-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الروائي التونسي المحسن بن هنية: الكتابة ليست تجارة أو محصول حصاد

 أنت رجل ميداني عرفت في مجال الورشات ثم في مجال الأعمال وقد حققت ما لم يقو عليه غيرك من أترابك، ألم يكفيك هذا حتى تلج ميدانا - عند كثير من الناس- يعتبر لا
فائدة منه ولا طائل فيه؟
n الميدانية – و إن جاز التعبير – و الأعمال سواء كانت اقتصادية هي جهود منها أيضا الجهود البحثية و لهذا يصح النعت ميدان الأعمال. ميدان البحث ميدان الإبداع ميدان السياسة. لهذا أعتبر أن ولوج الميادين ضرب من متممات التكوين لشخص يروم اكتساب المعارف و توظيفها فيما هي له. اعتبار الآخرين أن ميدان الكتابة لا طائل منه. هو يتفق مع رأي زوجتي و هي تسألني «ماذا نلت من وجع الرأس هذا؟ « بل هو رأي الكثير و لعلها هي تقول ذلك لتمازحني. لأن المقياس يساوي عدم الطائل أو الحاصل... و لكن الكتابة ليست تجارة أو محصول حصاد صابة ما. و إنما هي حالة نفسية و ذهنية تلتبس صاحبها و تسكن كيانه. و كنت عبرت عن هذه الحال في باكورة أعمالي الروائية «قد يسألني بعضهم لماذا تكتب الآن و لم تكتب من قبل ...الجواب عندي كما بينت...الرغبة في تحقيق الذات من خلال الكتابة غالبا ما تلد معنا و تزهر في بداية شبابنا...و لكن السقوط في بحر الحياة و مجابهة المسؤوليات – الذاتية أقصد – يغمر المرء حتى تنطفئ فيه رغبة تحقيق ذاته من خلال الكتابة فهناك من يحاول و قد يتقدم خطوة و هناك من لا تحركه هذه الرغبة لعدم اكتمالها فيه...و هناك من تظل خامدة في داخله كالنار تحت الرماد...فإذا جاءتها ريحها استعرت و تأججت ...فليس لحاملها من حل إلا التعبير عنها و البوح بها...» و بعد هذا نخلص إلى نتيجة بديهية لو كان مقياس الكتابة قيمة مادية تجارية ما كتب بشر حرفا و لكن القيمة الاعتبارية و الدوافع الذهنية هي خلف كل معذب – بفتح الذال –بالشأن الكتابي...
و قد تكون هذه الإجابة غير معبرة عن المعنى و الجواب الشامل .
o أعرف أنك في شبابك خضت تجربة التجوال في أوروبا واستعصى عليك العمل في بعض المؤسسات لأنك لا تملك شهادة تؤهلك للعمل! ما أثر هذا في تغيير مسار ومصير حياتك المهنية والعائلية؟ أهو الخلود الذي أرسل بك إلى ميدان الأدب وحرفة الكتابة، ومن بعدها البحث في السير والتراجم وجمعها أم الغيرة على الوطن؟ أم هو نظرة أخرى وهي جمع الشمل لأبناء الشمال الإفريقي - المغرب الكبير- أم الكل معا؟
n الجواب يشتمل علّة : الكل معا – اشتهرت مقولة الكاتب محمود المسعدي « الأدب مأساة أو لا يكون» و لكني أذهب إلى حالة متجاوزة للأدب إلى ذات الأديب. المأساة و المعاناة تُصهر الذات حتى تذوب في الذوات الأخرى و تستشعر آلامها و بصدقية أعلم نستظهر ظروفها ليس من جاع و قهر و ذاق التشرد كمن سمع أو شاهد أو تخيل. و هنا يحضرني جواب للكاتب علي أفيلال عندما قرن بالطاهر بن جلون من حيث موضوع المهاجرين... قال أفيلال بدون أن يستنقص من قيمة بن جلون : «أنا عشت مهاجرا و عايشت المهاجرين، وأنا واحد منهم أما هو فشاهد يسمع ويتخيل وهذا هو الفرق بيننا».
