تسعى أهداف التنمية
المستدامة (SDGs) السبعة عشرة مجتمعة ً - المتضمنة في قرار
الأمم المتحدة رقم 70/1 الذي يشرك الدول الأعضاء ال (194) والمجتمع المدني في
مداولاته
– مستوى ً مشجّعا ً من تنمية الوجود الإجتماعي والبيئي البشري. إنها تضع إطارا ً حتّى
عام 2030 من شأنه أن يساعد الدّول والمجتمعات في العالم في التخطيط ما يمكن أن يصل
إلى إنجازات تحويليّة ومزدهرة ومستدامة.
كيف يمكن لهذا التطور
المحتمل أن ينمو ويصبح طويل الأمد ؟ وما هي الأساليب أو الطرق التي ينبغي علينا تحفيزها
بحيث ينتج عنها مشاريع مستدامة وتنشىء فوائد التنمية البشرية التي تريدها وتحتاجها
المجتمعات المحلية في العالم ؟
وكنقطة انطلاق، فقد
استوعبت معظم المجتمعات فرضية ثابتة من خلال التجارب، وخاصة منذ الحرب العالمية الثانية،
من تدخلات التنمية الاجتماعية وإعادة الإعمار : فالشعب يقبل ويدعم قرارات له دور في
صنعها. لقد تعلمنا هذا المبدأ الهامّ منذ أن قمنا بتحليل السلوك البشري في ثقافاتنا
نحن وثقافات الغير على مدى قرون من الزمن ووجدنا هذا الافتراض الأساسي في نصوص الفلسفة
والقيم الروحية للحضارات على مدى آلاف السنين. وبالفعل، هذا المبدأ لم يعد مذهلاً وصحيح
كما كان أي وقت مضى.
تكتسب خطط العمل
التنموية - التي تجسد بشكل مباشر إرادة الناس الصريحة - بطبيعة الحال شراكتها وطاقتها
وتفانيها.فبعد كل شيء، القرارات التي تساهم الناس في صنعها تعكس عموما تطلعات ومصالح
المشاركين. وبالتالي، المشاركة الشعبية الفعالة في خلق المشاريع التي تلبي أهداف التنمية
المُستدامة (SDGs )هي في نهاية المطاف الأساس الجوهري الذي
تأتي على أساسه هذه الأهداف بثمارها، فتتوسّع وتزدهر وترفع من مستوى مجتمعنا والعالم. ويصبح السؤال بعد
ذلك: كيف نحرّك في جميع أرجاء البلد اجتماعات ديمقراطية تشاركية للمجتمعات المحلية بحيث تتمكّن من تحديد
وترتيب أولوياتها وتقوم بتنفيذ مشاريع التنمية المستدامة ؟
لدى المغرب، على
سبيل المثال، ميثاق وطني تقدمي للمجالس البلدية
يهدف إلى تعزيز المشاركة الشاملة. يطلب من كل بلدية بموجب القانون وضع خطط تنمية
مجتمعيّة لعدة سنوات تقودها المشاركة الشعبية. فإذا لم ترسّخ دول العالم في سياساتها الوطنية الشرط ألأساسي لإحتواء
إنشاء وتصميم مشاريع تنمويّة مستدامة، كيف يمكننا أن نتوقع بعد ذلك تحقيقأهداف التنمية
المُستدامة (SDGs)
عندما
لا يتمّ تشجيع المواطنين على المشاركة في تحديد وتصميم المبادرات ؟
ومع ذلك، فقد تعلمنا
أيضا بصورة ٍ مهبطة للهمّة في حالة المغرب بأن صياغة القوانين والسياسات ليست كافية
لتحقيق أعمال التنمية التشاركية على نطاق واسع. في الواقع، يؤكد مثال المغرب بشكل حاسم
أنه يجب علينا أن نتعلم أيضا بالخبرة والتجارب أساليب (عن طريق تطبيقها في الواقع)
التخطيط الديمقراطي المجتمعي للمشاريع من أجل أن تنفّذ هذه العمليات حقا. يجب أن ندرب
معلمّينا وشبابنا والمتقاعدين وأعضاء من المجتمع المدني ومجتمع الأعمال، ومسؤولين منتخبين
محليا والنساء والرجال، من لديهم الكثير ومن لديهم أقل، للمشاركة ليس فقط في تحديد
المشاريع المستدامة، ولكن أيضا لتسهيل الحوار الضروري لجمع كلّ الناس مع بعضها البعض
لتتحدث، تجادل، تتصالح وتحقق التوافق مع بعضها البعض.والسياسات التي تعزز المشاركة
إلى جانب التعلم عن طريق العمل هي توافق ٌ أو مزيج ٌ ضروري يمكن أن يؤدي إلى تحركات
المجتمع المحلي نحو تحقيق أهداف التنمية المُستدامة.
