-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

جدلية الدين والدولة : ناصر عمران الموسوي

تحتل علاقة الدين بالدولة سلم الاولويات السياسية في المجتمعات العربية باعتبار الدين منتجا بيئيا وعقيدة اجتماعية تترسخ في المشهد التاريخي كمعطى حضاري ماضوي صانع للحضارة فكان نشاطه المهيمن حاضراً كلما كان النشاط السياسي اليميني المحافظ  حاضراً، ويمكن تحديد المعاصرة النشاطية بظهور الدولة العثمانية بجلباب الخلافة الاسلامية ونهايتها كرجل مريض لظهور الحركات الارتدادية على نهايتها والتي شكلت التنظيمات الاسلامية  المتمثلة بتأسيس الاخوان المسلمين عام 1924 وما تلاها من حركات حتى ظهور التحرك السياسي العلماني وحركات اليسار العربي الذي مثله التيار القومي والشيوعي والليبرالي الى حد ما وادى الى ضعف تواجد الدين في نشاطات الدولة متخذاً جانب المعارضة ابان سيطرة الدولة القومية، إلا انه عاد ليطرح نفسه بشكل قوي بعد التغييرات او ما يسمى بالربيع العربي والتي جعلت الاحزاب الدينية تقبض على مفاصل السلطة سواء اكان ذلك من خلال استراتيجية معتمدة بالتغيير ام أن فوضى التغيير أوجدت ذلك لتعيد من جديد مفهوم علاقة الدين بالدولة، بل لتمنح الاحزاب الدينية الهيمنة الواسعة على مفاصل الدولة، ورغم حداثة التجربة الدينية الراهنة الا انها تجربة كفيلة بالتقييم والرؤية والتي من اهم مسلماتها الظاهرة هو انتشار التشدد والتطرف الديني على حساب الاعتدال والوسطية وبروز الهويات الدينية الفرعية على حساب الهوية الوطنية وبالتالي الاصطدام مع اسس مفاهيم الدولة واتضح ذلك واضحا في الدساتير بعض الدول العربية التي اعتبرت الاسلام دين الدولة والشريعة مصدر التشريع ان لم تكن المصدر الاساس في التشريع هذا الامر اسس لطهور مفهوم المكونات او الاقليات وعلويات الهوية الدينية على حساب الهوية الوطنية الجامعة بل ان الهوية الدينية تشظت الى هويات فرعية اخرى القت بظلالها على جغرافية الاوطان التي بدأت تتشكل اجتماعيا وفق الاسقاطات المتشظية للهويات الكبيرة الامر الذي حفز فرضيات انتماءات معينة على مساحات جزئية على التشكل قوميا ودينيا وطائفيا واثنيا هذا الامر الذي ادى الى غياب التعايش المجتمعي تحت فرض هيمنة الاقوى والاكثر فصارت انا التملك للجغرافية امرا مسلما به وغاب استدعاء الذاكرة التاريخية الجامعة لمصلحة الموروث الشعبي التراثي وربما الاسطوري الممجد للراهن الواقعي.