إذا قلنا أن «ماكسيم جوركي» أو «حنا مينا» أو «سراماغو» عاشوا المأساة و التشرد و اليتم و الفقر ليس هذا بمعنى أنهم لما أصبحوا كتابا مشاهيرا ظلوا على حالة الفقر . وإنما مأساة الطفولة و المراهقة هي الخزان الذي يشحن المبدع و لنا في محمد شكري مثلا.
لذلك مشواري في أوروبا كان إلى التشرد أقرب من حال أخرى .عندما كنت في مدينة غرونوبل، وانتسبت لمعهد المغرب العربي وكان مجانيا لكني فشلت لأنه كان علي أن أوفر الخبز قبل العلم . فاتجهت للعمل و حذق حرفة أكتسب منها رغيفي ... و هنا مسار حياتي تغير نحو كيفية الكسب الحلال... و أن الصناعة هي أيضا إبداع فانخرطت في المجال و هكذا اتجه مسار حياتي و لكني لأفسر ذلك فقد حضرتني ما كنت عليه في شبابي من حبي للأدب والسجال مع أصحابي المولعين . كتبت في كهولتي و كانت إبنتي كوثر آنذاك طالبة فشجعتني على الكتابة وكانت تقرأ كتاباتي حتى أنها اتجهت للإبداع في السينما و هي الآن مخرجة لها حضور على أكثر من مستوى.
أما السير و التراجم تولّد عندي نوع من نقص التعريف بقامات من كتابنا في المغرب الكبير برغم من جهود بعض الباحثين كـ: محمد القاسمي أو عبد الله المليطان و محمد مصايف أو ابراهيم عباس بوشوشة بن جمعة و غيرهم.... لكني ما فارقت نهج الإبداع فالمطلع على عملي سير وتراجم يلاحظ أن الأسلوب الإبداعي هو المتبع مع وجوب حضور الجانب العلمي التوثيقي.
o كم أنفقت من جهد: وقت، زمن، عمل، مال، لإنتاج هذا العمل؟
n هذا سؤال مهم جدا وظريف ولكن لا يطرحه إلا من ذاق معاناة البحث و عاش ساعات التنقيب وإرهاق المراجعة . أظن أنك ذقت شيئا من هذا الحال و لذلك حضر لديك السؤال... الجهد لا يقاس - يقول الشابي :” إذا ما طمحت لغاية لبست المنى وخلعت الحذر” و يقول شوقي أيضا: “ ليس نيل المطالب بالتمني إنما الدنيا تأخذ غلابا..”
يا سيدي كل هين ميزان الجهد فيه خفيف وكل خفيف مستخف به... فوزن الشيء يكون تقديره بوزن ما بذل فيه من جهد.
وكان نبهني إلى ثقل المهمة وصعوبة تحقيقها صديقي الدكتور محمد الصالح بن عمر قائلا: “ أخاف أن يجهدك عمل كهذا....” طبعا أجهدني ولكن كما أشرت ثمار العنب لا تنضج إلا بحرارة الصيف.
هذا من حيث هوان الشيء، أما عدم الاستقرار فهذا في عرفي شأن سياسي يختلط بالاجتماعي يهز الأمزجة و يحوّل بوصله الاهتمام و لكنه في حال عملي هذا لا مؤثر له و لعل الشأن المغاربي الشقوق فيه لا تغور حتى العمق وقد تصيب السطح.