وبالرّغم من ذلك،
وحتى بعد تقنين السياسات الوطنية وبناء القدرات، فإن هذان العنصران المهمّان ما زالا
غير كافيين لتحقيق ملموس لأهداف التنمية المُستدامة. فماذا يمكن أن تصبح المشاريع التشاركية والمستدامة
المصمّمة إذا كانت بدون تمويل لتحقيق التنفيذ؟
حتى عندما تكون المجتمعات في وضع يمكنها من تقديم بعض الأعمال العينية للمساعدة في
إنشاء مشاريعها التنموية، فالمواد المطلوبة للبناء والتشييد لا يزال يتعين شراؤها،
ولا يزال يتعين أيضا ً شراء بذور لزراعتها، ولا يزال يتعين تأمين رأس المال من أجل
تمكين الإنتاج.
معالجة قضية توزيع الأموال العامة والمستويات الصارخة من التفاوت
هي أجزاء لا مفرّ منها للحل، ولكن ألاّ نفعل شيئا ً حتى يأتي ذلك اليوم الوهمي هو ليس
خيارا وليس ضروريّا ً. لا توجد شروط مسبقة لتحقيق التنمية المستدامة عدا رغبة الناس
وحرية التجمع مع بعضهم البعض.
في المغرب، هناك
ما يمكن أن يكون طريقا ً للإعتماد على الذات لإيجاد الإيرادات الجديدة اللازمة للإستثمار
في المشاريع التي يمكن أن تحقق التأثيرات السياسيّة الاقتصادية والصحية والبيئية غير
المباشرة لأهداف التنمية المُستدامة. ويمكن إيجاد التمويل اللازم من خلال إنشاء سلسلة
القيمة الزراعية بأكملها، من المشاتل إلى السوق، بما في ذلك زراعة مئات الملايين من
أشجار الفاكهة المتنوعة التي تعتبر محليّة بالنسبة للمغرب، مثل أشجار اللوز، والأركان
والأفوكادو والتوت والخرنوب والكرز والتمور والتين والعنّاب والليمون والزيتون والرمّان
وشجر التين الشوكي والجوز وبعض أنواع أشجار التفّاح وأكثر من دزينتين من أصناف النباتات
الطبيّة البريّة المتنوعة.
هذا المستوى والنوع
من الزراعة والنمو المتكامل مع كفاءة الري لتوسيع المحاصيل بشكل ٍ كبير، و بالتزامن
مع الشهادة العضوية وتصنيع المنتجات الزراعية ليزداد الدخل بشكل ملحوظ ، وتوجيه المنتجات
نحو الأسواق المحلية والعالمية، يمكن لكل هذه العوامل مجتمعة ً أن تضاعف العائدات الناتجة
من الإقتصاد الزراعي المغربي خمسة أضعاف، إذ
ما زالتفي المغرب الأسر الزراعية الريفية، التي تعاني أشدّ الفقر في البلاد،
تنتهج بشكل نمطي ممارسات زراعة الكفاف الموجهة نحو الأسواق التقليدية المحلية.
مستويات أعلى من
الدخل الزراعي على الأقل في حالة المغرب ضرورية بشكل حيويّ من أجل تأمين الإيرادات
اللازمة لتحديد وتحقيق المشاريع التي تحقق أهداف التنمية المُستدامة. فنمو هذا القطاع
في حد ذاته هو هدف تنمية مستدامة. وتشير تجاربنا في بوركينا فاسو والكاميرون، على سبيل
المثال، أيضا إلى نفس الفرصة الهائلة حيث تباع الأفوكادو والبابايا والمانجو التي تنمو
بشكل ٍ طبيعي تماما ً محليا ببضعة سنتات لكل منها، هذا في حين يتم شراء الفول السوداني
ويُباع كفول سوداني بأسعار رمزيّة، بينما الدول الصناعية في العالم لديها أسعار التجزئة
لهذه السلع ب 100 ضعف ما يحصل عليه هؤلاء المزارعون.
