“ديهيا تابنة نيفان” هي ملكة أمازيغية من خنشلة جبال الاوراس”الجزائر حاليا”،ولدت سنة 1535 و توفيت سنة 1662 أمازيغي “585 م – 712 م” ،عرفت في جميع
المصادر التاريخية بأنها امرأة أمازيغية جميلة وشجاعة وقوية البنية ، وقد أظهرت جدارتها وقوتها وكفاءتها في تحمل المسؤولية فى وقت مبكر ، كانت “ديهيا” ، تعرف باسم “دهي” ، بمعنى المرأة الجميلة في القاموس اللغوي الأمازيغي ، وقد خلفت الملك أكسيل في حكم الأمازيغ بتمازغا”شمال أفريقيا” ، وقد شملت مملكتها الشاسعة كلا من الجزائر وتونس وليبيا والمغرب، و اتخذت مدينة “خنشلة” ، في الأوراس شرق الجزائر عاصمة لمملكتها وعاصمتها الثانية تونس و قد قادت ديهيا عدّة حملات ومعارك ضد البيزنطيين ثم العرب لإستعادة الأراضي الأمازيغية التي كانو قد أستولوا عليها في أواخر القرن السابع عشر أمازيغي”السادس ميلادي”، ورد اسمها في العديد من الكتب التاريخية حيث قال عنها المؤرخ ابن عذارى المراكشي : “جميع من بأفريقيا من الرومان منها خائفون وجميع الأمازيغ له مطيعون” ، كما ذكر المؤرخ إبن خلدون، لعدم استيعابهم كيفية حكم الملايين من البشر من قبل إمرأة ذلك إن المرأة خلال تلك الفترة لا يمكن لها إن تحتل أي منصب سياسي في نظر العرب .
غير إنه بدلا من إن تتحول إلى ملكة مكروهة عندهم أصبحت رمزا من رموز التضحية في سبيل الوطن ، ورد ذكرها عند الكثير من المؤرخين العرب وقد تمكنت في نهاية المطاف من أستعادة كل أراضي مملكتها بما فيها مدينة “خنشلة” ، بعد أن هزمت البيزنطيين هزيمة شنيعة وتمكنت من توحيد القبائل الأمازيغية حولها خلال زحف جيوش العرب وقد إستطاعت ديهيا أن تلحق هزيمة كبيرة بجيش القائد العربي حسن إبن النعمان عام 1643 “693 م ” ، بوادي مسكيانة وطاردتهم في كل مكان بتمازغا “شمال إفريقيا” ، إلى أن أخرجتهم من تونس الحالية ثم من ليبيا وفر من تبقى منهم هاربا الى مصر، وقد اتهم العرب الملكة ديهيا بكونها مارست الشعودة والسحر كي تنتصر عليهم، فلطالما لم يصدقوا كيف لإمراة إن تهزم أعتى رجال العرب فكان أن لقبوها بالكاهنة و أصروا على عدم ذكر إسمها الحقيقي الى يومنا هذا فلقبوها بالكاهنة، و لولا ابن خلدون رحمه الله لقبر إسمها الحقيقي معها .
بعد خمس سنوات من إنهزام حسان أمام ديهيا، كتب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالواقعة يشرح من خلالها عن أسباب إنكساره الفعلية أمام أهل الأوراس وقد قال: “إن أمم الأوراس ليس لها غاية، ولايقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم” ، ويقول ابن خلدون : كانت زنانة أعظم قبائل البربر وأكثرها جموعاً وبطوناً وكان موطن جراوة منهم بجبل أوراس وهم ولد كراو بن الديرت بن جانا، وكانت رياستهم للملكة دهيا بنت تابنة بن نيقان بن باورا بن مصكسري بن أفرد بن وصيلا بن جراو، وقد تنازعت الأقوام اسم هذه الزعيمة الشجاعة ، لدرجة ان وصل الحال ببعض المؤرخين اليهود ان سموها ديبورا وهو اسم عبرى معروف أو كهينا نسبة إلى اسم الكوهن، أما المؤرخين العرب فسيلصقون بها جميع الصفات المحطة بالإنسان بسبب مواجهتها للفاتحين المسلمين وعدم قبولها بالتسليم في أراضي البربر لصالح هؤلاء الغزاة القادمون من الشرق ، ويضيف ابن خلدون : قال هاني بن بكور الضريسي : ملكت عليهم “أي دهيا” ، خمساً وثلاثين سنة وعاشت مائة وسبعاً وعشرين سنة ، وكان قتل عقبة بن نافع في البسيط قبلة جبل أوراس بإغرائها برابرة تهودا عليه وكان المسلمون يعرفون ذلك منها، فلما انقضى جمع البربر وقتل كسيلة زحفوا إلى هذه الكاهنة بمعتصمها من جبل أوراس وقد ضوي إليها بنو يفرن ومن كان بإفريقية من قبائل زناتة وسائر البتر فلقيتهم بالبسيط أمام جبلها.