أما الصعوبات والعثرات التي لا يعلمها المتلقي لماذا نثقل رأسه بأوجاعها و هو إما أن يدركها تأملا أو لا داعي لمعرفة ذلك.
o نلاحظ عدم وجود توازن في كتاب السير والتراجم، إذا اكتفيت بسير مائة وأربعين روائيا في حين بقي ثلاث مائة وتسعين (390 ) بدون سير بمعنى أنك اكتفيت بمختصرات عن حياتهم.لماذا؟ وما هي الأسباب؟ ألا تر هذا خللا في عملك؟
n كل عمل بحثي توثيقي و حتى إبداعي يظل به بترا و بلوغ الكمال غاية لا تدرك... و ملاحظة عدم التوازن قائمة و ليس الصواب الاكتفاء بعدد و ترك البقية و لذلك ليست القاعدة هنا الاكتفاء و إنما الاستطاعة ...و قد بينت هذا بين صفحات الأجزاء الأربعة لعملي سير و تراجم... و لم أفاضل أو أميز أو أعرض عن هذا دون ذاك ... الحقيقة أن الذين توفرت المراجع حولهم سواء الورقية أو الالكترونية أو استجابوا عند مراسلاتنا لهم و أمدونا بسيرهم... بل منهم من قبل مراجعة ما كتب حوله فزاد الذي غفلت عنه، و أشطب ما أخطأت فيه.
أما الذين كتبت عنهم باختصار هم القائمة الأصلية التي حاولنا أن تشمل الأغلب. و لو توفرت لي ما توفر للأقلية لغاب عدم التوازن و عسى بعد ظهور هذا العمل ووصوله إلى هؤلاء يسهل لنا إضافة هؤلاء الذين انحصرت سيرهم بسير مماثلة في طبعات قادمة.
o هل بإمكاننا القول أن المحسن قد تخلى عن مهنة رجل الأعمال أو رجل الاقتصاد وتحول إلى حرفة الأدب وهي حرفة بائره أو لا جدوى منها في عصر يشهد تطورا في التقنيات بشكل لافت؟
n لقد أجبت عن جانب من هذا السؤال المتعلق بالأدب و الكتابة ... الحقيقة الأدب ليس حرفة أو صناعة فالإبداع في السرد أو الشعر و النحت و كل الفنون ليس بحرفة لأنه لا يكتسب بالتعلم و التدريب ما لم تكن حالة الإبداع في التكوين النفسي و الذهني و لذلك الجامعة مثلا لا يتخرج منها شاعر أو مبدع في الفنون الأخرى. قد ينال الشهادة و لكن ليست هي المفتاح بل هي مجرد سرج فليس كل من ركب سرجا فارس.
أما الأعمال و الاقتصاد و غيرهما هي حرف و مهن لكن النفس المؤهلة ذهنيا و حسيا للإبداع وحدها الخزان الدافع إلى ارتفاع شعلة الخلق الإبداعي لنضرب المثل بالشاعر جورج جرداق و الكاتبة فاتحة مرشيد هؤلاء أطباء و أخرين من مثل ماكسيم جوركي أو بو رخيس فهؤلاء امتهنوا الفلاحة و الحدادة مع ذلك لم يتخلوا عن مهنهم و كثيرا ما يكون التخلي مع سن التقاعد... و لذلك الأعمال تدرج فيها الأعمال الأخرى كالتطبيب و المحاماة و حتى التدريس أليس المعلم أو الأستاذ مهنته التدريس. أما التطور في التقنيات فهذا جانب يفيد من أراد الاستفادة فالمحرك Google ساعدني أكثر من أي طريقة أخرى بل لولاه ما أنجزنا هذا العمل. و لعله من الطرفة القول بأن هذا الجهد الذي بذلته قد يصبح لا يغري المتلقي الباحث حيث بطريقة أيسر يعثر على المعلومة من المحرك المذكور.... و لعل مما لا يدفعنا إلى الإحباط أن الباحث في الشبكة العنكبوتية سيجد فيها عملنا هذا و يستفيد منه بحال من الأحوال أو بطريقة تكنولوجية حديثة.
