الرياض من بدر الخريف للشرق الأوسط : بعد أكثر من نصف قرن على الركض في مضمار الصحافة الطويل،
توقف قلب تركي بن عبد الله السديري، رئيس التحرير
السابق لجريدة «الرياض» السعودية،
بعد معاناة مع المرض، ومعه فقدت الصحافة السعودية والخليجية والعربية أحد رموزها،
وأحد صناع العمل الصحافي. وعدّت المدة التي قضاها الراحل رئيس تحرير الأطول في
مطبوعة سعودية وخليجية وعربية، حيث ظل لمدة 36 عاما رئيساً لتحرير صحيفة «الرياض»،
الصادرة عن مؤسسة اليمامة الصحافية.
وأجرى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، أمس، اتصالاً هاتفياً
بأسرة الراحل تركي بن عبد الله السديري، المشرف العام على جريدة «الرياض»، قدم
خلاله تعازيه ومواساته في وفاة فقيد الصحافة السعودية تركي السديري، وتطرق الملك
سلمان خلال الاتصال إلى علاقته الوطيدة بالراحل السديري (73 سنة)، بصفته صديقا
وإعلاميا قدم للصحافة السعودية الكثير.
وتقلد الراحل فيها مناصب عدة، ولم يكن وصوله إلى سدة رئاسة تحرير جريدة «الرياض» سهلا، فقد تدرج السديري من محرر رياضي إلى محرر سكرتير المحليات، ومن ثم سكرتيراً للتحرير، وأخيرا رئيسا للتحرير. وقد تحدث الراحل عن ذلك في أحد الحوارات الصحافية التي أجريت معه، ملمحاً إلى أن اختياره تم بوصفه مرشحا ثالثا لتولي رئاسة التحرير في الصحيفة، لكن الاختيار قد وقع عليه ليتولى ذلك المنصب الكبير والمهم. ولا يخفي السديري أنه قد فوجئ بذلك القرار؛ لوجود من هم كانوا أقدم منه. لا يختلف اثنان على أن تركي بن عبد الله السديري يعد رمزا من رموز الصحافة السعودية والخليجية وحتى العربية، ولعل الموقف الشهير الذي أطلق فيه الملك عبد الله بن عبد العزيز، في أحد لقاءاته مع الإعلاميين السعوديين على تركي السديري لقب ملك الصحافيين دليل قاطع على ذلك التفرد الذي يتمتع به.
في حياة تركي الذي غيّبه الموت صباح أمس، محطات كثيرة؛ ففي محافظة الغاط (260 كيلومتراً شمال غربي الرياض)، ولد الراحل هناك، وعاش طفولته المبكرة بين جبالها وسهولها ورمالها، لينتقل مع أخيه محمد إلى الرياض، ويتلقى تعليمه فيها، وعندما شب عن الطوق في فترة مبكرة من حياته حرص الراحل على تكريس وقته وجهده لقراءة مؤلفات توفيق الحكيم والمنفلوطي ويوسف السباعي ومحمود تيمور، وعدد كبير من الروائيين العرب ليذهب إلى الأدب الروسي الذي أبحر فيه؛ فقد قرأ لدستوفيسكي وبوشكين وتيشيخوف، وكما اهتم بالروايات الفرنسية وبالأدب الأميركي. وكان لذلك الكم الهائل من الروايات العالمية دور مهم وفاعل في صناعة السديري الصحافي المثقف والكاتب اللامع، الذي انعكست ثقافته الأدبية على كتاباته الرياضية في «الجزيرة» و«اليمامة» و«الرياض»، التي تميزت بأسلوب فريد من نوعها، وتفوقت على مقالات الكثيرين من الكتاب الرياضيين في ذلك الوقت، ومعها بزغ نجمه ونثر إبداعاته الصحافية في من خلال مقالاته
وتجلت نجاحات الراحل من خلال قيادته المتميزة لجريدة «الرياض» لأكثر من أربعة عقود، وتوليه رئاسة هيئة الصحافيين السعوديين، واتحاد الصحافة الخليجية.
