شعور غريب ذاك الذي يتسلل اليك وانت تتابع حلقات "الله يسامح". شعور يزداد حدة عندما تحاول التفكير في القضية التي تطرحها السلسلة سواء بشكل قصدي أو غير
قصدي، انه شعور بانسداد الأفق و غياب الأمل، شعور سجين أوجدته ظروف خارجية قصرا داخل زنزانة تخضع لمراقبة شمولية و تحكم كلي توتاليتاري في الهواء و الغداء، الكساء وحتى الخواء، العلاقات
و المشكلات ... كل شيء متحكم فيه كل شيء مرصود مسبقا لكائن ما، الكائن هنا يجسده و بكل براعة عزيز الحطاب في دور "حسن" الذي يجد نفسه بفعل خطأ طبي ناتج عن قلة التجربة في صلب حياة او حيوات أخرى تجنح به عن النمط و الخط الذي رسمه لحياته رفقة عائلته. فإلى أي حد يستطيع هذا الكائن المتناهي و المحدود أن يهندس و يبرمج حياته الآنية و المستقبلية؟
أعتقد أن طرح هذا السؤال و الغوص فيه هو السبب وراء مشاعر مثل تلك التي انطلقنا منها استهلالا.
السلسلة و على الرغم من تمطيط الحكي الواضح و المبالغ فيه أحيان كثيرة نجحت -في اعتقادي الشخصي - في تأزيم وضعيات الشخوص من خلال خلق تواصل وتفاعل نفسي متباين مع المشاهد المتلقي الذي ينتقل و يتدرج من التعاطف و الشفقة الى الكراهية و النفور ... بكل سلاسة في علاقته مع الشخوص التي تتجاذبهاحيوات متعددة بدورها، فشخوص "الله يسامح" شخوص مستلبة مغتربة عن أناها لا تعيش لأجل ذاتها بقدر ما تعيش و تنتج و تحلم و ترغب ... لأجل الغير،البطل «حسن الصفريوي" يعيش حياة أمه التي تخلت عن شكل الأم و أصبحت ترتدي جلباب رجل قاس خشن، حماة و صديق البطل يعيشان قمة هذا الاستلاب و الاغتراب الهوياتي في كل يوم لهما رغبات في شأن"طبيب الشعب" تخلى عن حياته المهنية والعاطفية وأصبح يعيش لأجل "حسن" باحثا عنه في أرجاء مدينة لا تحمل من مظاهر المدَنِيَّة الا الاسم ...باقي الشخوص الاخرى لا تخرج عن نفس الفكرة، إننا أمام مجتمع تنسلخ و تغير فيه الامكنة و الازمنة و الشخصيات جلودها باستمرار لتصبح أزمنة و أمكنة و شخصيات عارية إلا من لباسها و لعل هذا هو الرهان الثاني الذي نجح فيه المخرج من خلال الاشارة الى التحولات الجذرية التي يشهدها المجتمع المغربي
مجتمع تتداخل فيه العلاقات و تتشابك في صيغة مركبة معقدة تدفعك الى التساؤل عن مسئولية الاشخاص و مدى ارتباطهم بما يصدر عنهم من أفعال و سلوكات و حتى الرغبات فكيف يكون الانسان فعلا مسئولا في ظل ارتباطه الماهوي بمجتمعه المحلي و الكوني؟ كيف يعقل وهل من العدل ان يعاقب و يحاسب في الدنيا و الاخرة عن أفعال و رغبات هي في حقيقة الامر نتيجة و تراكم و تفاعل مع النظام الاقتصادي العالمي الذي يخلق رغباتنا و يكيفها مع الاته الانتاجية ؟ اعتقد اننا في حاجة إلى مناظرة افتراضية بين المعتزلة و سارتر يرأس جلستها اسبينوز....