o بعض الجوانب يراها بعضهم خاصة أي من خصوصيات الشخصية ( الشخص) المعنية بالدراسة إلا أنك تلجأ إليها وتستقصيها وتدقق فيها؟ ما تعليقك؟
n هي من خصوصية وتوابل الكتابة عندما تحيد بها عن الأسلوب الجاف والصارم من الناحية الأكاديمية وأنا كاتب روائيا و لست أكاديميا... بالرغم من أنها تبدو خصوصية ولكن لها دور خفي في بنية الشخصية ولنورد بعض الأمثلة يقول أحد المترجم لهم :» أصبت بمرض السل و الشلل... كان الطبيب المداوي يلاحظ أنه كلما زارني وجد عندي كتابا و كنت في 13 من العمر وطلب أن أترك في جناح خاص بعيد عن الاطفال... و كان يجلب لي معه الصحف والروايات. فهذه الخاصية أو الجانب المنسي، بحثا ودراسة، له ضلع مؤسس في شخصية الكاتب .... تقول أخرى كان أبي يحز في نفسه حال شقيقه الذي لم ينجب الأطفال فطلب منه أن يتبناني تقول :» عشت بين أبوين هذا بيولوجي وهذا متبني... وكنت محل محبة وإعجاب وعناية فائقة بينهما...» و يقول آخر : «كنت أتسلل و أذهب إلى السوق لمشاهدة المشعوذين الذين يأتون معهم بقردة وكانوا يقصون حكايات رأس الغول.... و يقول كنت محبا للحشرات حتى أن العائلة عندما تستيقظ صباحا تجد عالما غريبا من الدويبات» ... و آخر يذكر كان الأهل كل صبي بلغ السعي ينسب له حيوان ليكون من ممتلكاته فأمي قدمت لي جروة التي ولدتها كلبتنا على أنها لي وكان إسمها زريقة فلعبت معها حتى كبرنا والمجال يطول....
مثل هذه الخصائص أتلقاها من أصحابها كإجابة عن السؤال بالاستمارة..... «أذكر جانبا طريفا في حياتك؟» .... ولذلك رغم ما يبدو خصوصي فهو لا يرتقي للهتك فهؤلاء أغلبهم يطلع على ما كتب حوله فمنهم من يسرّ ومنهم من يصوّب... و لعل الحصول على هذه الجوانب المميزة لعملنا هذا حالت دون الكتابة عن الكل.
o ما الذي يجعلك ترى في ما قمت به من جمع وتدقيق وكتابة بأنه عمل إبداعي رغم أنه توثيقي استقرائي؟
n لأن الجانب الإبداعي له حضور بارز وقد نصطلح عليه هكذا مركبا: وثائقي- إبداعي أي أن الهيكل توثيقي استقرائي تأريخي... و أسلوب التناول إبداعي فيه من التخييل الذي هو يحتمل بحكم المتوارث كالقول : «علم والد الطفل بنبإ نزول المولود ذكرا مثلا وكان التاريخ كذا مع ارتفاع الزغاريد بالبيت عمد إلى ذبح خروف احتفاء ....» أو نذهب أن الصبية لما بلغت سن المدرسة لبست الميدعة وحملت المحفظة ومعها أبوها أو أمها أو وليها يتقدما إلى المدرسة وكذا فتسجل و تنتسب إلى تلامذتها... و أخرى نقول ولد في اليوم الثاني من الشهر الأول من سنة ( ) وكان المناخ باردا قارسا... و أمثلة على هذا القياس هذه هي الجوانب الإبداعية.... و المميزة لعملنا فلا نجد مثل هذه التوصيفات في الأكاديمي.
لعلك سيدي أدركت سبب قولي بالإبداع في هذا العمل ... كما يدرك المتلقي لماذا نحونا هذا الأسلوب.
وقد بين الدكتور بوشوشة الائتلاف والاختلاف في الحالتين: كاتب الرواية يلتقي و المؤرخ في العامل مع المادة التاريخية لكنه يختلف عنه في الطريقة التي يطوع في ضوئها تلك المادة و أيضا يذهب الناقد سعيد علوش إلى أن الخطاب التاريخي يريد نفسه موثقا موضوعيا... بينما الخطاب يجد نفسه مبدعا للمعنى... وهذه الإشكالية أو الصلات بين التاريخ و الإبداع عبّر عنها الأستاذ محمد الجابلي هكذا مع «إضافة سلطة النقد ... تسلُط النقد على التاريخ لأن النقد يسمح بالانتقاء و التغيير والاختزال و تسليط الأحكام. في حين التاريخ ملزم باستقراء المنجز في تراكمه وتواضعه و حدوده...» و هكذا قد تُفهم طريقتي في التناول.
