"لو لم أحبك
لكنتُ إنسانا عاطلاً
عن الحياة."
نستشف من هذا المنجز الباذخ الصادر عن مجلة دبي الثقافية 2014 للشاعر المبدع إبراهيم المصري، إلى أي مدى ،هي الذات الإبداعية متوهّجة ونابضة بالخطاب
السلس الرصين في تغنّيه بالوجدانيات ، ومتماهية مع الحياة بأسمى معانيها وعلائقها بالعناصر الوجودية الأخرى.
السلس الرصين في تغنّيه بالوجدانيات ، ومتماهية مع الحياة بأسمى معانيها وعلائقها بالعناصر الوجودية الأخرى.
كون تقنية السهل الممتنع تحكمه إلى أبعد الحدود،مما يتيح انطباعات من نوع خاص قد تحاصر ذهنية المتلقي وتستقطبه إلى عالم من الألوان المعتّمة على الغرض العام والمختزل في عتبة هذه التجربة الثرية بتناسلاتها الدلالية وصبغتها التجديدية وبصمتها المنكفئة على ظلال المتقابلات والأضداد والتواتر الشذري.
" بمدينتك اللامعة تشطرين دمي
نصفه.. ورود
ونصفه امتثال لمشيئتك
وعيناكِ في التقاطهما لي
تطلقان طائرا جريحا إلى المقصلة
لماذا أنتِ.. جميلة
إلى هذا الحد من الدهشة؟"
ها هنا يطالعنا صاحب الإصدار بجملة واحدة مفتتة إلى ومضات أنيقة و مهضومة وجاذبة إلى مستويات تفوق المدهش وتتجاوزه إلى إرباكية الحواس وخلخلتها،من حيث تكثيف الأبعاد القيمية والجمالية للقصيدة داخل تخوم استرسالها وتقنّعها بالنفس الملحمي الطويل.
"تذكّرني رائحة القهوة بإبطك
والجوى..ذئب يحكّ أنفه
مثل مدمن أمامي
لقد شربتُ ما لا يحصى من فناجين القهوة
لكن أصابعي دامعة
ووجهي كذلك."
.............
"لا أتخيل مشهد أقسى
من عيني المسكوبة
دما يغطي الأرض
إنها الوحشةُ.. تفقأ عيني
بمنقارها النحاسي
شوقا إلى رؤيتك."
.............
"أيها الشرطي
أفسح الطريق لحبيبتي
لماذا تقف جامدا هكذا
ألم تشاهد امرأة من قبل
تمرّ في كرنفال العصافير."
.............
"هذا الأعمى الذي يتوكأ على الضجر
رجل منسي في لهفة عتيقة
يتحسس وقع أحلامه بشفاه مرتجفة
ساعديه على عبور الشارع
وإن كنت أكثر كرما
ساعديه على عبور الحياة."
.................
"بإمكاننا أن نقنع الموت
بطريق آخر
غير الذي يقترحه علينا
نعطيه باقة ورد يتسلى بها
فيما نحن غارقان في القبلات
أمام قبر متهدم."
............
"سيكون كرما أن تقولي
لم أعد أحبك
سيجد فؤادي قبرا
ولن يتجول مثل شبح
يبحث عن شجرة
يختبئ فيها."
...........
"استريحي في صمتك
يا امرأة تتخلى
عن إنجابي عاشقا
أو قطا يسهر بالقرقرة على صدرك."
...........
"مذاقك حاد يا حبيبتي
ناعم كجناح فراشة
وشائك
مثل كرة ثلجية
تقاوم أن...
تذوب في فمي."
...........
"أعلم انك ستعودين
بعد آن تنتهي من دورتك الكونية
وحينها...
لن أسمح لك بالدخول
إلا عارية
من ضميرك وثيابك."
..............
"أحبك...
... أشتهيك
مثل ذئب يشتهي تفاحة
مخطوفة بأصابع القمر
هل عشت من قبل صراعا
على اختطافك
بين ذئب وقمر."
القصيدة المقطع بوصفها حالة برزخية محيلة على زئبقية منتجة لفلسفة مغايرة تجاه العالم والآخر،ومحققة للأسلوبية المتسربلة بشعرية الإشارة أو الإيماء.
وهي جملة يغلفها ميكانيزم القدح في إقحامه واستحضاره بنكهة المدح ،تنصلا من أوجاع جمّة ومعاناة تروم النزوع إلى ما يخول اقتراح الحالة على نحو عام بعد تدرج فيما هو أنوي مشخصن ومطاوع للقوالب الكاريكاتيرية والمندغم في سياق اقتضابات مناورة للوعي الجمعي واستفزازه داخل لعبة كوميدية ودغدغات متهكمة ناهضة على الوظيفة التشخيصية بدل التورط بغوغائية خوض المحاولات اليائسة وما يشبهها في طرح وتقديم ترقيعات أو معالجات.
ومن ثم نخلص إلى ما يفيد امتصاص النص العنونة للغرض العام من هذه الفسيفساء الكلامية برمتها،إنها اللحمة المشدودة إلى ذاتية مزدانة بهذا الانتماء ومسكونة بالحس الهوياتي على امتداد خارطة من الاستنطاقات الوجودية والصوفية.
فوحدها القصيدة الأليق لملء هذه العطالة في حال تأطيرها المخزي للذات والحياة على حد سواء، كأن يقول شاعرنا:
" لا تفهم الفراشة
ما يتبعها
من خيالٍ وعواصف
وأنتِ لا تفهمين
توالي فصولي الأربعة
على وجهك."
احمد الشيخاوي/شاعر وناقد مغربي/