في رثاء سياق جامعة عابد الجابري وفاطمة المرنيسي…
كل ما أصبحت
أعرفه،عن الواقع الحالي للجامعة المغربية وتضميناته،أني لا أعرف شيئا.حقا، يلزم الواحد التحلي كليا بتواضع الروح السقراطية : "كل ما أعرفه
أنني لا أعرف شيئا''،إذا توخى
الخوض في نقاش إيتيقي، يهم ما يعتمل داخل جامعتنا.بحيث يتأكد بالواضح الملموس،أن ما يظهر للعيان، يبقى في نهاية المطاف،مجرد أولى أدراج سرداب دهليز معتم.
بهذا الخصوص،لم يعد من الممكن مصادفة صديق، التحق
أخيرا للتدريس بالجامعة،أو على الأقل،لازال متابعا وفيا،ملتصقا حميميا بما يجري
داخلها إداريا وتدريسيا وتربويا ومعرفيا،إلا وقذفني بخبايا مشبعة جدا بصغائر
الأشياء،يصعب حقيقة تصور حدوث مجرياتها داخل مؤسسة علمية بامتياز.منتهى مآل،تحول بالجامعة المغربية،من كونها
محرابا وورشا لتكريس قيم العلم والعقل والبناء والإرساء الحضاري،وبوصلة للإرشاد
والتقويم المجتمعي،هكذا يفترض،إلى مجرد بقعة لتفتق أنماط ذهنيات المكر والخديعة،وازهرار
أغصان غير كلاسيكية للانتهازية والوصولية،على حساب المصلحة العامة،الأمر الذي يحثُّك
على استعادة ثانية لأسئلة أنطولوجية، من قبيل :لما انتهينا نحو كل هذا؟لما كل هذا الفراغ؟لما تراجع
الجميل لصالح البشع والدنيء والحقير؟لما استأسدت البلاهة و''القفوزية الخاوية''أو
الجبانة بالعربية؟….
أحيانا، وأنت ترهف السمع لتلك البطولات البهلوانية،يصعب
عليك التصديق،لاتريد أن تصدق. ينتابك الدوار،فتشعر كأنك وسط لجة بلا مخرج.مصالح شخصية تتصارع،على طريقة حرب
البسوس،مخططات مازوشية وسادية وفصامية، بغية الاستحواذ والإقصاء،ثم تأبيد المنظومات
البائدة للتابعين وتابع التابعين،عبر الولاءات،بحيث أنا ومجالي الخاص،وبعده فليأت
الطوفان، ولتغرق السفينة.
أضحينا
في هذا البلد،كل من استأنس بنفسه صدفة عند رقعة الشبكات العلائقية للتموقع،إلا
وأفرغ عقله تماما وجمَّد حواسه مطلقا،كي يتفرغ فقط بلا هوادة،لاستيعاب وهضم ألفبائيات
البدايات والنهايات.بدورها،انجرفت الجامعة المغربية
قلبا وقالبا،وراء تيار بلا هوادة،الذي مافتئ يمسك بممكنات المجتمع سياسيا
واقتصاديا وإعلاميا وفنيا وتربويا،فانقلبت معه من فضاء لبناء الإنسان وتعضيد
المنظورات العقلانية،والتوابث الحضارية،إلى بنايات رمادية بلا روح، تتسع باستمرار
لمنطق اللامبالاة.
يفترض أصلا،حين توخي الحديث عن الجامعة،أن نرتقي
عفويا بنبرة خطابنا،من المقاربة الغوغائية التي تكثف الأحداث البسيطة،فنشرئب غاية
النقاش المفهومي العميق،استنادا على إطار عام،تنسج خيوطه بداهات لا غنى عنها،مثل :التقاليد الجامعية العريقة، أنطولوجيا الجسم
الأستاذي،الصروح الفكرية،السلطة العلمية وهي سيدة السلط،وأفضلها جميعا،الإرث
العلمي،حوار الأجيال،الجدليات البانية لمدارج الأستاذ والطالب….هي
السياقات المبدئية اللازمة عند المنطلق،كي نقارب جامعتنا بالنسق اللغوي اللائق بها.لكن، حينما تنتفي مقدمات كتلك،ستختل
باقي متواليات النسق الاستدلالي.
بالتالي،كيف لنا أن نتصور ولو وهما، جامعات
تسير، كما يحدث مع مواسم الأضرحة؟جامعات،تكلست وهي تتوغل، احتفاء بالاختفاء وراء
الشمس،مادامت تزداد تحمسا بالحقد والكراهية،لمختلف المبادئ التي ترسخها آفاق البحث
العلمي الدؤوب،الجديرة وحدها بنعت جامعة ما، كونها مستحقة لهذا الوصف:الطهر، الشفافية ،التواضع،
الجدة، التسامح، النقد الذاتي المستمر،الانفتاح،ثم مختلف استطرادات ذلك.
كيف لأستاذ جامعي، لا يحترف القراءة ولا الكتابة ولا التفكير ولا يدعو
للقراءة والكتابة والتفكير، ولا يوجه ولا يربي… ،والوضع كذلك،
فكيف يحق لنا مطالبته بفيض سخائه المعنوي والسلوكي؟لماذا يخون وظيفته المقدسة التي
لا وجود له إلا بها ومن خلالها ومعها وحيث هي؟ثم يصير ببساطة ممتهنا لفنون التضليل،سواء
علنيا أو مستترا.ألا يمثل التضليل،أخطر
أنواع القمع، مثلما قال عمر بن جلون؟.
على أية حال، وداعا جامعة عابد الجابري وفاطمة المرنيسي ….
http://saidboukhlet.com