o ما القصد من هذا الجمع لهؤلاء الروائيين الذين توحدهم الكتابة وتفرقهم الأيديولوجية والمعتقدات؟ وكيف تجانست مع من تختلف؟
o إذن الكتابة توحد الكل وصفا و الاديوليوجيا و المعتقدات تفرقهم رسالة... و إذا «التأريخ و التوثيق» هما أداة التناول فالقارئ يقرأ اللا عنفية كأسلوب للماهاتما غاندي.. و يقرأ العنف الثوري عند جزاف ستالين و كلاهما له خط في التاريخ البشري و المؤرخ يتساويان عنده من حيث المادة الكتابية.
أما التجانس معي فهذا لا يمكن لحضوره فعل التمييز أو الوقوف ضد - مع- فالمساحة بين الجميع واحدة تمليها حتمية المسؤولية بعيدا عن الموقف الذاتي و الميل الفكري.
o كيف تغلبت على إنِّيتك بكل ما فيها من قيم ومثل في أن تتجه إلى هذه الوجهة وتكلف نفسك العناء الكثير رغم المسؤوليات التي تواجهها، أو هي في عنقك لتخرج لنا بهذا العمل الضخم الذي غطى تقريبا الشمال الإفريقي بكامله من بنغازي مرور بطنجة إلى نواكشوط؟
n بعض من الجواب أو شق منه شمله الجواب عن السؤال السابق : التغلب على الأنا هي مفتاح السبيل إلى كتابة صحيحة خالية من الهوى و يصدق في هذا الشأن الأمر من الله: «لا يجرمنكم شنآن قوم ألاّ تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى» . و في حالي هذه أنا مجبر أن أنزع ما لبسني من قيم و أفكار و اتجاهات ...حتى يمكن أن تكون الأبواب و المداخل متساوية و أنا ألج بيت كل واحد. الحقيقة هي لحد الآن مغامرة غير آمنة لما قد لا يعجب البعض أو من يخالفنا... و من ينكر علينا طريقتنا ثم كما قلت سيدي هي مسؤولية وضعتها في عنقي و كان دافعي لفت النظر للقامات الموجودة بيننا من أجوارنا و الناظر الذي نظر شرقا أم غربا و تغاضى عنها – أي القامات المغاربية – و لعلني ألفت نظر المشرفين على حظوظ التعليم أن يعيدوا النظر و الترتيب فسيجدون بريق الثروة الإبداعية المغاربية لماعا يضاهي إن لم يفق الآخرين فهوى يتساوى معهم في أضعف حال . من أجل ذلك أقدمت على هذه المغامرة و كنت بدأتها بداية قطرية. كتاب تونس ، الجزائر ... غير أني عدلت و جعلتها مغاربية و أنا أقول في نفسي كفانا تقسيم و قد أقنعني قول أحد السلفيين – و إن كنت لا أتفق معه في مذهبه - و يقول :» نحن أمة واحدة و رايتنا واحدة و ما هذه الرايات إلا من مخلفات الاستعمار ثم كرّسها وزيرا خارجية فرنسا و بريطانيا ساس و بيكو». و أغلبنا يعلم أن الحدود بين أقطارنا المغاربة هي ليست من ترسيمنا و تحديدنا... و هكذا ذهبت إلى أن الحدود هي حدود سياسية و إدارية و لا تعني للمواطن إلا حواجز يحرسها أفراد الجمارك... و لعل كل المدعين يقتربون من هذا الرأي و يذهبون معي إلى أن الإبداع لا يعرف الحدود لذلك أعدت النظر و الترتيب و أدخلت كل الروائيين في شمالنا الإفريقي أو المغرب الكبير في بوتقة «روائيي المغرب الكبير» من ذلك نشأت في نفسي رغبة التفكير في أن تتجاوز الحدود الإدارية السياسية و ننشئ اتحاد أو رابطة كتاب المغرب الكبير . و إن نعمل نحن على بعث هذا الكيان و لا ننتظر الساسة فالناظر في تاريخنا كما حدثنا المرحوم عبد الكريم غلاب بداية الخمسينات في القاهرة و نشاط المناضلين من أمثال علالة الفاسي كانوا أكثر وعيا بهذا الشأن .
