يحتضن المركز الثقافي الفرنسي بالرباط الأعمال التشكيلية
الجديدة للفنان المغربي محمد مكوار، ما بين 6 و26 يونيو المقبل.
ويعود الفنان مكوار من جديد إلى متغيرات الذات والنظر
في علاقة الشخوص ببنيتها الحركية وصراعها الوجودي إلى بروزها – من خلال عمل فني – داخل
فضاء مفتوح تحدد معالمه كلمات مقطوعة أو مبهمة، ملصقة ببعضها تكاد تكوّن تشكيلات من
جميع الأحجام وتتناسق عبر آفاق بعيدة المدى لتفرض علينا بعض التحديات المهمة على صعيد
التماسك الاجتماعي؛ وهكذا تتراءى لنا هذه الأشكال في جميع أحوالها، خارج الزمن؛ ومن
ورائها الإحساس بالإنسان كسلطة وكقدرة يأتي الفنان ليمارسها عبر العمل داخل مرسمه،
في المحو بنوع من العودة إلى التشخيصية غير المباشرة، ثم الاشتغال الدال بالعلامات
البصرية من الضوء إلى الضوء، حتى انبثاقات الإنسان وعودته من خلال بعض الملامح وإيحاءات
العين وتحولات النظر في أعماله الأخيرة، وذلك عبر فضاءات صباغية وعفوية، تؤرخ لترحال
الذات وتداعيات الحس الفني الذي يمنح للصمت ألوانا، وللكلام صمتا، صمت من يتعالى عن
أن يتكلم بغير ما يشهد.
ويختبر الفنان مكوار وقع الألوان وتناغمها وانسجامها
مع الأشكال المتفاوتة التأليف، ومع موحيات الواقع الطبيعي والإنساني، وليشتق مادة رسومه
مما يجول في باطنه من انفعالات، وفي ذاكرته من ذكريات، وفي مخيلته من رؤى وأحلام، إنه
ابن مجتمع له تقاليده ومعتقداته وتراثه الفني وثقافته، واجبه حتى ولو ابتغى أن يطور
هذا المجتمع أن يستلهم روحانيته ويفتتح أمام هذه الروحانية آفاقا جديدة تتيح لهذا المجتمع
دون أن يتنكر لنفسه ولهويته من أن يكتشف في ما سيقدمه من قيم جديدة ويمكنه من التطور
تدريجيا وانطلاقا من دينامية، بالرغم من هيمنة التراكيب الدينامية، القائمة على حركات
عفوية متعاكسة ومنخرطة تمنح اللون والمادة سطوتها الإنسانية واللاشكلية، يتخذ السكون
معياره لتثبيت الوحدات التشخيصية وإدماجها ضمن ما يشبه حكائية تصويرية تروم تخفيف حدة
البعد التجريدي، استنادا إلى تبعية الخط الذي يتدخل بتحفظ موزون للإحاطة بأثر السيل
وتحويله إلى شكل مقروء يتحلل داخل باقي مكونات اللوحة، حين تتسرب إليها كتل متعددة
الأحجام بملامحها التجسيدية وبإيحائها على معمار يؤثث اللوحة بحوار بلا شروط.
في هذه التجربة المتأنية المدعومة بازدواجية: الحركة
والسكون، الموت والحياة، العلوي والسفلي، النور والظلام... تتألف المسوغات التعبيرية
لتكشف نفسها بمنطق تصويري يقحمنا في غمرة تأويل متناه، لا يمكن أن يفضي بنا إلا إلى
بر التكامل؛ من خلال هذين التصنيفين، ندرك قراء اللغة التشكيلية لدى الفنان مكوار وأبعادها
الدلالية المتعددة وإمكانية قراءتها من منظورات مختلفة، في هذا الصدد، أرى أن تعامله
مع الجسد يخترق تخوم المألوف ويتحول إلى إيقاع شعري لا يمنحنا أي فرصة للتعرف على تضاريسه
الإنسانية إلا بعد نظرة ثاقبة في فضاء اللوحة وتركيباتها لأن ما يتحكم في بعدها البصري
هي الخطوط التي تتأطر داخلها حركات ومشاهد حياتية، تتولد في غمرة احتفال تشكيلي يستمد
جماليته من سمك المواد واختلافها وترتيبها داخل أجساد أو تكتلات صغيرة فكبيرة، مكونة
وحدة ذاتية مع أشكال شبه بشرية، تتشابك ببعضها إلى حد التيهان.