-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

مَقاطعُ الدّفتر اللَّيْليّ : محمد الشركي

مَقاطعُ الدّفتر اللَّيْليّ : محمد الشركي

1- أنسي الحاج : طائر قديم مَهيب عَبرَ أراضي الطّوفان
أفْرحَني جِدّاً أنْ يُطالِعَني، هذا الصّباح، أُنْسي الحاج، الشّاعر اللّبنانيّ المَوْلِد والعرَبِيّ المَدى والكَوْنِيُّ القَلْب، مُتَماهِياً مع العلامَة البَصَرِيّة لِمُحرّك البحث "غوغل" الّذي اخْتار، بانْتِباهٍ أنيقٍ، أنْ يَحْتَفِيَ هذا اليَوْم بالذِّكْرى التّاسِعة والسّبعين لميلاد هذا الشّاعِر الّذي لَمْ يَرْحَل، لأنّ المُبدِعين العميقين، المُتورّطين حقّاً في الألم العميق والفرح الأعْمَق للعالَم، لا يَرْحلون، بلْ ينْتَقِلون إلى نِظامٍ وُجودِيٍّ آخَر ضِمْنَ الأعمار الكُبرى والشّاسِعة لِكلماتِهِم. ومِنْ هذا العيارِ أُنْسي الحاج، الشّاعر المُضيء والصّحافي الخصيب والمُتَرْجم الفاخِر، وأَحد الأقطاب الرّئيسَة لمجلّة "شِعْر" الرُّؤياوِيّة، ومُبْدِع دواوين "لَنْ"، و"ماضي الأيّام الآتية"، "وماذا صنَعْتَ بالذَّهب، ماذا فَعَلْتَ بالوَرْدة؟"، و"الوَليمَة". هُو الّذي اجْتازَ يوْم 18 فبراير 2014، كطائِرٍ قديمٍ مَهيبٍ، أراضي الطُّوفان ووَصلَ إلى حيْثُ تجْري " الرّسولَةُ بشَعرها الطّويل حتّى الينابيع.."
2- تشي غيفارا : انفلات نسر الحُلم الثّوري من غابات بوليفيا
لشدّما يُشبه تشي غيفارا، المُمَدَّدُ على مغسلة المَوْتى، بصدره العاري المُثْخَن بالجراح، وملامح وجْهه المُسترخِية بعد عبور حافات المعاناة، ونَظْرَته المُنْخَطِفة إلى ليْل العالَم (وحولَه كلابُ حراسة الإمبرياليّة الّذين تتناسل فصيلتُهم في كلّ مكان) - لشدّما يُشبه المسيحَ بعد إنْزالِه مَيتاً من على الصّليب. لكنّه مسيحٌ أرْضِيٌّ لم يواجِه مِحْنَتَه الكبرى في "طريق الآلام" بالقدس القديمة، بل في غابات بوليفيا حيْثُ سقط بشُموخٍ أغاظَ مُسْقِطيه. لأنَّهم لم يُسْقِطوا سوى الجَسد العابِر، فيما انْفَلَت نَسْرُ الحُلُم الثَّوْريّ عالياً ومهيبا وأبَدِيّاً. وهذا الحُلُم لا قُدْرَة لأيِّ نظام عليْه، لأنَّه ابْنُ الحياة العميقة الوثّابَة أَبَداً...
3- كاتب ياسين : "نُريد سيّدة هذه البلاد / لا خليلاتها"
بعْد سبعة وعشرين عاماً على رحيله عن زمن الظّاهر إلى زَمن الأعْماق، يستَمِرُّ "كاتب ياسين"، المُبدعُ الجزائريّ الكبير، وجْهاً متوهِّجاً ومُحْتَدِماً وفاتِناً ومُتَعَذِّراً على الاحْتِواء، تماماً كوجْه "نجمة"، الحسناء الرّمْزِيَّة العالية المُشِعَّة في روايتِه الحامِلة لاسْمِها. فقدْ توَغَّل هذا الشّامخ بعيداً في قناعَته بأنَّ على المُبْدع أنْ يكون وأنْ يظَلَّ أبِيّاً، عَصِيّاً على الاسْتِدْراج إلى صفقات الرّماد، ومُنْتَسِباً - حتّى الجُذور- إلى الثَّورة الدّائِمة الّتي لا تهْدأ ضِدَّ كُلّ أشْكال الاسْتِبْداد والاسْتِعْباد والاسْتِحْواذ، وزاخِراً بالجمال كالحياة نفْسِها. أذْكر أنّني عندما بلغَني نبأُ رحيله الظّاهِريّ ذات يومٍ مِن أكتوبر 1989، وعُمره لم يتجاوز 60 سنة، كتبْتُ نَصّاً عنْه تساءلْتُ فيه : " هل ستّون عاماً كافية للعُثور على "السَّيّدة الجليلة" ؟ أم تُراها كافِيَةٌ لِوداعِها ؟... ذلك أنَّه كتَبَ في نَصٍّ شِعْريّ عميق "نُريد سَيّدةَ هذه البلاد.../ لاخليلاتها"....