o من ساعدك في ذلك أو ما هي العوامل المساعدة في ذلك؟
n العوامل المساعدة بداية كانت ورقية و هي أبحاث في هذا الشأن من ليبيا د.عبد الله مليطان و....... من المغرب د.محمد قاسمي ، دة.زهور كرام . من الجزائر د. محمد مصايف و من تونس د.بوشوشة من جمعة ، محمود طرشونة و غيرهم . من بينهم الدكتور سمر روحي الفيصل من سوريا، وأيضا الشبكة العنكبوتية كانت مساعدا كبيرا في مدّي بالمعلومات وزيارة مواقع من لهم هذه النافذة، إضافة إلى كثير من المجلات.... و المساعدة المباشرة ذكرت البعض في تقديم العمل من أمثال أستاذات اشتغلن معي في جانب الرقن و التصفيف والمراجعة الأولية ولعل المساعدة الأنفع هي السير المرسلة من طرف الروائيين. 
o كيف تمكنت من جمع المادة وخاصة نماذج النصوص التي دعمت بها سير الأدباء. بمعنى أنك واجهت أمرين سيرة الأديب، ونماذج من نصوصه؟
n نعم كانت المعضلة في ندرة المعلومات حول السيرة و الترجمة و ندرة النصوص لاختيار النماذج و الحصول على آراء النقاد و ما كتبوا حول أعمالهم. و الأكثر صعوبة الحصول على رأي الروائي في إبداعاته. لأننا بوبنا التناول على هذا النحو من أربعة محاور (1) سيرة المبدع و مؤلفاته ، (2) رأيه في إبداعاته، (3) رأي النقاد في إبداعاته، (4) مقتطف مما كتب من إبداع.
بداية ندخل إلى مواقع الصحف و المجلات حتى نعثر على حوارات تكون أجريت معه أو دراسات كتبت حول تجربته و هو أمر مضني و مرهق... و كم أتألم عندما تشح المعلومات.
o زرت الجزائر زيارة قصيرة الغرض منها جمع المادة. كيف كانت الزيارة؟ وبمن التقيت؟ وماذا واجهت ؟ وهل استفدت؟ ومن هم الأشخاص الذين ساعدوك قبل الزيارة،وأثناءها، وبعدها؟
n كانت الزيارة في حدود الوقت الذي خصص إليها فمررت بمدينة عنابة كانت رائعة والتقيت فيها بالأستاذة الناقدة الدكتورة سكينة زواغي ...والأستاذ زوجها وكنت متجها إلى مدينة قسنطينة ...فحضرت آخر يوم في ملتقى كاتب ياسين وهناك التقيت بعدد من الأخوة النقاد مثل الدكتور بن الأمين بن التومي والأستاذ الدكتورة سعيد بوطاجين وغيرهم أما من ساعدني فكان الاتصال بالشاعر الصديق يوسف شقرا وكذلك المحترم عزا لدين ميهوبي فمهدا لي مع هيئة الملتقى فاستقبلت بترحاب ووفرت لي غرفة بالنزل كما اقتنيت من مكتبات قسنطينة عددا من الروايات الجزائرية .
