السياسة الثقافية تعني الخط الفكري الذي تحتضنه الدولة لحماية هويتها
والدفاع عنها، وتعني أيضا بعبارة أكثر بساطة، الغداء الروحي الذي تقدمه الدولة لمواطنيها،
من
أجل تقوية روابطهم التربوية والأخلاقية والسياسية بهذه الهوية.
فمن يتأمل حالة السياسات الثقافية في أوروبا اليوم، وقبل عقود من الزمن،
سيدرك بسهولة ويسر، ذلك التوافق الحاصل بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية
والسياحية والصناعية والعمرانية وغيرها، والمخططات الفكرية المتصلة بعروض المسارح،
وقاعات التشكيل والسينما والموسيقى وأعمال الأدب وأساليب الطباعة والنشر والقراءة...
ومن يتأمل حالة السياسات الثقافية، في مناطق عديدة من العالم المتحضر
في العصر الحديث، سيدرك أن هذه السياسات، تعمل بمخططات قوية ومدروسة، من أجل تعميق
قيم الحرية ودلالاتها في روح المواطنين، وسيدرك أيضا مدى انعكاس هذه القيم على حياة
الناس، وعلى إنتاجيتهم الإبداعية والفكرية، التي تساهم في التنمية الوطنية الشاملة.
السؤال الذي يطرح
نفسه علينا اليوم بحدة، ونحن نعيش أجواء الألفية الثالثة الصاخبة في كل المجالات والميادين،
ماذا تعني لنا السياسة الثقافية.
فهل تعني دعم التكرار الممل لكل أنماط الأعمال المقتبسة بغيرعقل في المسرح
والسينما والتشكيل والموسيقى والأدب والنقد...؟
هل تعني حماية الألوان الفنية والثقافية المبتذلة والهابطة والتي لا لون
ولا هوية لها...والتي أصبحت تسيطر على الإعلام السمعي والبصري، الذي يستنزف المال العام
صباح مساء...؟
علينا أن نعترف لأنفسنا، أننا في المسرح والسينما والموسيقى والتشكيل،
كما في البرامج الإذاعية، وبرامج الدراما التلفزيونية، وفي دعم الطباعة والنشر، نعمل
بلا تخطيط، نقدم أعمالا تتأرجح بين إرضاء العامة والخاصة، لا نحرص على ارتباط هذه الأعمال
بمفاهيم الثقافة والهوية، فأصبحنا في أنشطتنا الثقافية والفنية المختلفة نتحرك بلا
مفاهيم وخارج كل المفاهيم، فلا مثل أعلى لنا نعتد به، ولا هدف لنا نصبو إليه.
إن الأمل كان وما يزال، أن تدرك وزارة الثقافة الأهمية القصوى للسياسة
الثقافية، وان تقوم بعقد مؤتمر أو مؤتمرات مع المجتمع المدني، والجمعيات الثقافية والفنية،
لتحديد مفاهيم ومخططات السياسة الثقافية التي من شأنها خدمة التنمية الوطنية الشاملة
/ أن تشرك الجماعات المحلية في وضع هذه المخططات والمفاهيم حتى تتمكن مستقبلا، من الإشراف
على المسارح وقاعات العروض والمتاحف والأندية الأدبية والثقافية ومحطات الإذاعة والتلفزة
الخاصة، ومن دعم الأنشطة الثقافية المحلية، التي تبرز لهذه الجماعات هويتها الثقافية.
متى ندرك أن الدفاع عن الهوية الثقافية يوازي الدفاع عن الأرض ؟