-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

سفيان سعيداني الحـب و الطـعن


و بعد صمتٍ ليس يتصرّمُ، قاما وهما ينكران هذا الجفاء المُريعَ، كلّا فلا خيْر يُرْجَى من وراء هذا الوجومِ وهذه البركة قد كانت ملجأهما ومنفاهما وقافية الكلام الجميلِ… لمّا آن الغروب ولم ينبس أحد منهم ببنت شفَةٍ، أيقنا أنّ المُرادَ قد فُهم بدون لغة أو سؤالٍ وبدون مخطوط حبرٍ على قرطاسٍ، فهو كالقنى حين ينقلب إلى الصّدرِ، تبقى جِراحُهُ نَجْلَى في قلب ليْس ينتظرُ غيْر الوصالِ يبشّرهُ بالفرحةِ الجيّاشةِ، فرحة العشّاقِ، فرحة المحبيّنَ.
نظرتْ إليه طويلا والحياء يمزّقُ وجْنَتاهَا، وقالت تردَّدُ بيت ابن الفارضِ لتخْفي به فُحْشَ الحقيقة:
- أيا راحلاً وجميلُ الصَّبْرِ يتْبعهُ
هل من سبيلٍ إلى لقْياك يتَّفِقُ.
فقبض بيده على غصن السّرْوِ الميِّتِ حتّى كسره وتأمّل في عينيْها اللّتينِ اغْرورقَتَا دمعًا، وغضّ طرفه ومضى في سبيل حالهِ، كانت الطّريق على غير عادتها واللّيل غير اللّيل الذي اعتادهُ، وبَناتُ الفَلا تشفق عليه كلّما رأته على حاله تلك من الألمِ .
عاد إلى مكتبتهِ، غاص في أكوام الكتب يبحث عن واقعة تكون له عَزاءً، ولكنّه سرعان ما وجد المُنَى، وجد الحكاية التي ستقلب حزنه إلى سعادةٍ ومأساته إلى مسرَّةٍ يترجّاها من صميم ما كبت في مشاعره المدمّرةِ. وبعد أن اسْتقى من تجربة الحكْمة وارْتَوى، أمْعنَ وتفكَّرَ وهَرَعَ إلى والدتهِ، وبلَّغها الأمر ففهمتْ ما ينْوي إليه فاستحسنتهُ وانطلقتْ فجرًا تشقُّ المَوْصِل تحْت قبّةٍ يسُوقها ابنها الصّغيرُ.
وصلتْ إلى قصْر التي تيَّمتْ قلب كبِدها فنزلت من على النَّاقةِ، واستدْعتْ أبا الفتاةِ المتغطْرس فلبَّى النِّداء وخاطبها:
- ما أنتِ ناشدةٌ يا امرأة؟
فردّت:
- سُبْحان الذي أنْعَمَ عليْكُمْ بالبَرَكَاتِ، وها أنْتُم تَغْمِطُون خَلْقَهُ.
فتحرَّجَ وقالَ:
- السَّلامُ عليْكِ يا أَمَةَ اللَّهِ، هلْ لي في خدْمتكِ
- وعليْكمُ السّلامُ، وإنَّنَا إذا أردْنا أمْرًا فمردُّهُ إلى اللَّهِ … أنَا أمُّ فُلانْ، أما علمْتَ أنّهُ قدْ تُيِّمَ بفَتاةٍ لكَ وهي قدْ تُيِّمَتْ به أيْضًا.
فاستقْرفَ وقال يُخْفِي شتيمةَ النَّسبِ والمَكَانةِ:
- أعلمُ ولم أذقْ للنّومِ طعْما مُذْ علِمْتُ.
فردَّت تتصَنَّعُ:
- ولا أنا يا أيُّها الكريمُ فأنا رافضةٌ لقرارهِ وأتيْتُكَ كيْ تبلِّغَني السَّبيلَ في إلْغاءِ هذا الأَمْرِ
تعجّب الرّجلُ وقال في نفْسِهِ: «تُرى كيْف ترْفضُ هذه المرْأةُ، أمُّ الفتى الذي يريدُ ابْنتي، وهُم عائلةٌ تغْرقُ في البؤْسِ والشَّقاءِ، كيْف ترْفُضُ ولي من السُّلطانِ ما يُبَلّغُنِي شِراءَ شَطْرِ المَوْصِلِ» ولكنّهُ اسْتدْركَ واسْتَطْردَ غيْر مُبالٍ وقالَ:
- الرَّفْضُ يا ابْنَةَ أُمِّي، ليْسَ حلٌّ غيْرهُ.
- ولكنْ أما تفكَّرْتَ في حال ابْنتك التي سَتَنْهَارُ، أنتَ لن تزيدها بذاك سوى النِّقْمَةِ والعَذَابِ.