أما عن زيارة الأقطار الأخرى فزرت مدينة طرابلس بمناسبة معرضها الدولي للكتاب و من قبل زرتها أكثر من مرة منها مهام اقتصادية. و هناك التقيت بعدد من الأخوة منهم الناقد عبد الحكيم المالكي و الدكتور عبد الله سالم مليطان والحقيقة أكثر اللقاءات كانت على هامش معرض تونس للكتاب فالتقيت بالأستاذ أمين المازن والروائية أحلام مستغانمي و محمد المسلاتي وغيرهم. بعد زيارة الجزائر ساعدوني وتجاوبوا مع مقاصدي زيادة عمن ذكرت الأستاذ مفلاح والساري وعائشة بنور وغيرهم كثر. 
o وهل قمت بنفس الزيارة إلى البلدان الأخرى موريتانيا، المغرب وليبيا؟
n لم أزر موريتانيا و لم يتيسر لي ذلك أما المغرب مازلت أود الزيارة مع الاعتراف أن الكتاب المغاربة أكثف من الكتاب المغاربيين الآخرين حضورا في المواقع الالكترونية و التجاوب مع الرسائل الالكترونية وهذه الأحوال كفتني مشاق السفر وأيضا الحضور في التظاهرات الثقافية ومعارض الكتاب فمثلا بمعرض القاهرة وجدت أجنحة مغاربية ولكن كان الحضور المغربي بارزا.... ثم حركة النشر اللافتة كما أخذت تحضر وتبرز بالجزائر...
o ما دور الدوائر الثقافية في إنتاج مثل هذه العمل أقصد اتحاد الكتاب في البلدان المغاربية والجمعيات الثقافية ومختلف الأندية والرابطات الثقافية؟
n كنت بينت ذلك في سؤال سابق و الحقيقة أن هذه الدوائر هامشية الفعل و يتولى الأمر فيها أناس آخر همهم الثقافة وجانب الكتابة متقهقر قياسا بالسينما والمسرح وأغلبها يقوم بدور إداري باهت... كما هناك سلبية مستشرية في دور الملحقين الثقافيين في السفارات. أما الساحة ككل فللعلاقات الشخصية و الوجوه الحاضرة إعلاميا و المتمسحين على أبوابها أو المتملقين نصيب الأسد بغض النظر عن قيمة المادة الإبداعية.
o لماذا تعتذر لمن أردت الكتابة عنه أو إدراجه في كتاب سير وتراجم برغم عدم استجابته أو تكليف نفسه عناء ملء استمارة إلكترونية وإرسالها مجانا؟
n الاعتذار يكتسي صفة التعميم و ليس التخصيص لأن هناك من عجزت في الاتصال بهم و عدم العثور على المعلومات التي تخصهم... و أنا أدرك أنهم كثر خاصة في الأقاليم البعيدة عن الحراك الإعلامي وانحسار المد الإعلامي الرقمي فيها.... ومن ذلك المتواجدون على الأطراف بعيدا عن العواصم مثل نواحي موريتانية و أقاليم مثل الصحراء الغربية و الساقية الحمراء وواد الذهب و البعض من عرب جنوب الصحراء.... وهذه الحال توجب الاعتذار... و أيضا لمن لم تتوفر لدي عنه المعلومات الكاملة...
o تقول: نعتذر عن إمكان تسرب خطأ حول المترجم له أو عن عدم تناول كل جوانب حياته فذلك ليس تقصيرا وإنما عجزا، فليلتمس المتلقي لنا عذرا
n هذا طبيعي لأن المتلقي ينشد المادة التامة و لا ثغرة فيها... و هذا أمر قد لا يتحقق مهما حرصنا فيظل عمل الإنسان منقوصا.