وإلى جانب مقالاته الرياضية الإبداعية والمتميزة التي اكتست بالثوب الأدبي الجميل، تتجلى المهنية الخلاقة لتركي من خلال حواراته الصحافية الخالدة التي التقى فيها شخصيات سياسية ومسؤولة رفيعة، وزاويته شبه اليومية «لقاء»، التي استحقت بأن يطلق عليها الزاوية الأطول عمرا في الصحافة السعودية، حيث استمرت 37 عاما.
وفي عام 1392هـ كانت ولادة زاوية «لقاء» التي رأت النور على صفحات جريدة «الرياض» في العدد 2300، ومنذ ذلك الحين أصبحت بمثابة النافذة التي يطل من خلالها العالم على التحولات والانكسارات والنجاحات والتطورات التي حدثت في المجتمعين السعودي والعربي حتى اليوم، وقد وصفها الباحث عبد الله السمطي بالوثيقة التاريخية التي تتضمن صوراً شتى من الأحداث والوقائع والتحليلات المتعددة، وبخاصة على المستوى السياسي، وكما وصف السديري بالشاهد على العصر. وفي عام 1991، شرعت صحف «الظهيرة» من لندن، و«الأيام» من البحرين، و«الراية» من قطر، بنشر زاوية «لقاء» يوم صدورها في جريدة «الرياض».
سجل للراحل تبنيه إجراء في «مؤسسة اليمامة الصحافية» بدمج القدرات الصحافية بالقدرات المالية والإدارية في عضوية الجمعية العمومية بدعم من عدد من رجال الأعمال والثقافة ساندوا الفكرة، وهذا ما قاد إلى جعل ما لا يقل عن 50 في المائة من العاملين في التحرير كمالكي الأسهم العضوية في الجمعية العمومية، إما تبرعاً أو شراء مقسطاً للأسهم؛ وهو ما جعل قرارات الجمعية العمومية في اجتماعاتها السنوية تتوفر بها كفاءة المشاركة الاقتصادية مع رؤية الخبرة الصحافية، وهو إجراء غير مسبوق المؤسسات الصحافية السعودية أو العربية.
وبشهادة الكثيرين، فإن السديري أثرى الساحة الإعلامية السعودية، وبذل فيها عطاءه الجزل، وأسهم في تطور الصحافة السعودية التي تقود ركب الصحافة العربية، كما كان له بصمة واضحة في نمو وتقدم وتطور الشباب السعودي في المجال الإعلامي، وحتى أصبحت الصحافة السعودية يشار إليها بالبنان في الكثير من الدول العربية والإسلامية والعالمية.
واعتبر الزميل الإعلامي والكاتب السعودي، عثمان العمير، الذي رافق الراحل في بداية رحلتهما مع الكلمة «بأن رحيل تركي السديري، يعد خسارة حقيقية للإعلام في المنطقة»، واصفاً إياه برجل العطاء في المحطات المتنوعة التي عمل ومر بها، مشدداً بأن الراحل قدم لبلاده السعودية عطاءات في مجالات مختلفة، لافتاً إلى أن التاريخ سيسجل للراحل إنشاءه جريدة قوية ونجاحه في جمع كوكبة من الكتاب المتميزين وجمعهم تحت مظلتها، وظل يعطي خدمة لمعشوقته الصحافة حتى وهن قلبه.
وقال العمير لـ«الشرق الأوسط»: «من الصعب الحديث عن صديق عزيز، ترافقنا معا في مقتبل حياتنا الصحافية، حيث بدأ السديري الصحافة كاتب قصة، ثم انتقل للمجال الرياضي، وتشرفت بمساعدته في الصفحة الرياضية بجريدة (الرياض) لفترة، إلى أن انتقلت إلى جريدة (الجزيرة)»، مضيفاً: «رغم الفارق العمري النسبي بيننا، إلا أنني اعتبر الراحل السديري أستاذي، وكان يصحح كتاباتي عندما كنت أعمل معه في عشقنا الصحافي في المجال الرياضي، وعندما تطورت مهامه ومهامي، بقيت علاقتنا قوية ومترابطة كترابط المحيطات، تقوم على المحبة والاحترام، وتجاوز بعض الاختلافات».
