تسييس الدين أفرز ظاهرة التأسلم الشعبي.
وظاهرة التأسلم الشعبي دفعت الكثير من أبناء الوطن العربي إلى الاقتناع فعلاً بمقولة إن “الإسلام هو الحل”.
وفحواها أبسط.
مفادها أن كل مشاكلنا التي نعاني منها، كل البلاء الذي نرزح تحت وطأته، كل الفساد والاستبداد والتخلف والجهل، يمكننا ببساطة أن نجد لها حلاً، بالعودة إلى الإسلام “الصحيح”.
نبحث فيه.
ننقب في أرجاءه،
كي نجد حلاً!
ففيه تشخيصٌ لكل مرض.
وفيه علاجٌ لكل داء.
هو الحل.
ومشكلتي مع هذه المقولة اقتناعي بأنه في الواقع لا وجود “لإسلام صحيح”.
لأن الإسلام ليس واحداً، بل متعدد.
أين إسلام السنغال من إسلام إقليم نجد؟
أين إسلام ماليزيا من إسلام طالبان؟
أين إسلام تركيا من إسلام تونس من إسلام إيران؟
متعدد.
متنوع.
مختلف.
ليس واحداً.
ومادام الأمر كذلك فإلي أي إسلام يجب أن أعود؟
إلى الإسلام الوهابي معجون بفكر الأخوان المسلمين؟
يوم اقتنعت به طالبان، تحولت حياة الأفغان إلى كارثة.
كابوس.
يوم شرّعته السودان ارتكبت المجازر.
يوم طبقته المملكة السعودية على أفراد شعبها، خنقت أنفاسهم.
ولم نسمع أن المملكة تقف اليوم متحدية الهند في تقدمها التكنولوجي والاقتصادي؟
لم نسمع أنها تنتمي إلى الدول المتقدمة الأولى في العالم.
كل ما علينا أن نفعله كي ندرك موقع المملكة اليوم الفعلي أن نزيل العامل النفطي من المعادلة.
ولحظتها سنرى صورتها الحقيقية.
مادام ذاك هو الحل، فلم لم يكن حلها.
أتدرون لماذا؟
لأنها شغلت نفسها بالصغائر.
هذه لازمة لمن يظن أن الحل في الدين.
“غطي شعرك ووجهك يا امرأة!”.
“علينا بالفصل بين الجنسين. فثالثهما دائماً الشيطان!”. وسلاماً على مليارات الريالات المدفوعة كي تفصل بين الجنسين.
“الصلاة لا تكون بالإرسال!”.
” الأذان لا يكون صحيحاً إذا وردت فيه عبارة حي على خير العمل!”.
صغائر هي لكنها مع الوقت تصبح كبائر.
ومع الوقت ننسي أن الدين إنما أتي للإنسان.
جاء من أجله،
لم يأت كي يكتم أنفاسه.
وبالطبع،
“عليك بكره الكافر أو المشرك أو النصراني أو اليهودي أو الرافضي بقلبك!!”.
والأهم،
“عليكم بإطاعة ولي الأمر!”.
هذا هو الأهم.
“الطاعة واجبة لولي الأمر”،
والطاعة واجبة حتى لو كان ولي الأمر هذا فاسداً، منحلاً، طاغياً.
وهو هكذا في العادة.
ذاك “إسلام” أبرأ منه، ولا أريده.
يخنقني.
ينتهك كرامتي.
ويقتل إنسانيتي.
لا يمثل إيماني بالله عز وجل.
كما لا يمثل الحب الذي أجده في ذلك الإيمان.
لكن هذا هو “الإسلام” الذي يرون فيه الحل.
أي مصيبة هذه يا رب؟
هذه واحدة.
الثانية والأهم، هو أنه لا يوجد دين على وجه الأرض يمكن أن يكون حلاً.
لا يوجد دين فيه الحل.
لا يوجد.
إسرائيل رغم قناعتها بأنها تؤسس لدولة يهودية، لم تعمد إلى التنقيب في ثنايا العهد القديم والتوراة في بناء دولتها الحديثة.
بررت لوجودها من خلالهما.
لكنها لم تعتمد عليهما في بناء دولتها.
كل التجارب البشرية التي حققت نجاحاً ملفتاً، أخرها في دولتي الهند والصين اللتين ينظر العالم إليهما اليوم معجباً مرحباً بالعملاقين الاقتصاديين الجديدين، ومتوجساً قليلاً، لم تبحث في دهاليز الدين عن حل.
بل على العكس.
وضعت الدين جانباً.
لم تشغل نفسها به كثيراً.
تركته للناس.
ثم تحولت إلى الإنسان.
اعتمدت عليه.
وضعت ثقتها فيه.
وهيأته لتولي المبادرة والمسؤولية.
ثم قالت له: “أنت الحل. أخرجنا من هذا الوحل”.
ففعل.
الإنسان، لا الدين، هو الحل.
والإنسان، لا الإسلام، هو الذي بيده مفتاح التغيير.
الإنسان.
ذاك القادر على التفكير.
ذاك القادر على الإبداع والتنوير.
ذاك القادر على أن يغير ما بنفسه إذا أراد.
الإنسان الحر.
الإنسان العقلاني.
تمعنوا في الكلمتين هاتين “حر، وعقلاني”.
تمعنوا فيهما جيداً.
فأنا عازمة الأسبوع القادم أن أحدثكم عن إسلام أؤمن به.
“حر، وعقلاني”.
فلا تنفروا مما سأقوله.
————————
4 فبراير 2006