“غالباً لا أفي بالصّمتْ”
يبوح الصّوت بشوقه الوافر المنسكبِ من عبير عينيه.
يصمت ليقترب. يصمت ليتهيّأ للّقاء. يصمت ليأتي.
يجيءُ مع آخر زنبقة تودّع آخر ربيع.
ليوافيَ خواتم ليلٍ يحاكي ما بقي من زمن فجرٍ ينهل من سواقٍ ظمآنة إلى الحياة.
يحضرُ ومعه ياسمينة خالدة،
زرعها من أجلي، في غابة زرقاء أوردتها بيضاء
تبكي كلّما تراءى ظلّه في كفّي، كلّما نظرت بهاءه في وجهي.
سيقدمُ بعد الصّلاة، مع آخر نفحات بخور تسمو من مبخرة تتهلّل
يعزفُ لي رخامة حبّه،
وينهمرُ القمر، وتتلاشى الشّموس، وتنتحب المساكن، ويتبدّل الكون
ويأتي… وحده يأتي… ذاك الّذي يفي بالصّمت والحبّ والوعد.
… وأتى،
تراءت لي نسائمه النّقيّة. تباعدت وتدانت. تناثرت في روحي وصاغت أعماقيَ الرّهيفة.
يأتي ويخلقني من جديد لتكون الحياة، ليكون الحبّ ما سيكون.
وبعدُ أنتظر… ويأتي… ولادة جديدة… قصيدة تشكّل ملامحي، تبدّل ثوبيَ العتيق، ترسلني إلى فوق.
يشدّني العالم من أسفل، يناديني الصوت من علو
ليت شعري، أين سبيل منفى المحبّين؟
يهيمون في الغربة. عرشهم صليب يطوف حول العالم، يعانق السّماء.
قلوب تدور في أفلاك الهوى، تترقّب الإعلان الأخير، تتوق للورد الخالد وقوافل الرّذاذ الأبديّ.
“أخشى الكلام” يقول همسه البعيد القريب،
العِلم قليل، المعرفة باهتة، ومن يعلم الحبّ إلّا قليلاً؟
“أرغب بصمت أكبر” يردّد الحلم اليقين،
اليوم وغداً تزهر البيادر ويتعالى القمح وتقتات الطّيور ولا تكتفي.
اليوم وغداً يأتي وأنتظر…
ويأتي ويخلقني من جديد ليكون ما ينبغي أن يكون.