ها قد تكشفت نية الدولة العميقة التي تحكم عندنا
فعلا! هنيئا لنا فقد تحركت الحكومة (عفوا المحكومة) وفقاً لذلك ووجدت حلا سحريا للمطالب
الاجتماعية والاقتصادية
والاحتجاجات السلمية. تفتتت عبقرية "المخزن" عن فكرة
ستحل مشكل البطالة المستوطن لدى شبابنا منذ القرن الماضي من جهة وتعمل على تهدئة الأوضاع
بشكل جذري من جهة أخرى. عصفوران بحجر واحد، بل عدة عصافير بطلقة واحدة، أطلقها ذلك
الرامي "المخزني" الذي عودنا على أن "يُنَيش على الشجرة ويخطئ الجنان"!
تعزيزات أمنية (عفوا لا أمنية) لا تعد ولا تحصى
وصلت منذ شهر ومازالت إلى الحسيمة وصار السكان محاصرين اليوم أمام أبواب منازلهم في
أحياء مثل سيدي عابد، واختلط الحابل بالنابل في الشوارع وفي الأحياء السكنية بين مختلف
عناصر الأجهزة العلنية والسرية من جانب، وشباب "الحراك" الذي خرج عن طوعه
منذ شن حملة الاعتقالات والمتابعات الجائرة على مؤطري ذلك "الحراك" عقب خطبة
الفتنة الشهيرة من جانب آخر.
لا داعي للنبش أكثر، لأن النبش سيسفر حتما عن
"حنوشة" أكثر وأكبر، لكنها مشاهد تذكر جيل الخمسينات والستينات بأحداث
58- 59 وجيل السبعينات والثمانينات بسنة 84 المفصلية، ومن جاء بعده بالضفة والقطاع.
باختصار، الأمر يذكرنا بصفحات ليست مشرقة من تاريخ الدولة المغربية وينذر بالسوء.
بدل تحكم العقل وتحكيم المنطق السياسي البعيد الرؤية،
ها هي نعامتنا الوطنية تدفن رأسها في الرمل، وتترك مؤخرتها عارية للرياح وللفرجة. عوض
البحث عن حل لمعضلة التطبيب في منطقة معروفة رقمياً (من لعبةِ الأرقام !) بأعلى معدلات
مرض السرطان وأمراض مزمنة أخرى ناتجة ربما، عن استعمال الغازات السامة ومواد محظورة
ضد المدنيين العزل منذ معركة أنوال ضد الاحتلال المباشر.
لقد اكتفى طبيب الحكومة الذي تحول إلى "بناج"
بإبقاء الوضع على ما هو عليه، أي 1,5 طبيب لكل ألف نسمة على المستوى الوطني، مع تفاوتات
مجالية صارخة (من الألم) بين المركز والهوامش. وبشرنا الأستاذ الأول في الحكومة الذي
كان فيما مضى صاحب الداخلية بأقسام لا يتجاوز عدد تلاميذها 40 نفراً… يا سلام لن يختنق
أولادنا داخل القسم بعد الآن!
بشرى للحسيمة وبشرى لنا جميعا، حل حكماؤنا مشاكل
الصحة والتعليم والشغل ب"دقة" واحدة، تحت شعار "شرطي لكل مواطن"!
من "سخن عليه رأسه" لا داعي لأن يبحث عن مستوصف أو مستشفى (أقصد مستشفى حقيقيا
بأطباء وممرضين وتجهيزات وأدوية وليس مستشفى معدا بغرض التدشين)، فقاذفات المياه والقنابل
المسيلة للدموع ستعالجه فوراً. ومن أراد مدرسة وليس "زريبة" يكدس فيها أبناؤه
كالقطيع ستعلمه وتعلمهم "العصا" ما خفي. أما من أراد شغلا، فما عليه إلا
الالتحاق بصفوف اللا أمن، إذ أن توجهات سوق الشغل واضحة الآن ما دامت اختيارات الدولة
العميقة تدل على توفير الملايين من مناصب الشغل في هذا المجال لتحقيق رؤية "شرطي
لكل مواطن" في أقرب الآجال.
أعذروني إن وجدتم دعابتي ثقيلة، وادعوا الله أن
يخفف ما نزل! وأختم بحكاية حقيقية تؤكد ما سبق. تعرض أقربائي لنزع ملكية أرض بطنجة
بدعوى بناء مؤسسة تعليمية على ترابها، وبعد ما يناهز العقدين لا المؤسسة شيدت ولا الأرض
عادت إلى أصحابها. وعندما استفسروا عن ذلك قيل لهم إن الدولة تنوي الآن تشييد كوميسارية
على تلك الأرض. هكذا!