وانهزم المسلمون واتبعت آثارهم في جموعها حتى أخرجتهم من إفريقية ، دهيا خلفت كسيلة البربري بعد موته في زعامة البربر الأحرار، دهيا، فارسة البربر التي لم يأت بمثلها زمان، كانت تركب فرسا وتسعى بين القوم من طنجة إلى طرابلس ، تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها إمازيغن، “دهيا” كانت تتنبأ بالغيب وسط قومها البربر الرافضين لسلطة الغزاة العرب. دهيا واجهت الفتح الإسلامي بعد أن ملكت جبال الأوراس وتزعمت أمر دولتها بقبضة من حديد. كانت امرأة قوية الشكيمة، تولت زمام الحكم بحكمة وحزم قل نظيرهما في التاريخ،بعد مقتل كسيلة كبير قبيلة أوربة الأمازيغية على يد العرب ، زحف هؤلاء إلى مملكتها، وكانت قبائل أمازيغية كثيرة ساندتها في مقاومة الغزو الإسلامي أهمها قبائل بنو يفرن ، وقد صمدت في وجه جيوش العرب وتمكنت من هزمهم وطاردتهم إلى أن أخرجتهم من إفريقية، أي تونس الحالية، ومما تداوله بعض المؤرخين العرب ، عن دهيا لتشويه صورتها أنها كانت تمارس السحر والشعوذة، ويزعمون أنها قتلت والدها الملك واثنين من إخوتها لتستولي على الحكم. وهناك من يقول إنها تهودت قبل دخول الإسلام، كما روج عنها أنها تكره البربر البرنس كرها شديدا، وكانت ترسل جيوشها من حين لآخر لإبادتهم، وإبادة غيرها من النساء الزعيمات في بلاد البربر الشاسعة.
وكل هذا تحميض للكلام، لما رأى العرب عندها من قوة وشجاعة وما كان يخصها به البربر الرجال من احترام بلغ أوجه حين جعلوها ملكة عليهم ، وقد جاء في كتاب تاريخ ابن خلدون أن حسان بن النعمان الذي أرسله الأمويون على رأس مجموعة من الجنود، قال: دلوني على أعظم من بقي من ملوك إفريقية، فدلوه على دهيا.
وقد اجتمع حولها البربر بعد قتل كسيلة ، فسأل أهل إفريقيا عنها فعظموا محلها وقالوا له : إن قتلتها لم تختلف البربر بعدها عليك. فسار إليها، فلما قاربها هدمت حصن بغاية ظناً منها أنه يريد الحصن، فلم يعرج حسان على ذلك وسار إليها، فالتقوا على نهر نيني واقتتلوا أشد قتال رآه الناس واستبسلت دهيا أيما استبسال، فانهزم المسلمون وقتل منهم خلق كثير، وأسر جماعة كثيرة أطلقتهم الكاهنة سوى خالد بن يزيد القيسي، الذي اتخذته ولداً بعد أن أرضعته من حليب ثديها. وقد أورد ابن الرفيق وصفا عجيبا تبناه المؤرخون بعده، وبدون أدنى اعتراض، قال: “وأن الكاهنة قالت لخالد: “ما رأيت في الرجال أجمل منك، ولا أشجع، وأنا أريد أن أرضعك، فتكون أخا لولدي”، فقال لها وكيف يكون ذلك، وقد ذهب الرضاع منك، فقالت: “إنا جماعة البربر لنا رضاع إذا فعلناه تتوارث به، فعمدت إلى دقيق الشعير، فتلته بزيت، وجعلته على ثدييها، ودعت ولديها، وقالت لهما كلا معه على ثديي، وقالت لهم: إنكم قد صرتم إخوة” ، أرسل حسان بكتاب يحمله رسول منه سراً إلى خالد بن يزيد القيسي لما كان عند الملكة دهيا يستعلم منه الأمور، فكتب إليه خالد جوابه في رقعة يعرفه تفرق البربر ويأمره بالسرعة، وجعل الرقعة في رغيف، وعاد الرسول، فخرجت الملكة دهيا ناشرةً شعرها تولول وتقول: ذهب ملكهم فيما يأكل الناس يا أهل بربر .
