تبدأ القاصة زهرة عز قصتها "وطن بلا عينين"
بحلم لطائر يحترق حتى يصبح رماداً.. ها هو أيوب بطل القصة ينهض منزعجاً من حلمه حيث
اعتقد أن هذا الحلم نذر شؤم له،
هو شاب مقبل على الحياة.. لكن حلمه كان صادماً له،
فالاحتراق هنا يعني النهاية، يعني أن أجله قد دنى.. هو يعيش حياة قاسية، لقد تجاوز
الثلاثين من عمره، لم يتجوز بعد، ولم يجد وظيفة...فالحياة توصد أبوابها في وجهه..وهنا
تطرح القاصة زهرة مشكلة لا يعاني منها المجتمع المغربي لوحده... بل تعاني منها مجتمعات
عديدة في الوطن العربي، مشكلة "المحسوبية والزبونية" في إيجاد وظيفة، تقول
زهرة: "حصل على أعلى الشهادات، لكن كل ذلك لم يشفع له عند أرباب الشركات والبنوك..."
ثم تنتقل الكاتبة إلى الواقع الذي عودتنا عليه
في جميع قصصها إلى المعاناة الحقيقية لأيوب وعائلته.. والده الذي كان يدفع بعربة الخبز
كل صباح ليبيع خبز زوجته فاطمة الطازج والشهي أصيب بالمرض الخبيث، لكن القاصة زهرة
تصف الفقر والبؤس هنا أنهما أخبث من المرض الخبيث. وهنا نستذكر قول علي بن أبي طالب
كرم الله وجهه حين قال: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته". لتنقلنا القاصة إلى
دور المرأة في المجتمع عندما تقوم والدة أيوب بعمل والده وعملها في نفس الوقت... وهنا
تبرز تضحية الأم... فها هي تخبز الخبز.. وتدفع بالعربة لتبيعه.. عهي تحمل مشعلين في آن واحد.
أيوب الحالم بمستقبل مشرق لعائلته، الحالم
أن ينقل عائلته من بيتهم الصغير إلى عالم أوسع وأرحب حيث الشمس لن تتلكأ من دخوله...
لكن جهود أيوب بالبحث عن الحبيبة... المنقذة له ولعائلته والتي سوف تنهي مأساته ومأساة
عائلته.. "الوظيفة" لم يلتقيها بعد. رغم أن عائلته بدأت تصغر بعد أن تزوجت
أخته الصغرى.. وسافر أخيه الكبير إلى الشمال ليعمل في التهريب... وهذا يدل على نتيجة
الفقر أنه يدفع إلى الانحراف..
لكن أيوب الذي لم يترك باباً إلا وطرقه للبحث
عن وظيفة، يوقظه آذان الفجر من نومه... فصوت الآذان هنا هو الجرس الذي أيقظ أيوب من
سباته، وحرك في قلبه ما كان نائماً، فقام وصلى وشعر بالراحة ولتحمله موجات النوم ويرفرف
في الفضاء الرحب حيث الشمس والنخيل.
وهنا تعلن القاصة عن حالة ولادة.. ولادة طائر
بديع، فهذا المخاض أنجب طائراً.. أملاً... ومستقبلاً فسيحاً.. وشمساً مشرقة. تلك النار
التي أحرقت أيوب الطائر في حلمه في بداية القصة... لم تستطع أن تنال من هذا الطائر
المولود من رمادها، والذي استطاع أن يفرد جناحيه ويحلق عالياً نحو الشمس التي لن تنال
منه وتحرقه هذه المرة.. ها هو طائر الفينيق ينبعث من رماده.
لقد أيقض طائر الفينيق في أيوب حياة جديدة...
نهض من فراشه.. نظر إلى والديه وعقد العزم على أن يأخذ مكان والده ووالدته في العمل..
يخبز الخبز ويبيعه... وينحى بشهاداته جانباً، فيدفع بعربة الخبز إلى الشارع..
لكن طموح أيوب لم يتوقف عند بيع الخبز فقط..
فقد كان له حلم آخر .. حلم أكبر وأشمل من بيع
الخبز.. حلم التغيير.فكان قراره المشاركة في حركة التغيير.. وهنا نجد أن القاصة تعلن
بصراحة عن الثورة على الواقع المرير.. الثورة على الظلم.. تقول: "سيحمل بين مخالبه
صخوراً من الظلم والمآسي والمعاناة والبؤس التي يرزخ تحت ثقلها الشباب الضائع المظلوم
ويرمي بها فوق حصون المسؤولين". هي دعوة صريحة للثورة.. دعوة للتضحية.. فتعلن
زهرة: "وإن اقتضى الحال سيحترق من جديد لتنبعث طيور أخرى من رماد الظلم تصدح بالحق
تغني سمفونية الوطن" السمفونية الجميلة لوطن يخلو من الظلم والفقر...
ينطلق أيوب بعربته نحو ذلك الحشد الذي يقف
أمام البرلمان مقدماً نوعين من التضحية... التضحية الجسدية... التضحية بالنفس وهي أعلى
مراتب التضحية... والتضحية بقوته وقوت عائلته.. العربة الوسيلة الوحيدة لكسب الرزق..
وهنا تنقلنا الكاتبة إلى المواجهة بين أدوات
الظالم والمظلوم.. حيث يقوم رجال الأمن بالبطش لكل من يرفع صوته محتجاً.. وما هي النتيجة
بالنسبة لأيوب... إنسان يرقد على سرير الشفاء في المشفى... ضريراً... لكنه ما زال يحلم...
وهنا قوة الإرادة التي لم ولن تهزمها بطش الظالم... فهو يحلم أن يحلق من جديد.. وأن
ينبعث من رماده.. فهو طائر الفينيق الذي لا يفنى.. هو طائر الفينيق المتجدد.. هو طائر
الفينيق الذي يحمل في مخالبه الظلم والفقر والفساد ليسقطها على رأس المسؤولين وكأنها
حجارة من سجيل.. هو طائر الفينيق المتجدد لدى جميع الناس المظلومين.. هو طائر الفينيق
الذي يرى بعيون الوطن.. هذه العيون وإن كانت غائبة ومظلمة سوف يأتي ذلك اليوم التي
تنهض فيه من عتمتها.. وتشرق شمس الحرية والرخاء... ويصبح للوطن عيون.