وأضاف العمير: «تميز الراحل، بصفات عدة؛ فقد عرفته بمواقف كثيرة مدافعاً عن محرريه، بل ومدافعاً عن حرية التعبير بشكل عام، لقد أنشأ الراحل جريدة قوية، وكان يملك أسلوباً ناجحا في الإدارة والتحرير، لقد كان له ميزة في قدرته على البقاء والتوسع، وفي شهامته مع العاملين معه، ونجاحه في جمع كوكبة من الكتّاب المتميزين والاستثنائيين، وجمعهم تحت مظلة جريدته (الرياض)، والدفاع عنها».
وتقلد الراحل فيها مناصب عدة، ولم يكن وصوله إلى سدة رئاسة تحرير جريدة «الرياض» سهلا، فقد تدرج السديري من محرر رياضي إلى محرر سكرتير المحليات، ومن ثم سكرتيراً للتحرير، وأخيرا رئيسا للتحرير. وقد تحدث الراحل عن ذلك في أحد الحوارات الصحافية التي أجريت معه، ملمحاً إلى أن اختياره تم بوصفه مرشحا ثالثا لتولي رئاسة التحرير في الصحيفة، لكن الاختيار قد وقع عليه ليتولى ذلك المنصب الكبير والمهم. ولا يخفي السديري أنه قد فوجئ بذلك القرار؛ لوجود من هم كانوا أقدم منه. لا يختلف اثنان على أن تركي بن عبد الله السديري يعد رمزا من رموز الصحافة السعودية والخليجية وحتى العربية، ولعل الموقف الشهير الذي أطلق فيه الملك عبد الله بن عبد العزيز، في أحد لقاءاته مع الإعلاميين السعوديين على تركي السديري لقب ملك الصحافيين دليل قاطع على ذلك التفرد الذي يتمتع به.
في حياة تركي الذي غيّبه الموت صباح أمس، محطات كثيرة؛ ففي محافظة الغاط (260 كيلومتراً شمال غربي الرياض)، ولد الراحل هناك، وعاش طفولته المبكرة بين جبالها وسهولها ورمالها، لينتقل مع أخيه محمد إلى الرياض، ويتلقى تعليمه فيها، وعندما شب عن الطوق في فترة مبكرة من حياته حرص الراحل على تكريس وقته وجهده لقراءة مؤلفات توفيق الحكيم والمنفلوطي ويوسف السباعي ومحمود تيمور، وعدد كبير من الروائيين العرب ليذهب إلى الأدب الروسي الذي أبحر فيه؛ فقد قرأ لدستوفيسكي وبوشكين وتيشيخوف، وكما اهتم بالروايات الفرنسية وبالأدب الأميركي. وكان لذلك الكم الهائل من الروايات العالمية دور مهم وفاعل في صناعة السديري الصحافي المثقف والكاتب اللامع، الذي انعكست ثقافته الأدبية على كتاباته الرياضية في «الجزيرة» و«اليمامة» و«الرياض»، التي تميزت بأسلوب فريد من نوعها، وتفوقت على مقالات الكثيرين من الكتاب الرياضيين في ذلك الوقت، ومعها بزغ نجمه ونثر إبداعاته الصحافية في من خلال مقالاته
وتجلت نجاحات الراحل من خلال قيادته المتميزة لجريدة «الرياض» لأكثر من أربعة عقود، وتوليه رئاسة هيئة الصحافيين السعوديين، واتحاد الصحافة الخليجية.
وإلى جانب مقالاته الرياضية الإبداعية والمتميزة التي اكتست بالثوب الأدبي الجميل، تتجلى المهنية الخلاقة لتركي من خلال حواراته الصحافية الخالدة التي التقى فيها شخصيات سياسية ومسؤولة رفيعة، وزاويته شبه اليومية «لقاء»، التي استحقت بأن يطلق عليها الزاوية الأطول عمرا في الصحافة السعودية، حيث استمرت 37 عاما.