فطلب الرسول فلم يوجد، فوصل إلى حسان وقد احترق الكتاب بالنار، فعاد إلى خالد وكتب إليه بما كتب أولاً وأودعه قربوس السرج. فسار حسان، فلما علمت ملكة البربر بمسيره إليها، قالت: إن العرب يريدون البلاد والذهب والفضة، ونحن إنما نريد المزارع والمراعي، ولا أرى إلا أن أخرب إفريقيا حتى ييأسوا منها. وفرقت أصحابها ليخربوا البلاد، فخربوها وهدموا الحصون. ومن ثم يصفها المتطفلون على الكتابة والعنصريون بحارقة البيوت دون معرفة ملابسات ذلك. ومن المؤسف له أن يردد البعض أن حرق الزعيمة العسكرية الثائرة دهيا لبيوت البربر ومزارعهم كان ينبع من تسلطها وطغيانها وتعسفها اتجاه قومها، محاولين بذلك الترويج بأن الملوك والملكات الذين عرفهم الأمازيغ، ملوك التخريب وليس ملوك الإعمار. مع أن ما ينسبه هؤلاء من تخريب” إلى الملكة دهيا كان في الحقيقة جزء من خطة حربية ضد الغزاة العرب، أي خطة سياسة الأرض المحروقة، والتي لجأت إليها ونفذتها لما علمت أن العرب جاءوا من أجل الاستيلاء على خيرات شمال أفريقيا ، و لما علمت ديهيا بخيانة خالد إبن يزيد لها امارات بقتله.
غير إن الأوان كان قد فات، فجيش العرب على أبواب تمازغا. اعتقدت ديهيا إن العرب كمثلهم من الغزاة، يرغبون في خيرات البلاد فإلتجئت إلى إستراتيجية الأرض المحروقة وهي خطة عسكرية أساسها تخريب الأراضي التي يطمع إليها العدو وتدمير أطماعه ونفذت هذه الخطة لدفع العرب الغزاة للتراجع عن تمازغا ، فقالت لأنصارها: “إن الاعراب لايريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة والمعدن، ونحن تكفينا منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييأس منها الاعراب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر”، غير إن هاته الإستراتيجية كانت لتؤتي أكلها مع شعوب أخرى كالبيزنطيين مثلا، فالعرب حتى و إن كانت الأرض محروقة فهي خير من صحراء قاحلة ، لم يتراجع العرب و إستمرو في تقدمهم إلى إن لاقو جيش الأمازيغ في منطقة جبال الأوراس، فكانت حرب طاحنة أتت على الأخضر و اليابس ، انتهت الحرب بهزيمة دهيا و إنتصار جيش حسان ، و قد ذكر المؤرخون إن ديهيا قتلت في تلك الحرب و هي تقود الجيش الأمازيغي على فرسها في عمر يناهز 127 سنة ، قال المؤرخ عبد الرحمن إبن خلدون : ديهيا، فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا و تسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن ارض اجدادها ..علمت الملكة دهيا أن المد والزحف الإسلامي لن يقف عند تخريب الأراضي وتيقنت أن الأمر أكبر من ذلك ، وإن ذلك لواضح عندما سألت أبنائها: ماذا ترون في السماء، قالوا: نرى سحابا أحمرا، فقالت: بل هذا وهج خيول العرب .
علمت بفطنتها أن العرب لم ولن يتوقفوا إلا بعد أن يبيدوا هذه الثورة من الوجود وأنهم وجدوا فيها ثورة تقوم على رأسها امرأة شجاعة ، وهذا ما استفز العرب فلقد رأوها تمنع أمراً أو تعيقهم عن امتلاك أرض البربر، ثم أحضرت ولديها وخالد بن يزيد القيسي أخوهم في الرضاع وقالت لهم: إنني مقتولة لا محالة فامضوا إلى حسان وخذوا لأنفسكم منه أماناً ، فإنني أرى أن أحد ولدي سينصر به المسلمون. فساروا إليه وبقوا معه ، انتظر حسّان بن النعمان ، الذي كان يتولى قيادة جيوش الغزو الإسلامي ، ثم هاجمها مجدداً بعدما أُرسلت إليه الإمدادات العسكرية ،التقى الجمعان واقتتلا واشتد القتال وازدت اعداد القتلى ، حتى ظن الناس أنه الفناء، ثم انتصر المسلمون وانهزم البربر وقتلوا قتلاً ذريعاً ، وانهزمت ملكة البربر دهيا، ثم فقتلت عام 74ه ـو قطعت راسها التي ارسلت فيما بعد للشرق و تم رمي جسدها في بئر سمي فيما بعد بئر “الكاهنة” ، رغم موت الملكة فهي ظلت رمزا للمقاومة ففي الوقت الدي كانت فيه المراة لا يعترف بها في عدة حضارات اخرى و لم تكن سوى مجرد سلعة لا ياخد برايها بينما كانت المراة الامازيغية ليس فقط حاكمة بل قائدة وطنية تدافع عن ارضها وهدا ما جعل الكثيرين يعتبروا انها مشعودة و شيطانة لان من الصعب عليهم تقبل امراة حرة».