o في قواعد البحث لا رحمة ولا عذر فأنت لم تكلف نفسك عناء التنقل ومقابلة الشخص أو الكاتب المترجم له فلا يمكن إنجاز عمل كهذا، وصاحب العمل ماكث ببيته أو في مكتبه، سواء كان السبب ماديا أو معنويا أو عدم القدرة على التنقل والسفر لسبب أو لآخر، إذن لم تعتذر؟
n إضافة إلى ما ذكرت في السؤال السابق أشرح لك أنا لست باحثا و إنما مستقصيا و متتبعا لأي مبدع قبل أن أكون باحثا . مع أن الاستقصاء و التتبع هو شكل من أشكال البحث و يخضع لأغلب مناهج البحث ...والمفارقة أني أتابع فئة بصفة فردية و لكل شخص مشارب حياته أخلاقية و أسلوبية... وهكذا نخلص إلى أن تتبع مسار الشخص ليس هو شأن نقدي يدور حول مادة إنتاجه...كأن نحلل اتجاهه الفكري أو انتسابه لمدرسة ما أو متانة أسلوبه، أي طريقة يكتب بها، لذلك ما وصفته «بعدم الرحمة» يكون أخف على المتتبع و الناقل من المحلل و الدارس أو الناقد...أما إشارتك إلى مكوث المترجم له و نعته بالماكث في مكتبه. القول أو الجزاء حسب الاستجابة لا يستقيم . و الشخصية في عملنا رغم وجودها المادي لا تبتعد عن الشخصية الورقية خاصة في ما جئت به من وشاح تخييلي شرحته سابقا. و ما احتواه من تخرجات مع ذكر لأسبابها قد تساهم في تليين التشدد البحثي.
o س بعد هذه المعايشة الطويلة مع الموضوع وهي فترة لا تخلو من الأحداث والمفارقات. ترى ماهي الشخصية التي أثرت فيك، أو جعلتك تؤمن ببعض الأفكار وتغير بعضها، أو على الأقل شخصية تكون أقرب إليك؟
n نعم على امتداد ثماني سنوات نغوص في محيطات عشرات الشخصيات ذوي المشارب المختلفة و أحيانا المتباينة و معايشتها في حلها و ترحالها و المشاوير التي مرت بها... هذه .
الحسين بن هنية في سطور
من مواليد27-11-1947 بريف الحنية ولاية سيدي بوزيد . لظروف قاهرة منها وفاة الأب سنة 1963 لم يواصل تعلمه .تكون تكوينا ذاتيا وولع بالأدب .
ذهب إلى فرنسا و فشل في أن يتعلم. فحول وجهته لتعلم حرفة ما . أتقن الإنشاءات الحديدية فكانت له مجال عمل. لما استقر عاد لتوقه الشبابي في حب الأدب فكتب عددا من الروايات :
«ثبات» عن دار التسفير الفني صفاقس 1998، 
« أضغاث» عن دار التسفير الفني صفاقس 1998،
«الزمن و رؤوس الحية» عن دار التسفير الفني صفاقس 1999، 
«على تخوم البرزخ» عن دار التسفير الفني صفاقس 2001، 
مرافئ الجنون « عن دار التسفير الفني صفاقس 2003 ، 
«المستنقع» دار خطوات للنشر دمشق 2006 ،
«توق يحاصره الطوق» عن دار الالوان الاربعة للنشر 2011 
المجاميع القصصية :
«القمر لا يموت» دار التسفير الفني صفاقس 1999، 
«دون الجهر بالكلام» عن دار الاتحاف 2002 ،
«الزهرة و الخريف» عن دار التسفير الفني صفاقس 2003،
«أحوال» عن دار خطوات للنشر دمشق 2007 
الأعمال السردية :
«من فيض المكان» عن دار المعارف سوسة 2006، 
من التراث الشفوي:
حديث الليل : 3 أجزاء عن دار الألوان الأربعة 
بحث:
موسوعة «سير و تراجم روائيي المغرب الكبير» 4 أجزاء بصدد النشر.
كما ترجم من أعماله إلى الفرنسية:
«الزمن و رؤوس الحية»: «le temps et les vipères «
«توق يحاصره الطوق»: «espoir jugulé par le système» 
«حديث الليل»: «mots des nuits «.
تقلد رئاسة فرع اتحاد الكتاب التونسيين بسيدي بوزيد لأكثر من خمس عشرة سنة . أدار ملتقى أيام الرواية المغاربية و أشرف على تحرير سلسلة ورقات مغاربية كما يعد موسوعة «سير و تراجم روائيي المغرب الكبير « الآن في طور المراجعة ما قبل النشر في 4 أجزاء.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا