خمسون عاما مضّت على احتلال القدس واغتصاب ما تبقى من فلسطين العروبة، خمسون عاماً مضّت ولا زال المسجد الأقصى يئن تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي،
خمسون عاماً مضّت ولا زال الجرح يقطر دماً، خمسون عاماً مضّت على "النكسة" ولا زالت معالمها ماثلة في عيون أبنائها وشاهدة على ظلم الاحتلال وتآمر الأقربين والأبعدين.
خمسون عاماً مضّت ولا زال الجرح يقطر دماً، خمسون عاماً مضّت على "النكسة" ولا زالت معالمها ماثلة في عيون أبنائها وشاهدة على ظلم الاحتلال وتآمر الأقربين والأبعدين.
تأتي ذكرى النكسة وما تحمله من ذكريات أليمة باحتلال مدينة القدس وضياع كامل لأرض فلسطين، والأمة العربية والاسلامية تعيش حالة من الضعف والهوان غير المسبوق بسبب الاقتتال الدائر على أراضيها، فيما الشعب الفلسطيني لا زال ينكأ ويلات الانقسام المقيت ويترقب اعتداء إسرائيلي جديد.
وفي ظل هذا الواقع فإن دولة الاحتلال تسابق الزمن بتنفيذ إجراءات عملية مدروسة فوق الأرض وتحت الأرض، لفرض وقائع ميدانية تقضي على آخر ما تبقى من عروبة القدس، وتقطع الطريق على السلطة الفلسطينية بإقامة عاصمة الدولة في القدس.
اليوم تشهد مدينة القدس، أكبر عملية تهويد في تاريخها، تستهدف اجتثاث الوجود الفلسطيني وتقضي على التاريخ والحضارة العربية والإسلامية فيها، وتمس بالمسجد الأقصى مسرى ومعراج النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه تمهيداً لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.
ويُعتبر عقد حكومة الاحتلال برئاسة "نتنياهو" جلسة خاصة في نفق أسفل حائط البراق بالمسجد الأقصى المبارك، أعقبها القيام بجولة علنية مع المسؤولين والحاخامات اليهود في المكان، بمثابة تطور خطير وسابقة هي الأولى من نوعها، وهي خطوة سياسية مدروسة بضوء أمريكي ومباركة عربية.
كما تأتي مصادقة الحكومة الإسرائيلية على توسيع استخدام المنهاج الدراسي الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية في القدس المحتلة، خطوة عملية أخرى تضاف لسلسلة خطوات تستهدف تهويد المناهج التعليمية في القدس، مما يبرهن على أن دولة الاحتلال ماضية في سياساتها العنصرية لتعزيز السيادة الكاملة على القدس.
جلسة الحكومة الإسرائيلية لم تكن خطوة عبثية كما يعتقد البعض، بل خطوة مدروسة تماماً ولها دلالات خطيرة، خصوصاً أنها تأتي تزامناً مع الذكرى الخمسين لاحتلال القدس، وبعد أيام قليلة من جولة الرئيس الأمريكي "ترامب" للمنطقة، وزيارته لحائط البراق لأداء الطقوس اليهودية.
جلسة الحكومة الإسرائيلية رافقها قرار حكومة الاحتلال بالمصادقة على مشروع بـتكلفة مالية تقدر بـ(50 مليون) شيكل لتطوير حوض البلدة القديمة في القدس، يشمل على بناء مصاعد وممرات تحت الأرض للوصول إلى الحي اليهودي بالبلدة وصولاً إلى حائط البراق إلاّ خطوة عملية في المخطط الاستيطاني اليهودي بهدف تهويد مدينة القدس والبلدة القديمة.
إن القرارات والخطوات الإسرائيلية العملية، والمصحوبة بتصاعد وتيرة الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، تأتي كرد عملي على نتائج القمة (العربية – الأمريكية) في الرياض، وكأن عجلة التاريخ ترجع للخلف وتعيد للأذهان خمسين عاماً من التخاذل العربي المهين المملوء بكل عبارات الشجب والاستنكار، لينطبق عليها المثل العربي "أشبعناه شتماً وأوجعنا ضرباً".
في الوقت الذي يهرول بعض الأعراب للتطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، سواء كان ذلك عبر عقد لقاءات سرية وعلنية أو بزيارات مشبوهة للقدس بحجج واهية، يأتي الرد الاسرائيلي واضح من خلال تنفيذ مزيد من الاجراءات العنصرية التي تبدد إلى الأبد كل أمل في "السلام" المزعوم مع الاحتلال.
وفي خِضًم تخاذل العرب والمسلمين عن نصرة القدس والمسجد الأقصى، لا زال الأمل بالنصر والتحرير معقوداً على الشعب الفلسطيني بمقاومته الحية والثلة المؤمنة الطاهرة من المرابطين في بيت المقدس وأكنافه الذين يخوضون حربا طويلة وطاحنة ومستمرة مع الاحتلال ويتصدون ببسالة لمخططاته العنصرية.
وبالرغم من قتامة المشهد من حولنا، إلا أن شعبنا لن يرفع الراية البيضاء، وسيعتبر كل المؤامرات من حوله حافزاً لتحقيق الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، ودافعا أساسيا لإيجاد موقف عربي إسلامي موحد لردع الاحتلال عن إجراءاته التهويدية في القدس ومقدساتها الاسلامية.