4- فرجينيا وولف : ارتمَتْ في أنهار العالَم جميعها
لماذا أُفَكّرُ دائماً بأنَّ فرجينيا وولف لَمْ تُلْقِ بِنفسِها فقَطْ في نَهر "سوسيكس"، بلْ ارْتَمَتْ في أنهار العالَم جَميعِها ؟ لماذا لا أنْفَكُّ أرى وَجْهَها - وَجهَها المَرْيَميّ المُلْتاع - في تاريخ المِياه ؟ رُبَّما لأنَّها لا تزالُ تَطوفُ فِعْلاً، كروحٍ مُهْتاجَةٍ ومُسَهَّدة، بيْنَ عُزْلَة الوِدْيان ومَجاري الزَّمان. رُبَّما لأنَّ الألم والشَّغَفَ جَعلاها تُفْلِحُ في تَخَطّي حاجِز الجَسَد نَفْسِه، هي الّتي كتَبَتْ في "الأمواج" : "يَحْدُثُ لي أحياناً أنْ أُفَكّرَ بأنَّني لسْتُ امْرأةً... يَحْدُثُ لي أحْياناً أنْ أُفَكّرَ بأنّني الفُصول، وأنَّني شهْر يناير، وشَهر مايو، وشَهْر نُونبر، وأنَّني جُزْءٌ من الوَحَل والضَّباب والفَجْر"...
5- سيوران : "لست أنا مَنْ أتألَّم، بل العالَمُ هو الذي يتألَّم بداخلي
وجْهُ "سيوران" ليْسَ متجَهِّماً. إنّه عارٍ كالحقائق في فَجْر البِدايات. عارٍ وبريءً وصارِمً. لذلك لا يُصْغي إليْه هواةُ أنْصاف الحقائق، لأنّه يفْسِدُ الحفْلةَ العامَّة التي يتراكَضُ إليْها أغْلَبُ الأحياء. إنّه، كَكُلّ السَّحَرة، مِن الجِهَة الأخْرى التي لايرغَبُ في التَّعرُّف عليْها سوى القلائل مِنْ ذوي القلوب الكُبْرى القادِرة على استيعابِ الجِهَتَيْن معاً : المرْئيّ واللاّمرْئيّ، المسموع واللاّمسْموع، ما يُقال وما يتعَذَّر قوْله، النُّور والظّلام... لأنّ سيوران يرى في الظّلام، ظلام الرّوح البَشرِيّة، وينْتَسِبُ إلى عُزْلة العالَم الّذي يُعاني في دواخل
الأرواح العالية، هو الّذي كتبَ "لسْتُ أنا منْ أتأَلَّمُ في العالَم، بل العالَم هُو الّذي يتَألَّم بداخِلي. لا يوجَدُ المرءُ حقّاً إلاَّ عندما يكون وكيلاً لآلام الكائنات والأشياء الصّامِتة"...
6- ستظلّ ثقتُنا عاليةً بالمغارات
أمام انطفاء التّاريخ، وانكفاء الواقع، وانغلاق المُجتمع، وبَوار السّياسة، وإفلاس أنْظِمة الحُكْم العرَبيَّة، وتَغَوُّل الرَّقابة، وأمام تهافُت أشباه المُثَقَّفين، وتكالُب أشْباه الفَنّانين، ووَقاحة "بلاطِجة" الرّيع، وانْتِصاراً لروُح الأعْماق (الّتي تَكْنِسُ في النّهاية كُلَّ الرّداءات والاسْتِبْدادات والنَّذالات)، سَتَظَلُّ ثِقَتُنا عالِيَةً بالمغارات وقَلْبِها الغِنائِيّ العَظيم...
7- برج بابل : معارجكَ بعض أشكال دمي القديم
لسْتَ في بابِل بَلْ في جَسَدي :
أقْواسُكَ ومَعارِجُكَ
بعْضُ أشكال دمي القديمْ،
وبَعْضُ هيْكَلي منْ هيْكَلِكَ المُهْدَى
للامتِدادِ الشّعائريّ العظيمْ .
لَمْ تَكُنْ ، بلْ أنْتَ آتٍ
مُحْتَمِياً من النّار والدَّمارِ
بالهشاشَةِ المَنيعَةِ

لِقَلْبِ القَلْبِ البَهيمْ...

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا