-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

أكتب لأمارس حقي في عشق الوجود : أحمد بلحاج آية وارهام

أكتب لأمارس حقي في عشق الوجود : أحمد بلحاج آية وارهام
   الوجود كتابة
والكتابة سؤال عن عينٍ سكَنَ في نظرتها بحر الوجود،وعن جسدٍ لم يتملَّ بالمشهد من سطحه،وإنما مما وراءه،وممَّا وراء الأشياء التي فقدتْ فيها الجرأةُ حقوقَهاَ.فأن تكتب اليوم معناه الحفرُ فيما تعرفه الأنا والنحن والآخر،واحتفظت به الذاكرةُ،فذلك ليس حاسما قط في الكتابة ولافي سعادتنا كما نعتقد،بل معناه أن تفتح أفقا غير مرئي من قبلُ يستطيع فيه الإنسان أن يتغلب بسهولة على إحساسه بالخطإ أكثر مما يتغلب على آلامه وانجراحاته في الوجود.
         فالإنسان حاليا يوجد في وضعية جديدة وعجيبةٍ،مرعبةٍ وسافرة،مقلقة ودامسة في الآن ذاته.يتموقع في فوهات البراكين لمواجهة الوجود،وهو بالكتابة وفي الكتابة يكتشف أن البهيميةَ الإنسانية القديمة،بل جملةَ الأزمات الأصلية،وكوابحَ الماضي،ماتزال تتربص به،وتهدده بتقويض كينونته ككائن حساس متهوس بأعالي الطمأنينة الخلاقة.
          ومن هذا المنظور كانت الكتابة بالنسبة إليّ إيقاظا للنزوع إلى الاختيار الحر،وإلى الاختلاف المعافى،ودفعاً إلى أقاصي الطموح التي يصعب إرضاؤها ولو بمكاسب جسيمة،ما دام العمل في حد ذاته لايمثل إلا مكسبا أدنى من المكاسب العليا.فبالكتابة أُسند هشاشة روحي إزاء الرعب الكوني والذلِّ العولمي،وأبني صروح نجاتي.دمي عرس الذات الكونية التي تستلذُّ دواخلُها المغامرةَ في الطرق التي لاتأتي.
        إن هذا الصنف من الكتابة الذي ينسجه مبدعونا،ومحبو التأملِ عندنا-على اختلاف ضروبهم-هو الضوء الذي يعطي لحياتنا اليوم معنى ينقذها من مشنقة اليأس والتيئيس،ومن جحيم اللامبالاة بجوهر الجوهر المكنوز تحت طبقات الانفعالات المتماوجة والمتصارعة في بحر الوجود،وطنيةً كانت أو قوميةً أوكونية.
     وإذن،      
      فهل الكتابة إبحار في يحموم المعاناة؟
     أم تهريب لجذور الذات من تربة الإكراهات؟
      أم هي كشف واستكشاف للقارات المجهولة في الكائن وهو يمارس كينونته في وجود ملغوم؟
       إنها كل ذلك بمعنى ما،كما أنها شراعٌ ضد المَلَل الفيزيقي والميتافيزيقي،وترميمٌ للشقوق الكُوسْمُوغُوِنيِّةِ الفاغرة كأفواه العدم.ولكن المبدع - بما هو راصدٌ أونطولوجيٌّ، وكائنٌ َنزَّاعٌ إلى تفجير ينابيع التجديد في صحاري الأبجديات المغتبطة بسكونها وعوائدها ومواضعاتها،وإلى السباحة في مياه الحرية التي يعسر تعكيرها أوإلجامها- قد تبلله قطرات الملل كما هو الشأن بالنسبة للنفوس الرقيقة،غير أنها لاتسكت أصابعه المشتعلةَ كتابةً،ولاتمحو حروفه،لأنها لاتعدو أن تكون- حسب نيتشه-هدوءَ رياحِ الروحِ المزعجَ،الذي يعقبُ الإبحارَ السعيدَ والرياحَ المرحةَ. يتحملها وينتظر النتيجة،وما النتيجة؟أليست هي نبالة الكائن التي تُكَوِّنُها الكتابة؟.إن الكتابة هي التي تحسسنا بالدفء في الأشياء التي تظل باردة بالنسبة للآخرين..وبدفءِ حدسِ القيمِ التي تُصفِّدها المعاييرُ،وبالشجاعة التي لاتقدِّمُ قُداساً لأي صنمٍ،لأنها لاتطمح إلى الأمجاد بقدر ما تطمح إلى التواضع الذي يفيض بالثروات ،ويغني الوجود والموجودات.
        هذا هو ما يرهقني،ولا يكف عن إرهاقي وإغراقي في مياه الكتابة.أتصبب نصَباً وأنا في هُولُوكُسْتْ الكتابة،وأعرف أنه من الضروري أن أستمر في غواياتها وعذاباتها حتى لا أَهلِك،وحتى لا أفقد معناي كإنسان وأسقطَ في بهيمية بشعةٍ.أواصل السير فيها ومعها كمُتَسَرْنمٍ مفروض عليه أن يواصل الحلم حتى لا يسقط.
       أكتب لأنني أدرك أن الكتابة هي الرئة التي مازالت قادرة على التنفس في وجود معطوب وملوث وموبوء بما يُخجِلُ إنسانية الإنسان.فعندما أكتب لا أمارس إلا حقي في عشق الوجود الأمثل الحي، ولا أعادي فيه إلا الأشياء الكريهة والسافلة التي تشوه موضوع عشقي،ومن ثمة أسعى إلى فضح أقنعتها المتحَرْبِئَةِ المرعبة الماسخةِ،التي تجعل روحي كلما لمست الوجود مشتعلةً بالارتعاش،ومرتابة من الطبيعة لكونها مصدر الإغاظة للجميع،ولكونها تبدو وكأنها تغتصبنا بأيدٍ خفيةٍ تعشقُ انتهاكَ آدميتنا،وقتلَ إنسانِ الحريةِ فينا حتى لا يتماشى مع إيقاع الزمن المعافى.
       بإصرار المألوسين باجتراح ذواتهم الكونية أكتب اليوم،وكأني أغرس في الأرض أشجارا تحميها من التلوث المعولَمِ،ومن المهانة المنصبَّةِ على إنسانها الثاَلِثِي.
     فهل هذا يكفي لأحترق بعشق الكتابة؟وهل سينسُج لي كفنا لائقا،أقول عندما أحدِّق فيه:(ها أنا أموت الآن على ما يرام)؟





عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا