"تم نشر هذا المقال في الخامس من شهرنونبر2013"دأبت وزارة الإتصال منذ إحدى عشرة سنة على تنظيم
جائزة للصحافة الوطنية في مختلف أسانيدها السمعية البصرية
والورقية والإلكترونية .
ومن المعلوم أن الإحتفاء
بالمنجزالصحافي المغربي طيلة سنة يكون الهدف منه
أساسا كما ورد في بلاغ وزارة الإتصال في هذا الشأن ''تشجيع وتكريم الكفاءات الإعلامية
المغربية في مختلف الأجناس الصحفية '' لكن في رأينا الخاص يجب أن يكون من بين أهدافه
أيضا وقفة للتأمل من أجل تفقد محرك الماكينة الإعلامية ووضع آلة سماعة الطبيب في مكمن
الداء في مهنة المتاعب بغرض التفكيرفي تضميد أعطاب حروبها اليومية ماظهر منها وما تكولس
من تحت مائدة صاحبة الجلالة والعمل على تجاوزإختلالات السنوات الماضية ...
إن منح جائزة للصحافة الوطنية ، هوتتويج وتكريم
لكل الجسم الصحافي الوطني ، لكونه في العمق اعتراف علني وتقديرمفرد بصيغة الجمع ، لكل
الصحفيين على اختلاف منابرهم، هذا إذا كانت المعاييرودراسة الأعمال المقترحة أولا وأخيرا
تقتعد على نقد بناء ومجردة من عمليات الضرب من تحت الحزام أو الطرح القائم على ردود
الفعل الحانقة ...
إن جسامة العمل الصحفي لاتختلف خطورتها في جميع
أقسام المؤسسة الإعلامية ، بدءا من دفة الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة ، ومن الملف
السياسي حتى صفحة التسلية والترفيه .. إنها بكل اختصارتلك الخلايا اليقظة .. اللاهثة
في كل لحظة وحين في حلبة السبق الصحفي والخبرالسكوب والتحاليل السياسية والإقتصادية
الرباعية الأضلع وغيرها من الأخباروالمعلومات التي تسهم بقدرأوبآخرفي رسم ملامح الواقع
المغربي الراهن ، إن على مستوى نجاحاته أوإخفاقاته في جميع ميادين النشاط المجتمعي...
ومما لاشك فيه أن المشهد الثقافي المغربي جزء لايتجزأ
من هذا الشلال الإعلامي الذي يهدريوميا في مسامعنا ويصطخب أمام أعيننا على صدرالصفحات
الثقافية الورقية أوعلى صفحات المواقع الإلكترونية الإخبارية في كل لحظة .
فالبرغم من ندرة الأنشطة الثقافية ومركزيتها ونخبويتها
في الكثيرمن الأحايين ، فإن متاعب الصحافي المسؤول عن الصفحة الثقافية الورقية أوالإلكترونية
لاتختلف من حيث هاجس المواكبة والتحيين والحضورالدؤوب .. لاتختلف عن هاجس الأقسام الصحافية
الأخرى الحساسة إعلاميا إن لم نقل الحاسمة في مصيرحياة المنبرالإعلامي إما بالحكم عليه
بالتشميع... أوالحكم عليه ''بالإعدام'' الرمزي وقطع الطريق في وجهه أمام مضخات الإعلانات
والإشهاروالدعم السنوي .
وفي معترك هذا الهياج السياسي الراهن الغارق في
زبد عقليات تدافع (ممثلي) الأمة في قبة البرلمان .. ومع سعاربيانات بعض الكراكيزالسياسويين
الذين أكلوا على ظهرالشعب وشربوا أكثرمما أكل عليهم الدهروشرب .. في ظل كل هذا الضجيج يضيع الفعل الثقافي في مختلف
تجلياته وحضوره المؤثرفي دينامية المجتمع ، باعتبارالثقافة مكونا يتجاوزالتاكتيك السياسي
اللحظي المسيطرعلى مختلف بنيات التفكيرالسياسوي البراغماتي إلى كونها مكونا ذهنيا وسلوكيا
مطلقا يتماهى كليا مع ملامح الهوية وثوابتها القائمة على شرط التوافقات والإنذماج بل
والإنصهارالتاريخي المتين والأبدي بين كل مكونات المجتمع المغربي الإثنية ...
