-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الحرب بين هَمَجيةِ الكبار ودَعابة الصغار: كه يلان مُحَمَد

بالتوازى مع الحروب التي داهمت واقع الإنسان في كل العصور قد نشأت الأدبيات التي تُسجلُ المحن والمآسي التي يُخلفها الصراعُ بين المُتحاربين، وتنقلُ واقعاً مُتخماً بالموتِ
والدمار والإحباط الإنساني.
ولعل الرواية من أكثر الأجناس الأدبية اهتماماً برصد آثار الحرب على المستويين المادي والمعنوي لدى الكائن الإنساني، إذ تسود في مُناخ الحرب نزعة عدوانية وتتسربُ رغبة حيوانية للقتل وتصفية المقابل، إلى مجاهل نفسية كل فردِ، بحيثُ يكون القتل متعة وحيدة لدى الإنسان يختبرها في زمن الحرب. كَثُرت الأعمال الروائية التي تتناول عواقب الحرب على الأصعدة كافةً، وتستشرفُ ملامح الحياة التي تبدأُ بعدما تضع الحرب أوزارها.
تنزلُ رواية الدفتر الكبير للكاتبة المجرية أغوتا كريستوف من منشورات الجمل 2013  ضمن المؤلفات التي عرفت بأدب الحرب، إذ تستمدُ صاحبة «الأمية» مادة عملها من تجربتها الشخصية، فقد ذاقت آلام الاغتراب المكاني والروحي، وشاهدت أهوال الاحتلالات لبلدها هنغاريا، الذي كان واقعا في أتون المعارك الدائرة بين الشيوعية والنازية، خلال الحرب العالمية الثانية، إذ تتقصى الكاتبة في عملها تداعيات الحرب، كما تُشَخصُ مَظاهر الانحراف والتَشَوهات التي تغزو المُجتمعات، فبدلاً من أن تُسند مهمة سرد الأحداث إلى مُحارب أو جندي، آثرت عرض مادتها الروائية من منظور طفلين سيظلان بلا اسم، كما لا تَذكرُ أسماء شخصيات أخرى كأن بالكتابة أرادت بذلك الإيماء بأنه في ظل أجواء الحرب ينسلخ الإنسان عن ذاتيته وتختفي هويته.

بَساطة مُعبرةَ
يتصفُ أسلوب الكاتبة بالرشاقة وسرعة الانتقال بين الأحداث وتوظيف لغة ناعمة خالية من التعقيد، كما أن العمل موزع بين أربعة وستين قسماً في كل قسم يتم تصوير موقف دون أن يكون هناك حشو في الوصف أو حوارات مُطولة، بل غالباً ما تفتتحُ الكاتبة، على لسان الطفلين التوأمين المُشار إليهما بضمير المُتكلمين، المشهد بالحديث عن الجو أو تقديم شخصية جديدة أو تحديد حالة أو موقف، ومن ثُمَّ يبدأُ الحوار إذ بدلاً من الاتكال الكلي على الراوي لسرد الوقائع تلجأُ المؤلفة إلى استخدام تقنية الحوار ما يوفر ميزة الترابط لبنية العمل، ناهيك عن دور الحوار في التخلص من الجمود وطغيان صوت واحد، إضافة إلى ذلك فإن اللغة تختزنُ طاقة تصويرية، وذلك ما يدركه المتلقي في المقطع الذي يبدأُ به التوأمان بوصف بيت الجدة وموقعه في المدينة الصغيرة، إذ ذاك تكون حال المتلقي كحال من يتابعُ مشاهد سينمائية مُرفقة بصوت مُعلق، تستهلُ الروايةُ بعودة الابنة إلى أمها لكي تودع ابنيها التوأمين إلى امرإة عجوز بعدما تصل الفاقة بالابنة إلى حد لا تستطيع إعالة ولديها، كما أن ازدياد المخاطر في المدينة الكبيرة عامل آخر وراء قرارالابنة بأن تعهد برعاية التوأمين إلى الجدة، من هنا ينطلقُ السردُ وطوال الرواية لا ينفصل الأخوان بل يتجاهلان من يخاطب أحدهما دون الآخر، تتسم تصرفات الجدة بالقسوة والغلاظة مع الطفلين، فهي عرفت بالمشعوذة، هربت الابنة من