إلا إذا قمنا بتمويل
وتحسين إلى الحدّ الأقصى أكثر الموارد إنخفاضا ً عن قيمتها الفعليّة، البشرية والزراعية،
كيف يمكن أن نستمد التمويل الذي نحن بأمسّ الحاجة له من أجل تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة
المطلوبة من قبل الجماهير؟ لا يمكننا أن ننتظرالعدالة علّ أخيرا ً قد تظهر بعض مظاهر
المساواة في الثروة، ولكن في واقع الأمر هو هذه العملية الموصوفة والمتكاملة للغاية
التي من شأنها أن تساعد على تحقيق عدالة الدخل والأصول الاجتماعية والاستدامة التي
تلازمها.
تنطوي الحركات التشاركيّة
المدفوعة بالإيرادات الزراعية العضوية بطبيعتها على شراكات متعددة القطاعات ومتعدد
المستويات، حيث المجتمعات المحلية جنبا إلى جنب مع الحكومة والوكالات والشركات التجاريّة
والمدنية تتعاون من أجل تحفيز التخطيط المجتمعي ووضع خطط ومشاريع التنمية. تشكّل شبكات الشراكة هذه أيضا ترتيبات لامركزية
أو قنوات إدارة لنظام متطور ملتزم بالتنمية المستدامة. وهذا يعني أن اللامركزية هي
نتيجة ثانويّة للتخطيط التشاركي الواسع وتنفيذ المشاريع التي تم تحديدها من قبل المجتمع.
وهذا النوع من اللامركزية الذي يتشكّل سيشبه بطبيعة الحال التجربة التي تولدت عنها، وهو في هذه الحالة المقترحة
الحكم القائم على المشاركة.
في المغرب، التزمت
المملكة رسميا في عام 2008 وفي دستورها عام 2011 للإدارة اللامركزية وإشراك جميع الناس
والأديان والخلفيات في جميع الحقوق وفي حتمية التنمية الوطنية . يساعد الالتزام الوطني
على خلق مجتمع يحفّز على تشجيع حركات شمولية من أسفل إلى أعلى لتحقيق مشاريع مستدامة،
هذا في حين يتم تأسيس منظمات المجتمع المدني وتعزيزها وتتحدّ في وقت ٍما عندما تعمل
معا – وهذا نهج ٌ شاهدناه أيضا في المغرب. وعلى أية حال، إذا لم تلتزم أمة بقوانينها للامركزية والفدرالية ولكنها تمكن
إدارة المجتمع من تطوير نفسها، فإنها لا تزال تفتح بشكل غير مباشر بحكم الأمر الواقع
نهجا ً إلى شكل من أشكال التنظيم اللامركزي، ويحتمل أن تكون نظامية مع مرور الوقت.
هذا ينشأ من تصاعد وتنظيم العلاقات المتداخلة المشاركة في تنمية المجتمع، ولكن أيضا
من تسييس المشاركين لأنها تستوعب الإجراءات التشاركية للحكم والأجندات الشعبية من أجل
التغيير - وبالتالي قد تختار لدخول معترك السياسة الانتخابية.
وباختصار، أهداف
التنمية المُستدامة (SDGs ) وتحقيقها بحلول عام 2030 سيكون انعكاسا
مباشرا للمدى الذي يشارك الناس فيه للتغيير الذي يسعون إليه. مشاركتهم ستكون انعكاسا
لسياسات وطنية تمكّن البرامج المحليّة وبرامج التدريب التجريبي في تسهيل التخطيط المجتمعي
التشاركي والتنمية المعمول بها في جميع أنحاء الأرض. يعتمد تنفيذ المشاريع المحددة
محليا على الإيرادات الملزم بها وهذا يتطلب، على الأقل في المغرب ومعظم الدول النامية،
تحقيق إمكانات الزراعة العضوية والمكافآت التي تقدّمها الأسواق العالمية. وأخيرا، عند
القيام بكل هذا والبقاء أوفياء لمبادئ المشاركة والشراكة بين القطاعين العام والخاص،
ستخرج إلى حيّز الوجود الترتيبات والاتحادات اللامركزية لإدارة التنمية ويتم تأسيس
طاقة ثابتة من أسفل إلى أعلى. ومزدهرا ً بشكل متزايد بنجاحاته الخاصة، يتسارع النموذج
نحو عام 2030 بمستويات التنمية المستدامة للبشرية ولكوكب الأرض، ساطعاً لربما كما لم
يحدث من قبل.
_____________________
الدكتور يوسف بن
مئير هو رئيس مؤسسة الأطلس الكبير، وهي مؤسسة مغربية - أمريكيّة غير ربحية مكرسة نشاطاتها
لتحقيق التنمية المستدامة، وتتمتّع منذ عام
2011 بصفة استشارية في مجلس الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي.