أجد صعوبة بالغة في تصديق لائحة الشروط الثلاثة عشر التي قيل أن دول "الرباعي العربي" تقدمت بها إلى الدوحة لرفع الحصار عنها، وإعادة إدماجها في المنظومة الخليجية، على أنني رغم ذلك، وبخلاف كثيرين، لا أستبعد أن تكون القائمة صحيحة، في ظل مناخات الصراع واحتدام التنافس المخيمة فوق سماء المنطقة والخليج على نحو خاص.
ويُخيّل إلي، أن من تقدم بهذه الشروط المستحيلة، القاسية والمجحفة، إنما يظن أنه قد بات قاب قوسين أو أدنى من سحق الإمارة الثرية تحت وطأة الحصار، وربما "ما بعده"، وأن الراية القطرية البيضاء قد بدأت تلوح في الأفق ... أو أنه وضعها – عن سبق الترصد والإصرار - بهدف رفضها من قبل القيادة القطرية، توطئة لإدامة العزل والحصار المضروبين على الإمارة، وربما تمهيداً لاتخاذ المزيد من الخطوات اللاحقة.
لن تبقى قطر دولة ولا مستقلة، إن هي قبلت بهذه اللائحة، في أحسن الأحوال ستكون "ولاية/ مجلس بلدي" ملحقة بجارتها، وستتحول حكومتها إلى ما يشبه المجلس البلدي، المجرد من أي صلاحية، بما فيه صلاحية منح الجنسية أو الإقامة لأي وافد، أو استيراد وتصدير ما تنتج أو تحتاج من سلع وخدمات ... وستصبح حكومة قطر، أشبه بسلطة الحكم المحدود، وهو التوصيف الذي حازته السلطة الفلسطينية تحت الاحتلال.... وسيُمنع عليها أن تخرج لا عن السياسات الخليجية العامة، بل وعن السياق السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمنطقة، أي منطق هذا؟
وستتحول الإمارة التي طالما جهدت للقيام بأدوار تتخطى حجمها إلى نمر من ورق، بلا أنياب وأظافر، يصلح لعرضه أمام الطلبة في المدارس الابتدائية ورياض الأطفال ... فعناصر القوة القطرية قامت على ثلاث: الأولى، القوة المالية العائلية، وهذه ستخضع للرقابة اللصيقة لعشر سنوات قادمة، تصدر خلالها تقارير دورية صارمة تؤكد سلامة الإنفاق القطري وتكشف وجهته بل وتقررها... والثانية، القوة الإعلامية الناعمة، وهذه مطلوب تصفيتها وليس إعادة توجيهها، وليس المقصود هنا قناة الجزيرة فحسب، سلاح قطر الثقيل، بل وحتى مواقع الكترونية وصحف متواضعة التأثير مثل "العربي الجديد" و"عربي 21" وغيرهما ... والثالثة، الحماية الأجنبية، وهذه أيضاً يشتد السعي لتجريدها منها، فهناك جهود كثيفة تبذل لنقل قاعدة العيديد العملاقة إلى الإمارات، أما القاعدة التركية، فيراد تفكيكها وحظر قيام أي نشاط عسكري قطري – تركي مشترك على الأرض أو المياه أو الأجواء القطرية.
أكثر ما يثير الغرابة في القائمة المذكورة، أن أصحابها ينهون قطر عن فعل ويأتون بمثله ... بل وثمة أفعال، تأتي دول العالم بكثرتها الكاثرة بمثلها، فلماذا يطلب من قطر على وجه التحديد أن تقدم عليها، تحت طائلة الحصار وما بعده ... من ذلك الموقف من إيران إذ طلب إلى الدوحة تخفيض التمثيل الدبلوماسي المتبادل وإغلاق الملحقيات، فيما سفراء وسفارات إيران، يعملون وتعمل بكامل طاقتها في جميع عواصم العالم باستثناء حفنة من الدول فقط، وهي ناشطة حتى في بعض دول مجلس التعاون (عمان، الكويت)... وبعض دول الرباعي يحتفظ بجالية إيرانية تزيد عن نصف مليون مواطن، والتبادلات التجارية بلغت أرقاماً فلكية (الإمارات)، فلماذا الدوحة وليست دولاً أخرى، علماً بان لقطر مصالح وحقول غاز عملاقة مشتركة مع إيران، تجعل أمراً كهذا، بمثابة "نكبة اقتصادية ومالية" للبلاد واقتصادها.
بعض دول الرباعي العربي، مقدمة اللائحة، تحتفظ بعلاقة مع الإخوان المسلمين وحماس، في البحرين الإخوان جزء من النظام السياسي، كما هو الحال في الأردن، وفي القاهرة أبرم العقيد محمد الدحلان، المحسوب على دول الرباعي العربي، اتفاقاً غير مسبوق مع حماس، وفي اليمن، ينضوي الإخوان تحت راية التحالف العربي الذي يضم دول الرباعي العربي... لماذا يطلب من الدوحة ترحيل الإخوان وشيطنتهم وإعلانهم منظمة إرهابية، فيما لا تقدم الدول صاحبة اللائحة على الإتيان بالأمر ذاته؟
ثم، ليس في العالم على اتساعه، عواصم كثيرة تدرج الإخوان على لائحة الإرهاب، لا واشنطن ولا العواصم الأوروبية فعلت ذلك، والإخوان وأقرباؤهم وأنسباؤهم، يتولون الحكم في تركيا ويشاركون فيه في تونس والمغرب، فكيف يمكن الطلب من بلد صغير كقطر، أن تكون رأس حربة في الهجوم على جماعة لم يقتع كثيرون بأنها فصيلاً إرهابياً على الرغم مما تثيره بعض مواقفها من مخاوف وشبهات وانتقادات؟
لن تجد قائمة الثلاثة عشر شرطاً قبولاً لدى عواصم العالم، ولن تجد تعاطفاً من قبل دول أكثر من تلك التي أقدمت بالفعل على اتخاذ خطوات ضد قطر، ومنذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة ... ومثلما سيُعد قبول هذه الشروط بمثابة انتحار سياسي لقطر، فإن التراجع عنها سيبدو نكسة لدول الرباعي العربي، ما يعني واحداً من اثنتين: إما أن يقال أن هذه القائمة ليست دقيقة تماماً ويُكشف بعد حين عن قائمة جديدة، بمطالب من النوع "الواقعي" والقابل للتنفيذ" على حد تعبير ريكس تيلرسون، أو أن تفضي فجوة المواقف بين أطراف الأزمة الخليجية، إلى استطالة هذه الأزمة وإطالة أمدها، وتعقيد جهود الوساطة، وتكريس حالة الانقسام والتشظي في المنطقة، وبما لا يفيد سوى أطراف ثلاثة متناقضة: إيران وحلفائها، الولايات المتحدة وإسرائيل، جماعات التطرف والإرهاب.