فاضطلعت جامعتا ليدز البريطانية وبورتو البرتغالية بمشروع شاركت فيه مجموعة كبيرة من الباحثين من مختلف الجنسيات واستغرق سنين طويلة وتوصلوا في نهايته إلى أن الإنسان العاقل Homo Sapien، وُجِد أولاً في جنوبي جزيرة العرب، ونشأ وترعرع هناك. وقبل حوالي سبعين ألف سنة حصل انفجار سكاني وانطلقت هجرات بشرية من جزيرة العرب إلى آسيا شرقاً عن طريق البحر، وإلى أوربا شمالاً عن طريق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقد نشرت (الجمعية الأمريكية للجينات البشرية) خلاصة نتائج هذا البحث المثير في مجلتها العلمية الشهريةAmerican Journal of Human Genetics في عددها الصادر في شهر فبراير سنة 2012.  وفي الشهر نفسه، نشرت مجلة لوبوان Le Point الفرنسية مقالاً للكاتب الفرنسي فردريك لوينو ederic LewinoFr بعنوان " نحن جميعاً عرب" tous des ArabsNous sommes قال فيه " نحن جميعاً، سواء كنا فرنسيين أو أمريكيين أو صينيين أو من الإسكيمو، ننحدر من سلالة بشرية واحدة، نشأت وترعرعت في الجزيرة العربية".
وصرح  مارتن  ريشتاردز Martin Richardsالأستاذ في جامعة ليدز البريطانية " إن النتائج الجديدة تدل على أن جزيرة العرب، وليس شمال إفريقيا ولا الشرق الأدنى، هي المنطلق الأول لانتشار الإنسان الحديث إلى العالم." وقالتالدكتورة لويزا بريرا Dr.Luise Prira من جامعة بورتو البرتغالية : " ثمة نظرة تنبأت بان أولى مراحل الانتشار البشري وقعت (من إفريقيا) عبر البحر الأحمر إلى جنوبي جزيرة العرب؛ ولكن الدليل الجيني عليها ضعيف." 2Report, Jan.28, 201Archeology New"
والمدهش أن هذا الكشف العلمي الجديد يتفق مع الأسطورة الدينية القائلة بأن آدم خُلق في جنة عدن، كما يتناغم مع ما ورد في القرآن الكريم " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" (سورة النساء:1)، وما جاء في خطبة الوداع للرسول (ص):
" يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب. أكرمكم عند الله أتقاكم. ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى" (رواه أحمد).
عندما اطلعتُ على هذا الكشف العلمي المذهل، تذكّرتُ أن العلّامة المغربي المرحوم عبد العزيز بنعبدالله واللساني الأديب العراقي المرحوم عبد الحق فاضل صاحب كتاب " العربية أمّ الألمانية"، كانا ينشران سلسلة مقالات في مجلة " اللسان العربي" خلال الستينيات من القرن الماضي، مفادها أن اللغة العربية هي اللغة الإنسانية الأولى التي تناسلت منها اللغات الأخرى. وكانا يستندان في نظريتهما إلى أدلة تاريخية ولسانية. ومعروف أن كثيراً من اللسانيين الأوربيين في عصر النهضة كانوا يميلون إلى الأسطورة الدينية القائلة بأن جميع لغات العالم تناسلت من اللغة العبرية بعد انهيار برج بابل، ولكن عدة علماء آخرين مثل الفرنسي جوزيف سكالجيه (ت 1609) والفيلسوف الرياضي الألماني غوتفريد ويلهلم ليبنتز( ت 1716)الذي اخترع آلة حاسبة قبل عصر الحاسبات، دحضا تلك الأسطورة؛ وقال الأخير إن العبرية مجرد لغة في مجموعة اللغات العربية. وإذا صحت النظرية العلمية الجديدة القائلة بأن البشرية من سلالة واحدة نشأت في جزيرة العرب، فإنهيصح اعتبار اللغات الجزيرية ( نسبة إلى جزيرة العرب)، بما فيها العربية والأكديةوالإمازيغية والعبرية، هي أصل بقية اللغات في العالم، طبقاً لمبدأ " هجرة اللسان من هجرة الإنسان."
ـــــــــــــــــ
كاتب عراقي مقيم في المغرب.


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا