ترامب يسعى لرعايتها جيمس بامفورد ترجمة – أنيس الصفار في قاعدة عسكرية محاطة بحماية مشددة تقع الى الجنوب من واشنطن بنحو 25 كيلومترا تتربع بناية ضخمة تضم مقر وكالة للتجسس لا يعلم بوجودها إلا قليلون. حتى {باراك اوباما} بدا جاهلا بالاسم بعد خمسة اشهر من توليه منصب الرئاسة عندما كان يصافح الحاضرين في مطعم {فايف غايز همبرغر} خلال شهر أيار من العام 2009، وخطر له أن يسأل احد الزبائن عن عمله. قال له الرئيس: {ما عملك؟}. فرد عليه الرجل أنه يعمل في «الوكالة القومية لاستخبارات الجغرافية المكانية»، فلاحت على وجه اوباما علامات الاستغراب وقال له: «هلا بينت لي ما هي هذه الجغرافية .. المكانية .. القومية ..» ولم يتمكن من استعادة الاسم بالكامل. ورغم مرور ثمان سنوات على بث هذا الفيديو لا تزال الوكالة المذكورة عضوا شبه خفي بين وكالات التجسس الخمس الكبرى التي تضم ايضا وكالة المخابرات المركزية «سي آي أي» ووكالة الامن القومي. رغم افتقار «الوكالة القومية لاستخبارات الجغرافية المكانية»، التي تعرف اختصارا بمصطلح «أن جي أي»، الى الصيت والشهرة فإن البناية التي يشغلها مقرها الرئيسي هي ثالث اكبر بناية في واشنطن العاصمة حيث انها اكبر من بناية مقر وكالة المخابرات المركزية «سي آي أي» وحتى أكبر من مبنى الكابيتول. تبلغ ابعاد بناية المقر هذه، التي اكتمل انشاؤها في العام 2011 بكلفة مليار ونصف مليار دولار تقريبا، ابعاد أربعة ملاعب لكرة القدم مجتمعة وتغطي مساحة من الارض تعادل مساحة حاملتي طائرات. وفي العام 2016 اشترت الوكالة ما يقارب 400 الف متر مربع ضمن منطقة «سانت لويس» لإنشاء مبان اضافية عليها بكلفة 1,75 مليار دولار لاستيعاب قوتها العاملة المتنامية، فهي لديها منذ الان نحو 3000 موظف في تلك المدينة فقط. الصورة والصوت تمثل «الوكالة القومية لاستخبارات الجغرافية المكانية» في عالم الصورة ما تمثله وكالة الامن القومي لعالم الصوت، حيث ترتكز وظيفتها الاساسية على تحليل مليارات الصور والكيلومترات الهائلة من اشرطة الفيديو التي تلتقطها الطائرات المسيرة فوق منطقة الشرق الاوسط والاقمار الاصطناعية التي تدور مغطية كل نقطة في اقصى اقاصي الارض. لقد نجحت هذه الوكالة بتجنب الوقوع في فضائح التجسس الداخلي، كتلك التي وقعت فيها شقيقتاها الالمع شهرة «وكالة المخابرات المركزية» و»وكالة الأمن القومي»، بسبب بقاء كاميراتها الفائقة الحدة والوضوح متجهة الى خارج الولايات المتحدة، وفقا لمجموعة من الدراسات. بيد ان هناك اسبابا وجيهة للاعتقاد بأن هذا الوضع سوف يتغير خلال فترة تولي الرئيس «دونالد ترامب». فعلى امتداد حملته الانتخابية الطويلة، والاشهر القليلة الاولى التي قضاها حتى الان في منصب الرئاسة، كان ترامب يسعى للضغط ويطالب بإرخاء القيود المفروضة على الوكالات الاستخبارية وانفاق مزيد من الاموال على الشؤون الدفاعية، الى جانب الصرامة والتشدد في مجال القانون وفرض النظام. ونظرا للتركيز المكثف الذي يوليه الرئيس الجديد للأمن القومي يكون من المنطقي ان نتوقع من الرئيس ترامب استخدام جميع الادوات المتاحة للحفاظ عليه، بما في ذلك الرقابة المستمرة اليقظة من الاعالي. خلال آذار 2016 نشر البنتاغون نتائج تحقيق اجراه مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع لتحري نشاط طائرات التجسس العسكرية المسيرة بلا طيار داخل حدود الولايات المتحدة. كشف هذا التقرير، المؤشر عليه بعبارة «للاغراض الرسمية فقط» والذي خضع لعملية تنقيح نسبية، أن البنتاغون قد استخدم طائرات استطلاع بلا طيار غير مسلحة فوق الاراضي الاميركية خلال 20 مناسبة تقريبا ما بين العامين 2006 و 2015 (لم يحدد التقرير طبيعة تلك المهمات في حين اشارت وثيقة ثانية للبنتاغون الى تنفيذ احدى عشرة عملية داخلية للطائرات المسيرة تضمنت من حيث الاساس رصد الكوارث الطبيعية وأعمال البحث والانقاذ وتدريب وحدات الحرس الوطني). الغطاء القانوني اقتبس ذلك التحقيق ايضا عبارات من احدى فقرات قانون القوة الجوية فيها اشارة الى تنامي القلق من ان يتحول استخدام التقنيات، المصممة اساسا للتجسس على الاعداء خارج الولايات المتحدة، قريبا الى التجسس على المواطنين داخل البلاد. ورد نص من الفقرة؛ يقول: «مع تحول البلد الى الوسائل الخفية في خوض هذه الحروب سوف تتوفر قدرات وامكانيات لدعم القيادات