بات
تدخل الملك في "حراك الريف" أمرا ملحا ومطلوبا ومستعجلا ،بعد أن عمر الحراك
لأزيد من سبعة أشهر،عجزت خلالها هيئات الوساطة السياسية والاجتماعية في
تلقف مطالبه
العادلة ،والتفاعل مع شعاراته المشروعة ،بما يلزم من الحوار والإنصات والتبني ، والسعي
لنقل المشروع منها إلى رحم المؤسسات الدستورية والسياسية ،التي تشكل الإطار المناسب
لتصريف التوترات الاجتماعية والمطالب المجتمعية ،في سياق متطلبات دولة القانون والمؤسسات.
واستمرار
هذا العجز، بما فيه - طبعا - عجز الحكومة، هو ما يسوغ التدخل الملكي، ويضفي عليه الشرعية
والمشروعية السياسية والدستورية، خاصة بعد اتساع نطاق الاحتجاجات ،واكتسابها أبعادا
وطنية وحتى دولية، الأمر الذي أضحى يهدد الأمن والاستقرار،وهي " الحالة
" المعيارية التي توجب في حال تحققها التدخل الملكي بموجب الوثيقة الدستورية
.
ونعتقد
أن الحراك وصل إلى مرحلة مفصلية، أضحت تستدعي تدخلا من أعلى مستوى في السلطة من أجل
تهدئة النفوس من جهة، وقطع الطريق عن المتربصين بوحدة وأمن البلد من جهة أخرى ،وذلك
بسن حزمة من تدابير إعادة الثقة ، تدمج مطالب الحراك ،وخاصة في شقها التنموي ،وترسم
خارطة طريق للمستقبل مبنية على الثقة ،والالتزام وربط المسؤولية بالمحاسبة ،مع إشراك
المواطنين والمنتخبين في التدبير المحلي والجهوي، ومصالحة المنطقة مع تاريخها ورموزها
ووطنها الأم في أفق الانتقال الديمقراطي المرتجى.
ووحده
جلالة الملك بما يتبوأه من مكانة مرموقة في النظام الدستوري والسياسي المغربي ،يملك
هذه الإمكانية ،خاصة في أوقات الأزمات ،حيث يغدو تدخله ليس فقط ضروريا وملحا ،وإنما
بلسما وشفاء ،وحقنا للخلاف ودفنا للفتن ،وهوما تشرئب إليه قلوب المغاربة هذه الأيام
،وذلك نظرا لتداعيات تدخله وكذا فاعليتها على جميع الأصعدة. ولعل الإرهاصات الأولى
للتدخل الملكي ،قد بدأت فعلا مع انعقاد المجلس الوزاري الأخير،برئاسة الملك محمد السادس
،حيث أبدى غضبه واستيائه تجاه تعثر تنفيذ المشروع التنموي الطموح "الحسيمة :منارة
المتوسط " ،الذي يندرج في إطار "الاسراتيجية الملكية" للنهوض بمنطقة
الريف وتأهيلها تنمويا على الأقل ، في أفق
إدماجها في الدينامية التنموية التي تعرفها العديد من أقاليم المملكة ،وأصدر الملك بهذا الخصوص تعليماته بضرورة استكمال مراحل الإنجاز ،وفتح تحقيق لكشف
أسباب وملابسات التعثر الذي طال إنجاز هذا المشروع ،وترتيب الآثار السياسية والقانونية
في ذلك ، وبموازة مع ذلك أمر الملك بخفض التواجد
الأمني بالريف ،كإشارة دالة إلى من يهمهم الامر بإظهار حسن النية والتفاعل الايجابي
مع المبادرات الجادة والاشارات الموحية، تمهيدا
- ربما - لإجراءات أشمل وأعمق،لإعادة الثقة وبناء الأمل في المستقبل.
وبانتظار
ذلك، يجب أن تتضافر جهود الجميع( حكومة، أحزاب، مجتمع مدني، حراك..) من أجل توفير المناخ المناسب ،وتهييئ الأرضية اللازمة للتدخل
الملكي ،بهدف إعطائه الزخم والقوة اللازمين لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة التي أناخت
بكلكلها على مجموع المشهد الوطني طيلة مدة سبعة أشهر ونيف ،كانت قمينة بكشف أعطاب واختلالات
عميقة تعتري نموذجنا التنموي والجهوي والسياسي.
بيد
أنه يمكن لهذه الأزمة أن تشكل دافعا لإصلاح الأعطاب وتجاوز الاختلالات، بتفعيل مقتضيات
الإصلاح الحزبي والسياسي والجهوي ،وما تتطلبه هذه المقتضيات من إعمال لمبدأ ربط المسؤولية
بالمحاسبة ،وإعلاء لمبادئ الحكامة الجيدة ،في إطار تعاقد دستوري وسياسي واضح..لكن ما
هو مطلوب هنا والآن هو تجاوز هذه الأزمة بسلام ،وبعد ذلك ينصرف الجميع إلى إستخلاص
الدروس والعبر مما حدث.
باحث