كل ذلك وحيثيات التشكل غير واضحة المعالم في ظل استراتيجيات تدير الفوضى لمصلحة التشكل الخلاق الذي تتبناه ،ربما يبدو التحالف الاستراتيجي المهيمن  غريبا وهو يدفع باتجاه ظهور الدويلات الدينية والاقل منها القومية وهو المؤسس لخريطة التجزئة التاريخية ابان تقاسم الدول المهيمنة على مناطق النفوذ وفقا لرغباتها التي تحولت الى خرائط دولية معترف بها بشكل قسري كان الزمن كفيلاً بتنظيمه ومنحه الهوية التقسيمية، ويبدو ان الترتيبات التنظيمية السابقة قد بلغت من الكبر عتيا فصار من الضروري بفعل التغيرات وجود تقسيمات تنظيمية فتية من اهمها وجود الدولة الدينية التي يديرها الاسلام السياسي وكان لسقوط المعسكر الاشتراكي وانهيار الثنائية القطبية في السيطرة العالمية وظهور النزعات الرأسمالية المحافظة المتمثلة بالمحافظين الجدد اثر كبير في ذلك وبالتأكيد دون نسيان الواقع الاجتماعي المهيمن للسيطرة القومية او العشائرية على مساحة المشترك المجزء فحلم الدولة العربية العابرة من المحيط الى الخليج اصطدم بالكيان المجهض لاي حالة حمل ولو كانت كاذبة فصار تمدده واضحاً في ظل واقع يترادى في تفهقره، ان الرهان على الدولة الدينية هو رهان على حالة التشظي للمجتمعات وبالتالي تنظيم الدولة فشعار الدين الاكثر سطوة وهيمنه ومناغاة او في ذات القوة الاكثر دموية والابشع استغلالاً في الترويج للتقاتل وفرض الارادات فالعقائديات التي اظهرت تنظيم داعش الارهابي لم تكن وليدة منتج معسكر بوكا وكاريزما البغدادي او الجولاني، بل هي صناعة فكرية عقائدية حاكمة قائمة على التفوق والاستئثار التفوق وفق معايير الفكرة والقوة والعقيدة والتفوق بالاستئثار المعنوي للتمثيل الالاهي على ارض الواقع، وهي الارض الخصبة للاستغلال الموجه  فالخلافات العقائدية للأديان والمعتقدات المذهبية والاثنية حاضرة والتي شكل تنوعها نوعا من السحر للبيئة الشرق اوسطية والعربية تحديدا الا انها ظلت حبيسة راهنها التاريخي وعصية عن التحديثية والعصرنة والتجييل فالمعتقدات المشتركة دينيا ومذهبيا واثنيا كلها تحمل الفكرة الاهم العلوية الانسانية المنتج الالاهي للرحمة لكن التفاصيل في المنتجات والمخرجات الدينية والعقائدية المغمسة بانا السلطة في جانب منها والعداء التاريخي للمعارض اوجدت عقائديات واحكام ومفاهيم جديدة لا تمت في الكثير منها الى روح المعتقد الديني والتي صار تبعد ذلك وبمرور الوقت فرضيات عقائدية حاكمة، ان دولة الدين هي فرضية وخيار سياسي ممنهج غايته شرعنه القبض على السلطة وديمومة الخضوع الشعبي لمتبنيات رؤاها، فالإله لا يرغب طبقا للرؤى الدينية العقائدية لمختلف الاديان والملل والمذاهب والطوائف في رؤية دولة تنتمي اليه بقدر ما منح الانسان افقا واسعا باتخاذ خياراته التنظيمية المجتمعية وبالتالي المؤسساتية طبقاً لرؤاه المحددة بمجموعة من المشتركات والاسس الاخلاقية والانسانية المهمة في تشكيل المجتمعات على اسس من ضوابط ومعايير لا تتقاطع البته مع طريقة الادارة والتنظيم والسلوك الاجتماعي لذلك فالدويلات الدينية مهما قدر لها ان ترى النور غير قادرة على الديمومة والاستقرار فخلايا الانهيار تنشطر بداخل كيانها فليس لديها القدرة للتشكل المستقبلي ومواجهة التطورات المتسارعة في منهجية السلوك الاجتماعي والحياتي بشكل عام، ان روح المدنية كحياة وسلوك انتمائي وليس كمعطى لغوي في الرجوع الى المدينة كتسمية بالرغم ان المدينة كواقع مكاني استسلمت بشكل كبير لهيمنة القرى الصغيرة الخارجة من رحم التقنيات والتكنلوجيا.
لقد حسمت المجتمعات بشكل كبير جدلية التقاطع بين الدين والدولة فاطمأن الدين على مساحاته المكانية بدور العبادة ومساحاته المعنوية الشاسعة التي تحفز القلوب كمنظومة للمشاعر السامية واحدى اهم قنوات الضبط المجتمعي للسلوك، في حين راحت الدولة تشيد مؤسساتها التنظيمية الحاكمة بعلوية الدستور والقانون مع مساحة واسعة لرؤى الادارة الحكومية والحاكم بذلك هو المواطنة بطاقة التعريف الاهم في سلوك ونشاط وادارة الدولة.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا