جميل أن يكتب المرء عن مدن يرتادها باستمرار،
نظرا للعلاقة المتشابكة بين الإنسان والمكان. فهذا الأخير ليس انبساطا فحسب، بل
يمتد تأثيره للإحساس والوعي، مما يؤدي إلى التداخل والانصهار الذي يصعب فصل خيوطه.
لكن حين يتم اكتشاف المكان لأول مرة، يبدو أن الأمر يقتضي الحذر في الكتابة
المتعددة المنزلقات، لأن المكان طبقات. وهو بذلك لا ينفصل عن الإنسان المنغرز في
الذاكرة. بناء عليه، تابعت ما كتبه الإعلامي طلحة جبريل في عموده "هنا والآن"
بجريدة "الأحداث المغربية" المعنون بـ"الفقيه بن صالح"، عدد 5
أبريل 2018 . فقدم أفكارا في حاجة لنقاش، منها أن المدينة يشقها شارع وحيد. وفي
الواقع أن المدينة ترامت أطرافها، فتنوعت شوارعها. كما أن الإعلامي صور متابعة
مقابلات كروية بالمقاهي، كأن الأمر يتعلق بظاهرة غريبة بهذه المدينة. والحال أنها ظاهرة
عامة بالمغرب وغيره. هذا فضلا عن تكرار كلام في ظاهرة الهجرة التي كانت ولا زالت
ظاهرة وطنية. هذا بعض من كل، عرضه الصحفي بتسجيلية باردة ركزت على تمظهرات خارجية،
مثيرا بعض الأعطاب التي غدت سارية في كل القرى والمدن التي تحتاج لهذه الصفة. فهذا
العبور المسجل فوتوغرافيا، لم يتمهل، ولم يتخذ لنفسه زاوية للبحث في تاريخ المنطقة،
فلا داعي أن أفتح عين صاحبنا على التاريخ الثقافي والسياسي لهذه المدينة. إنها
ليست مدينة بدون ذاكرة ولا تاريخ، مدينة حطت من عل كمكان بدائي خارج التاريخ
والعصر.
لا أكتب هذا الرد، كوني أسكن وأنتمي لهذه
البقعة من الأرض، بل أفعل هذا بعيدا عن أي قبلية وتلوين إيديولوجي، بل سعيا للحفاظ
على "كبد" الحقيقة حين يتعلق الأمر بوصف المكان كهندسة خالية من الدفء والجذور
التي لا تنام في الامتداد. والغريب أن بعض أعمدتنا الصحفية غدت تعاويذ تكرس كلام
السوق الذي لا يفضي إلا لنفسه، اعتمادا على الشفويات وأفواه الأصدقاء المتسرعة. في
هذه الحالة، فالعمود في حاجة لصلابة الفكرة ولتكثيف وتلميح دقيق عوض الانغماس في
اليومي إلى حد بعيد يتحول معه العمود إلى ملتقى لكل شيء. ومن الصعب أن يقول شيئا. ولربما
يبدو العنوان "الفقيه بن صالح"/ العتبة أكبر من مسكنة، إنها مسالك
المدينة اللصيقة بمسالك الناس. لهذا فأهل المكان أدرى بشعابه كما قالت العرب. وكل
كتابة متسرعة، محكومة بالإثارة والإشهار الشبيه في منطلق التناول بعرض السلع، قد
تؤلم، وتدفع الناس أن تلوذ بدفء المكان بعيدا عن أي لغط ولو صحفي.
كلنا في هذه الساحة الصحفية، على قدر من
المتابعة والكتابة، لهذا فأنا أعرفك من خلال عطائك الإعلامي طلحة. لكن من حين لآخر،
فالصحفي يتعثر حين يتناول "المواضيع الحارقة". والكتابة حول المدن من أدق
المساحات المنطوية على تنوع وتعدد، الشيء الذي يقتضي الاهتمام بالخلف وامتداده.
لهذا، فأنا لا أناقش التفاصيل المطبوعة بالأحاسيس والحالات، بل توقفت حول
المشتركات في هذه المدينة، لأن اللعب معها في العمود الصحفي يقتضي العدة دون سند
ولو تعلق الأمر بالأصدقاء. ولكم واسع النظر.