المدينة الصغيرة بعدما عرفت بأن العجوز سممت والدها، يتأقلم التوأمان مع البيئة الجديدة ويتطلعان لاكتشاف أوجه الحياة بحلوها ومرها، كما يشاركان الجدة في العمل والصيد، فضلاً عن ذلك يواصلان الدراسة مستفدين من معجم والدهما لمعرفة المزيد من الكلمات والمُصطلحات، وتكون علية البيت مكاناً لحفظ أغراضهما الخاصة، بما فيها الدفتر الكبير الذي يحتوي على يومياتهما، إذ يقوم الاثنان بانتحال شخصيات مختلفة من الأصم إلى الأعمى إلى المتسول، بجانب تقديم العروض البهلوانية والمسرحيات في الساحات، وإحياء الحفلات في الحانات، وفي الوقت نفسه يزودهما خوري المدينة الصغيرة بالكُتب ولا ينقطعان عن القراءة. يستغربُ القسُ عندما يخبره الاثنان بأنهما أطلعا على الكتاب المُقدس، أسئلة الطفلين عن السبب وراء اقتياد الأسرى وإهانة كرامتهم الإنسانية تكشفُ أنه في الحربِ تغيب خصوصيات المرحلة العمرية، ويكون الإطفال مثل الكبار يختبرون قساوة الظروف، غير أن ما لا يتخلى عنه الطفلُ هو روح الدعابة والخفة في سلوكه.
كثافة المشهد
تبتعدُ صاحبة «الكذبة الثالثة» عن الإسهاب، إذ تُعولُ على المشهدية لإبانة الحالات الإنسانية ويكون هذا الأسلوب أكثر وضوحا في تعامل أهل المدينة مع الفتاة الملقبة بخطم الأرنب، إذ يستغلها الجميع بمن فيهم القسُ. كما أنَّ محاولات الطفلين لتعلم لغة الضابط الذي يسكن بيت الجدة، من خلال معجم يأخذانه من الأخير إشارة إلى وجود الاحتلال، ويكتسب هذا الموقف دلالة أعمق عندما يغادرُ العسكري البيت وينصح التوأمين بضرورة إتقان لغة القادم الجديد. هكذا تضعك الكاتبة أمام مشاهد نابضة وتُقنعك بأنَّ لا وجود للفرق بين المحتلين حتى لو اختلفت شعاراتهم، إذ ما أن يطأُ محتل جديد المدينة حتى تنتشر الفوضى، ويبدأ الجنودُ باغتصاب النساء والتنكيل بهنَّ، إذ تذهب خطم الأرنب ضحية وحشية غريزتهم وتطلب الأم من التوأمين إحراق منزلها لأن الأخيرة معاقة لا تتحمل الحياة دون مساعدة ابنتها، غير أن مقابل هذه الصور العبثية يوجد ما يُحافظ على وجود الأمل، ويتمثلُ ذلك في مبادرة الطفلين لدفن بندقية يعثران عليها، ما يوحي بوجود إرادة لإنهاء الحرب، أضف إلى ذلك رغبة التوأمين بمد يد العون إلى الفتاة التعيسة، وعدم تخليهما عن الجدة عندما عادت الأمُ وألحت على مُغادرتهما للمدينة. لا تخلو الرواية من الطابع النسوي إذ يتجلى هذا الأمر في انتقاد النساء للرجال بدورهم الكبير في إيقاد نار الحرب، كما ترى إشارات في تضاعيف العمل تشي بأن الإنسان لا يتوقف بحثه عن مصادر المُتعة في الحياة، بل بعض رغبات المرء تحتد أكثر في زمن الحرب، قد لا تتبين قيمة هذا العمل في البداية، غير أنه بمتابعة فصوله المتتالية تُدرك مغزى الرواية والرسالة التي أرادت أن توصلها مؤلفتها. تنتهي الرواية بفراق الأخوين أحدهما يُغادرُ المدينة والأخير يظل في بيت ال جدة،تموت الأم في الحرب والوالد خلال عبور الحدود ينفجر به لغم والجدة تموت في زمن الاحتلال الثاني. هنا الطفلان يرمزان إلى جيل عاش في ظل الحرب ولا يستبعد ان يكون شاهداً على حرب أخرى.
٭ كاتب عراقي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا