الخير شوار - الجزائر
تعرف الساحة الثقافية الجزائرية عودة ظاهرة قديمة هي "نشر الكتاب على حساب
المؤلف"، مع تراجع الطفرة النفطية التي عرفتها البلاد في مطلع الألفية الحالية، وهو ما يهدد بتراجع الحركة الأدبية.
وأصبح الكاتب مطالبا بتمويل عملية طبع كتابه المكلفة جدا في وقت لم يعد فيه الناشرون يقبلون على "المغامرة" بنشر كتاب أدبي غير مطلوب في السوق.
وزاد الأمر سوءا مع حالة "التجميد" غير المعلن لـ"الصندوق الوطني لترقية الفنون والآداب وتطويرها" الذي تأسس قبل نحو عقدين، والذي عرف النشر عصره الذهبي مع تأسيسه خصوصا مع مواعيد التظاهرات الثقافية الكبرى التي عرفتها البلاد مثل المهرجان الثقافي الأفريقي، وتظاهرتيالجزائر وقسنطينة عاصمتين للثقافة العربية وتلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية.
ويفترض أن تموّل الحكومة النشر الثقافي عن طريق "الصندوق الوطني لترقية الفنون والآداب وتطويرها" الذي جاء ليسد فراغا كبيرا في تسعينيات القرن الماضي، حيث أفلست المؤسسات العمومية للنشر وأهمها "المؤسسة الوطنية للكتاب" التي كانت قبل ذلك تتكفل بهذا الجانب.
وتتمثل طريقة دعم "الصندوق" في تمويل طبع 1500 نسخة من كل كتاب، على أن يعود ثلث الكمية المطبوعة إلى المؤلف، والثلث الثاني للناشر، والثلث الباقي إلى المكتبات العمومية.
تناقضاتولا تضبط نشر الكتب في الجزائر آلية محددة فهي تتأرجح بين النقيضين، فبعد "بحبوحة" سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تراجعت صناعتها بشكل كبير مع التسعينيات، وأصبح الكاتب مجبرا على تمويل نشر كتابه.
ومع ارتفاع تكاليف الطبع وزيادة أسعار الورق، أصبح نشر الكتاب المتوسط يكلّف صاحبه حوالي ألف دولار أميركي، بعد أن كان الأمر يكلف حوالي نصف ذلك.
وتراجع عدد الكتب المطبوعة بشكل كبير، وفي هذا يقول الناشر الجزائري عبد الكريم ينينة صاحب "دار الكلمة" إنه "لا يعقل أن نقرأ ثلاثين أو أربعين كتابا حديثا في السنة ثم نتقشف لنقرأ كتابا واحدا في السنة أو بضع صفحات".
ويضيف ينينة في تصريحه للجزيرة نت أنه رغم هبوط أسعار النفط ودخول الجزائريين حالة التقشف، فإن "هناك مجالات حيوية لا يجوز الاقتراب منها، مثل الدواء والكتاب". ويؤكد أن الأمر يتعلق بـ"خسارة الأفكار التي لا يتطرق لها الخبراء وليس لها من يحصيها في أوطاننا العربية".
صورة قاتمةويعتقد الروائي عبد الرزاق بوكبة أن عودة الكاتب الجزائري للاعتماد على جيبه يفتح الباب أمام احتمالين "إما ألا يبقى إلا الكتّاب الحقيقيون الذين يضحون من أجل نصوصهم، وإما أن تستفحل ظاهرة الكاتب المغشوش الذي ينفق على تكريس نفسه".
ويربط بوكبة في حديثه للجزيرة نت بين غياب دعم الكتاب وانتشار ظواهر العنف في الملاعب والمدارس والشوارع، مؤكدا أن "العنف هو ثمرة للتقصير في الاستثمار في الإنسان".
ومن جانبها، تؤكد الروائية جميلة طلباوي عضو "المجلس الوطني للفنون والآداب" التابع لوزارة الثقافة في حديثها للجزيرة نت أن هناك "كتّابا لم يستفيدوا نهائيا من عملية التمويل، خاصة أولئك الذين يعيشون في المدن الداخلية وظلوا يدفعون من جيوبهم للناشر كي ترى كتبهم النور".
وفي كل الأحوال، فإن عدد الناشرين الذي تضخم في زمن البحبوحة المالية بشكل كبير مرشح للتقلص مع تراجع تمويل الكتاب.
وكان الناشرون هم المستفيد الأول من التمويل على حساب المؤلف نفسه الذي يجد نفسه مرة أمام ناشرين محتالين يستولون على التمويل الرسمي باسمه، ومرة أخرى يجبرونه على تمويل كتابه.