المقاتلة الاخرى او الوكالات التابعة للولايات المتحدة، ومع توفرها سوف تتنامى الرغبة باستخدامها لتغطية البيئات المحلية لجمع الصور الملتقطة من الجو.» ينص التقرير على ان جميع المهمات المشار اليها قد نفذت عبر تقيد كامل بالقانون، مع هذا يعود فيعقب بملاحظة تشير بوضوح انه بدءا من العام 2015 لم تعد هناك قوانين فدرالية موحدة تعالج مسألة استخدام الامكانيات التي توفرها الآلات التي تطير بلا طيار والتي بوسع وزارة الدفاع تقديمها اذا ما طلبت السلطات المدنية منها ذلك. بدلا من هذا، لدى البنتاغون سياسة معينة للسيطرة على استخدام طائرات الاستطلاع المسيرة، هذه السياسة توجب الحصول على موافقة من وزير الدفاع على جميع العمليات الداخلية التي من هذا النوع، وعلى اساس تلك الضوابط لن يسمح لطائرات الاستطلاع الاميركية بممارسة اعمال المراقبة على المواطنين الاميركيين ما لم يكن هناك قانون يجيز ذلك بموافقة وزير الدفاع. كذلك تحظر السياسة استعمال الطائرات المسيرة المسلحة فوق اراضي الولايات المتحدة لأي سبب باستثناء التدريبات العسكرية واختبار الاسلحة. لا تملك سوى قلة من المدنيين تصورا حقيقيا عن مدى التقدم الذي بلغته الطائرات العسكرية المسيرة التي تعد اليوم بمثابة «عين في السماء». من بين هذه الآلات طائرة تسمى «آرغوس آي أس»، وهذه الطائرة مزودة بكاميرات هي الاعلى دقة ووضوحا على مستوى العالم، إذ تبلغ كثافة صورتها 1,8 مليار بكسل. ويمكنها العمل من ارتفاعها الذي يصل الى اكثر من 6400 متر في الهواء، ومن هناك حيث لا تدركها عين على الارض، تستخدم هذه الطائرة تقنية تعرف بإسم «التحديق الثابت»، وهي بذلك تعادل ما تنجزه 100 طائرة من نوع بريداتور تنظر معا من فوق خلال آن واحد على مدينة متوسطة الحجم؛ راصدة كل ما يتحرك فيها. قالب الزبدة بهذه القدرة التي تمكنها من مراقبة مساحة تصل الى 26 أو حتى 40 كيلومترا مربعا في المرة الواحدة تستطيع طائرتان من هذا النوع تحومان فوق مانهاتن بشكل مستمر أن تقوما بمراقبة ومتابعة اي نشاط بشري يحدث وسط العراء ليلا ونهارا. وبمقدور هذه الطائرة ان تقرب صورة جسم لا يزيد حجمه على حجم اصبع من الزبدة موضوع في صحن صغير، وهي قادرة كذلك على خزن مليون تيرابايت من المعلومات خلال اليوم الواحد. هذه القدرة الهائلة تسمح للمحللين بالعودة الى الوراء اياما او اسابيع، او حتى اشهرا لغرض تدقيق أمر معين، والتكنولوجيا دائبة العمل بلا توقف لأجل التوصل الى طائرات مسيرة تستطيع العمل باستقلال لمدة سنوات للطلعة الواحدة. سبق أن تعرضت وزارة الأمن الداخلي لمثل هذا التقاطع من قبل. ففي العام 2007، خلال فترة رئاسة «جورج دبليو بوش»، اسست الوزارة المذكورة وكالة مهمتها توجيه قسط من نشاط اقمار التجسس الى الداخل واعطوا تلك الوكالة اسما لا يوحي بشيء هو: «مكتب التطبيقات القومية». بيد ان الكونغرس سرعان ما قطع عنها التمويل خشية الوقوع وسط منزلق «الأخ الاكبر الذي يراقب من السماء»، ثم وضعت ادارة اوباما نهاية لأعمالها بحلول العام 2009.على خلاف وكالة الأمن القومي التي تستخدم؛ للمراقبة داخل البلاد؛ وسائل الكترونية خاضعة لرقابة دقيقة من قبل تشريعات وضوابط صيغت خصيصا لحماية الحريات المدنية، افلتت «وسائل التجسس من فوق» من انتباه الكونغرس والمواطن معا، ومن الممكن ان تستغل ادارة ترامب هذه الثغرة وتفيد منها. ومع انطلاق العصر الجديد، عصر «المراقبة الدائمة»، قد يلجأ ترامب الى استخدام قدرات المراقبة من فوق لاستهداف المسلمين او ناشطي حركة «حياة السود مهمة»، حيث سبق لهذا الرئيس أن اعلن تأييده لتشديد الرقابة على المساجد، وأن وسائل الرصد والتقييم من الجو ستتيح له تعقب المصلين ومتابعة حركاتهم. كذلك يمكن للطائرات المسيرة ان تساعد على ملاحقة جماعات المهاجرين غير الشرعيين وجمعهم تمهيدا لترحيلهم. قال ترامب ايضا انه قد يرسل القوات الفدرالية الى شيكاغو اذا لزم الامر لاخماد العنف، والطائرات المسيرة تستطيع ان تؤمن للمدينة عينا يقظة لا تطرف للحظة واحدة؛ فتراقب ما تحتها طيلة 24 ساعة. هذا كله سيتطلب بطبيعة الحال توسيع «الوكالة القومية لاستخبارات الجغرافية المكانية» لكي تتمكن من تحليل ذلك السيل من الصور الملتقطة داخليا، ولكن قبل ان يحدث ذلك يجب ان يكتشف ترامب، مثلما اكتشف اوباما، ان مثل هذه الوكالة موجودة في بلده. عن مجلة فورن بولسي