إن خفوت الفعل الثقافي في اللحظة الراهنة والتعامل
معه بردة الفعل الإقصائي وتراجع دوره في نكبة هذا '' الربيع العربي'' المزدهي بباقات
ورود البلاستيك المستوردة ، وليس الورود الطبيعية المتفتحة في تربة مغربية أصيلة ،
لهوتحصيل حاصل لتراكم التجاذبات الإيديولوجية بين سلطتين : رمزية تراهن على قيم المعرفة
والتحديث ، وسلطة مادية تراهن على الوسائل الناجعة من أجل السيطرة على المحيط الإجتماعي
وتدبيرعوامل إستمراره وفق تصورها الخاص .
يقوم الهدف الإعلامي للصفحات الثقافية في الجرائد
الوطنية أساسا على مواكبة الأنشطة الثقافية والفنية التي تعرفها ربوع الوطن من طنجة
إلى الداخلة ... وتتوزع فقرات هذه الصفحات بين مواد رئيسية : حوارات ـ تغطية للندوات
ـ متابعات وقراءات مقتضبة لآخرالإصدارات إن على المستوى الوطني أوالعربي أوالدولي ومواد
فرعية تتعلق بأخباروفلاشات ثقافية سريعة ...
إن المواد والنصوص الواردة على بريد الصفحة الثقافية
تستوجب من الصحافي المسؤول قراءات عالمة بأجناسها المختلفة وتستدعي أيضا حذرا شديدا
لتجنب آفة اللصوصية والترامي على الملكية الفكرية ، مما قد يضربمصداقية الصفحة الثقافية
وبالتالي فإن هذه الأخيرة هي بكل تأكيد ركن ضروري في إستمرارية الجريدة اليومية ، إذ
أن أي جريدة لايمكنها فقط أن تحيى وتعتاش يوميا فقط على التحاليل السياسية العميقة
أوعلى عناوين المستملحات والقفشات أوإحصاء الخسائرالناجمة عن التنابربين عفاريت وتماسيح
الأحزاب ''الوطنية'' أوتجفيف دماء ضحايا الحوادث في أقسام المستعجلات في المستشفيات
المغربية ، وإنما أيضا على كل جريدة وصحيفة أن تواكب هذا التراكم الثقافي اليومي الذي
ينحثه ويحبره الكتاب والأدباء والمفكرون بعرق جبينهم في مختلف أصناف الفكروالأدب والفنون
من أجل منظومة ثقافية مغربية تختزل في صورة جلية مغرب الهنا والآن على المستوى الأفقي
المادي والإنتاجي أوعلى المستوى العمودي الفكري والثقافي .
ومما لاشك فيه أن الإحتفاء بالمنجزالإعلامي الوطني
كل سنة هوإحتفاء بكل أجناس الصحافة ورقية كانت أوسمعية بصرية أوإلكترونية .. وداخل
ردهات هذه الوسائط والميديا كلها يبرز دورالخبرالثقافي كمكون أساسي في تأثيث مربع المنبرالإعلامي
بما يسهم كثيرا في جعل القارئ المفترض أوالعادي يهتم بالأخبارالثقافية والفنية الشيء
الذي سيسهم من دون شك في تطويرحسه الإنتمائي لوطنه والإرتقاء بوعيه الجماعي إلى درجة
الإلتزام اللامشروط في الغيرة على ثوابت الوطن خصوصا وأن بلادنا تواجه اليوم تحديات
جمة على مستوى تحصين وحماية الوحدة الترابية والمضي قدما في ترسيخ المكتسبات الديموقراطية ...
قاص وروائي