وفي عام 1392هـ كانت ولادة زاوية «لقاء» التي رأت النور على صفحات جريدة «الرياض» في العدد 2300، ومنذ ذلك الحين أصبحت بمثابة النافذة التي يطل من خلالها العالم على التحولات والانكسارات والنجاحات والتطورات التي حدثت في المجتمعين السعودي والعربي حتى اليوم، وقد وصفها الباحث عبد الله السمطي بالوثيقة التاريخية التي تتضمن صوراً شتى من الأحداث والوقائع والتحليلات المتعددة، وبخاصة على المستوى السياسي، وكما وصف السديري بالشاهد على العصر. وفي عام 1991، شرعت صحف «الظهيرة» من لندن، و«الأيام» من البحرين، و«الراية» من قطر، بنشر زاوية «لقاء» يوم صدورها في جريدة «الرياض».
سجل للراحل تبنيه إجراء في «مؤسسة اليمامة الصحافية» بدمج القدرات الصحافية بالقدرات المالية والإدارية في عضوية الجمعية العمومية بدعم من عدد من رجال الأعمال والثقافة ساندوا الفكرة، وهذا ما قاد إلى جعل ما لا يقل عن 50 في المائة من العاملين في التحرير كمالكي الأسهم العضوية في الجمعية العمومية، إما تبرعاً أو شراء مقسطاً للأسهم؛ وهو ما جعل قرارات الجمعية العمومية في اجتماعاتها السنوية تتوفر بها كفاءة المشاركة الاقتصادية مع رؤية الخبرة الصحافية، وهو إجراء غير مسبوق المؤسسات الصحافية السعودية أو العربية.
وبشهادة الكثيرين، فإن السديري أثرى الساحة الإعلامية السعودية، وبذل فيها عطاءه الجزل، وأسهم في تطور الصحافة السعودية التي تقود ركب الصحافة العربية، كما كان له بصمة واضحة في نمو وتقدم وتطور الشباب السعودي في المجال الإعلامي، وحتى أصبحت الصحافة السعودية يشار إليها بالبنان في الكثير من الدول العربية والإسلامية والعالمية.
واعتبر الزميل الإعلامي والكاتب السعودي، عثمان العمير، الذي رافق الراحل في بداية رحلتهما مع الكلمة «بأن رحيل تركي السديري، يعد خسارة حقيقية للإعلام في المنطقة»، واصفاً إياه برجل العطاء في المحطات المتنوعة التي عمل ومر بها، مشدداً بأن الراحل قدم لبلاده السعودية عطاءات في مجالات مختلفة، لافتاً إلى أن التاريخ سيسجل للراحل إنشاءه جريدة قوية ونجاحه في جمع كوكبة من الكتاب المتميزين وجمعهم تحت مظلتها، وظل يعطي خدمة لمعشوقته الصحافة حتى وهن قلبه.
وقال العمير لـ«الشرق الأوسط»: «من الصعب الحديث عن صديق عزيز، ترافقنا معا في مقتبل حياتنا الصحافية، حيث بدأ السديري الصحافة كاتب قصة، ثم انتقل للمجال الرياضي، وتشرفت بمساعدته في الصفحة الرياضية بجريدة (الرياض) لفترة، إلى أن انتقلت إلى جريدة (الجزيرة)»، مضيفاً: «رغم الفارق العمري النسبي بيننا، إلا أنني اعتبر الراحل السديري أستاذي، وكان يصحح كتاباتي عندما كنت أعمل معه في عشقنا الصحافي في المجال الرياضي، وعندما تطورت مهامه ومهامي، بقيت علاقتنا قوية ومترابطة كترابط المحيطات، تقوم على المحبة والاحترام، وتجاوز بعض الاختلافات».
وأضاف العمير: «تميز الراحل، بصفات عدة؛ فقد عرفته بمواقف كثيرة مدافعاً عن محرريه، بل ومدافعاً عن حرية التعبير بشكل عام، لقد أنشأ الراحل جريدة قوية، وكان يملك أسلوباً ناجحا في الإدارة والتحرير، لقد كان له ميزة في قدرته على البقاء والتوسع، وفي شهامته مع العاملين معه، ونجاحه في جمع كوكبة من الكتّاب المتميزين والاستثنائيين، وجمعهم تحت مظلة جريدته (الرياض)، والدفاع عنها».