فخمَّنَ وهو يحُكُّ ذَقْنَهُ ثُمَّ قالَ:
- تَاللَّهِ إذنْ لأَنْتِ منْ تمْلُكينَ الحَلَّ فقُولِي.
قالتْ :
- قُلْ لابْنَتِكَ أنَّكَ ستُجْرِي قُرْعَةً بورقتيْنِ، ورقةٌ فيها قبولٌ وورقةٌ فيها رفضٌ، وما سيخْتارُه ابني هو القرارُ الأخيرُ، واكْتُبْ على كِلْتا الورقتيْنِ «الزَّواجُ مرْفُوضٌ» وهكذا سيُحتَّمُ القرارُ الذي نبْتغيهِ أنا وأنْتَ، وسيكُونُ وقْعُهُ معقولًا وحاسِمًا، دونَما تَشْهيرٍ وصدْمٍ للفُؤَادِ وسينْتَظِرُ كلاهُمَا الحَسْمَ.
فرَدَّ مبْتسِمًا:
- سمِعْنَا وسنُطِيعُ.
وعادتْ إلى بيْتها فوَجَدَتْ ابنهَا ينْتظِرُ فاسْتَراحَا قليلًا ثمّ انْطَلَقَا إلى المَوْعِدِ المُنْتَظَرِ.
كان القصْرُ مكتظًّا بالنّاس والزَّائِرينَ والشُّهُودِ، وصلتْ قافِلةُ العَريسِ فنزل هو وأمُّهُ وأخُوهُ وتقدَّمَا، ودخَلَا وقدْ لاحَ البُؤْسُ منْهُمْ كَمَا يلُوحُ الوشْمُ في اليَدِ، اعْتدَلَ الأبُ في جلْستِهِ وأَعْلَنَ أمَامَ الجماهيرِ القَرَارَ، ورقةٌ هي التي تَحُكُمُ، إمَّا أن يَخْتارَ القُبولَ أو الرَّفْضَ، فاهْتَزُّوا ينْتظِرونَ المَآلَ، تقدَّمَ المُتيَّمُ وكانتْ عيْنا الفَتاةِ تترقَّبُهُ بِحَذَرٍ، نُصِبَتْ أمامهُ الورقتَانِ، فأخذَ واحدةً منهمَا وابْتلعها مُلْتَهِمًا، اسْتَغْرَبَ الأبُ وصَرَخَ:
- ولكنْ ماذا تفعَلُ يا غُلَامْ؟، كيْفَ سنَعْرِفُ الآنَ ماذا اخْترْتَ؟
فردَّ مبْتسِمًا:
- الأمْرُ في غايَة السُّهُولةِ يا مُوقَّرْ، اكْشِفُوا عن الوَرقَةِ المُتبقِّيَةِ وما اخْتَرْتُهُ سيَكُونُ عَكْسَهَا، أوَ لمْ تَقُلْ أنَّكَ خَيَّرْتَنِي بيْنَ ورَقَتَيْنِ، ورَقَةٌ فيها قُبُولٌ وورقَةٌ فيهَا رَفْضٌ. لم يسْتغْرِبِ الجَمْعُ، فالأمْرُ معْقُولٌ ولكِنَّ الأبَ انْهَارَ إذْ عَلِمَ أنَّ الفَتَى في غَايَةِ الفِطْنَةِ والدَّهَاءِ، لقَدْ كانَ يَعْلَمُ أنَّ الورقتَيْنِ تَتَضمَّنانِ الرَّفْضَ، ولكِن كيْف حَتَّمَ علَيْهِ أمْرَهُ وقَدْ كانَ يظُنُّ أنَُّه هُوَ الذي سَوْفَ يُحَتِّمُ أمْرَهُ عَليْهِ، كُشِفَتْ الورَقَةُ وقَدْ كُتِبَ عَليْهَا «يُرْفَضُ الزَّوَاجُ» وبذَلكَ حَتَّمَ الشُّهُودُ والجَمْعُ على القُبُولِ.
ضَحِكَ الأَبُ وقالَ:
- هِيَ لَكَ يا غُلَامْ، جَزَاءً لعبْقَريَّتِكَ وفَذَاذَتِكَ.
ثُمَّ التَفَتَ إلى أمِّهِ مذْهُولًا وعَادَ ليُسَائِلَهُ عَنْ سِرِّ تِلْكَ الفِطْنَةِ الحَادَّةِ فرَدَّ الفَتَى:
- لقد اسْتَقيْتُها من قصَّةِ كلثومِ ابْنِ الأَغَرِّ والحَجَّاجِ بن يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ.. نَحْنُ أُمَّةٌ إذَا أردْنا التَّقدُّمَ قرأْنَا.
فقالَ وقد أعْيتْهُ فَراسةُ الغُلامِ:
- لِلَّهِ دَرُّ مَنْ فَطِنَ، رَفضْنا كَرْهًا فأَخذْتَ طَوْعًا .
 * سفيان سعيداني٭ كاتب تونسي
 جريدة القدس العربي
http://www.alquds.co.uk/?p=818921
  

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا