ألتر صوت - فريق التحرير تعدّ المكتبة ركيزة أساسية لأي مشروع حضاري يهدف إلى النهوض معرفيًا وعلميًا بأمّة ما. وذلك كونها تمثّل دائمًا أداةً فاعلة في ترقية وتثقيف الشعوب والأمم. كما تعدّ المكتبة مقياسًا يدلّ على حضارة بلد ما، ويحدد ثقافة سكّانه من عدمها.
نستعرض في هذا المقال 6 من أهم المكتبات العربية.
1- دار الكتب والوثائق القومية
في سنة 1859، أصدر الخديويّ إسماعيل باشا توجيهاته القاضية بإنشاء مكتبة وطنية حملت في سنوات انطلاقتها الأولى اسم "المكتبخانة الخديوية". وضمّت آنذاك كتبًا جُمعت من بعض المدارس والمساجد بناءً على توجيهات الخديوي، كمحاولة أولية لتأسيس نواة المكتبة لجهة محتوياتها. تلت توجيهات الخديوي تلك توجيهات جديدة لعلي مبارك باشا إلى مديرية الأوقاف، قضت بجمع ما تملكه المديرية من مخطوطات نفيسة وتحويلها إلى المكتبة التي بلغ عدد محتوياتها بعد وصول المخطوطات ما يُقارب 20 ألف مجلّد.
ومنذ ذلك التاريخ، أخذت المكتبة تتوسّع لجهة ما جمعته من كتب ومخطوطات، ما استدعى ضرورة توفير مساحة إضافية لها، تمثّلت في نقلها سنة 1904 إلى مبنى جديد في ميدان أحمد ماهر وسط القاهرة. وتزامن ذلك مع حملة غيّرت اسم المكتبة لأربع مرّات، قبل أن تعتمد على "دار الكتب والوثائق القومية" اسمًا نهائيًا للمكتبة.
وفي إلقاء نظرة سريعة على المكتبة داخليًا، نجد أنّها تحوي متحفًا كبيرًا يتفرّع إلى أربعة معارض صغيرة؛ معرضًا للخزانة التيمورية الذي يعرض كتبًا ومخطوطات نفيسة، وآخر للأوراق البردية، بينما يعرض الثالث ما جُمع من مخطوطاتٍ فارسية، وخُصِّص الرابع والأخير لعرض المخطوطات العربية واللوحات الفنية والتحف الأثرية. أمّا فيما يخصّ ما جمعته المكتبة، فيقال أنّها جمعت ما يُقارب 19 ألف مجلد من المخطوطات، وتملك أيضًا رسالة الإمام الشافعي التي كُتبت سنة 264 هجري، وهي أقدم مخطوط عربي تقتنيه المكتبة. بالإضافة إلى اقتناءها لنسخة من جريدة الوقائع المصرية التي صدرت سنة 1847. وتضمّ المكتبة اليوم ما يزيد عن مليون مجلّد مطبوع.
2- المكتبة الوطنية للملكة المغربية
حين أُسّست الخزانة العامّة للكتب والوثائق المغربية سنة 1920، لم تُؤسّس بداية بوصفها مكتبة وطنية، إذ إنّ هذه الصفة أُلصقت بالخزانة سنة 1926، حين اعتبرت رسميًا "مكتبة وطنية" للمملكة المغربية، يقع على عاتقها مهمّة إتاحة الكتب للمهتمّين، وتلقّي وثائق الإدارات وحفظها أيضًا. وأصبحت فيما بعد تحمل اسم "المكتبة الوطنية للملكة المغربية".
كانت الكتب الأولى التي وُضعت في الخزانة تعود غالبيتها إلى معهد الدراسات المغربية العليا الذي مدّ الخزانة بأعداد هائلة من الكتب في بداية تأسيسها. بالإضافة إلى الكتب التي وصلت مما يعرف "المعلمة العملية" في المغرب بعد حلّها. ناهيك عن المساهمة الكبيرة لقانون الإيداع الذي وفّر للمكتبة أعدادًا متزايدة من الكتب، وذلك في ظلّ استمرارها آنذاك في شراء إدارة الخزانة للكتب والتبادل لإثراء المكتبة التي بلغ عدد ما تضمّه ما يزيد 630 ألف مجلد مطبوع، و36 ألف مجلّد مخطوط.
3- المكتبة الوطنية الجزائرية
كان هدف الفرنسيين من تأسيسهم لـ"المكتبة الوطنية الجزائرية" سنة 1835 إبّان احتلالهم الجزائر، هو جمع كلّ ما كُتب وطُبع عن الجزار والجزائريين في هذه المكتبة، كمحاولة جادّة منهم لفهم الجزائر والشعب الجزائريّ عن كثب. اتّخذت المكتبة في بداية تأسيسها من ثكنة الإنكشارية في باب عزون في العاصمة الجزائر مقرًّا مؤقّتًا لها، إذ نقلت محتوياتها سنة 1863 إلى مقرّ الداي مصطفى باشا، قبل أن تنتقل للمرّة الأخيرة بعد الاستقلال للمرّة الأخيرة إلى مبناها الحالي في منطقة الحامة في الجزائر العاصمة.
كان استقلال الجزائر نقطة تحوّل مهمّة في تاريخ المكتبة وطبيعة عملها وأهدافها، إذ أنّ السلطات الجزائرية بعد الاستقلال أصدرت قرارات عدّة تُفيد بوجوب حفظ المكتبة للتراث والثقافة الوطنية الجزائرية. والعمل أيضًا على نقل كلّ ما كُتب وطُبع عن الجزائر في الخارج إلى المكتبة. وبعد أن كان هدف المكتبة التي أسسها وزير الاحتلال الفرنسيّ آدريان باربروغر (Adrian Berbrugger) مساعدة الفرنسيين على فهم الجزائريين والتعرّف إلى عاداتهم وطبيعة حيواتهم، بات هدفها بعد الاستقلال إتاحة ما يُساعد المواطن الجزائريّ على فهم نفسه والتعرّف إلى بلده وحركة تحرره الوطنية عن كثب.
المكتبة التي تواتر على إدارتها قبل الاستقلال عدد من العلماء الفرنسيين، أعادت بعد نهاية عهد الاحتلال الفرنسيّ الاهتمام باللغة العربية التي حظيت بإهمال كبير في عهد الاحتلال. ليبلغ عدد ما تحتويه من مجلدات باللغات العربية والأجنبية ما يٌقارب 900 ألف مجلّد.
4- دار الكتب الوطنية في تونس
شهدت سنة 1885 ولادة المكتبة الوطنية في تونس، والتي افتتحت رسميًا سنة 1910 تحت اسم "المكتبة الفرنسية"، قبل أن يُستبدل اسمها هذا بـ "المكتبة الشعبية"، وبعد ذلك "المكتبة الوطنية" وصولًا إلى اسمها الحالي "دار الكتب الوطنية في تونس". كما تنقّلت أيضًا بين مواقع مختلفة وصولًا إلى مبناها الحالي الواقع في شارع 9 أبريل في العاصمة تونس.
وعدا عن المهام الأساسية التي قامت بها المكتبة، كأي مكتبة وطنية، فإنّها ساهمت أيضًا في عكس التراث الثقافي التونسيّ وتطوّره علميًا وأدبيُا. وفي سنة 1967، صدرت عدّة قرارات حكومية تقضي بجمع المخطوطات الموجودة في المساجد والمكتبات التونسية العامّة لوضعها في المكتبة الوطنية وزيادة رصيدها، ليبلغ فيما بعد ما يُقارب مليون كتاب باللغات العربية والأجنبية، بالإضافة إلى 40 ألف مخطوط.
5- دار الكتب والوثائق الوطنية
سنة 1920، أُلحقت مكتبة السلام الأهلية بوزارة المعارف العراقية، لينتج عن هذا الاندماج "المكتبة الوطنية العراقية". وفي تتبع بدايات وتاريخ المكتبة التي افتتحت رسميًا سنة 1924، نجد أنّها هي الأخرى تنقّلت بين أسماء ومواقع جغرافيا مختلفة إلى سنة 1964، عندما أُلحقت بوزارة الثقافة والإعلام، وانتقلت إلى المبنى الذي شيّد خصيصًا لها.
بعد الغزو الأمريكي للعراق، تعرّضت الدار لهجمات منظمّة نتج عنها إحراقها ونهب محتوياتها. وأشارت إدارة الدار آنذاك إلى أنّ نسبة خسائر الحرق والسرقة جاءت بأكثر من 50 في المئة من الكتب، و25 في المئة من الوثائق التي يعود بعضها إلى العهد العثماني. إلّا أنّ ما حدث لم يثبط من عزيمة القائمين على "دار الكتب والوثائق الوطنية" التي افتتحت أمام الجمهور سنة 2004 بخدمات جديدة قدّمتها إلى الباحثين وطلبة الدراسات العليا.
6- المكتبة الظاهرية
في سنة 803 هجري، اجتاح جيش تيمورلنك مدينة دمشق وأحرقها بالكامل، ويقال أنّ المدينة ظلّت مشتعلة لثلاثة أيام بلياليها، وما إن توقّفت النار عن أكل المدينة حتى هرع البعض إلى البحث عن الكتب التي نجت من محرقة تيمورلنك، ووضعها في المدرسة الظاهرية، لتصير بعد مدّة من الزمن تُعرف بـ"المكتبة الظاهرية" نسبةً إلى المدرسة ذاتها، والتي سميّت بذلك نسبة إلى الظاهر بيبرس التي أمر ببنائها سنة 676 هجري.
تعتبر المكتبة من ناحية تصميمها العمراني تحفة فريدة من نوعها في العالم الإسلاميّ، وتضمّ مخطوطات نادرة وقيّمة جمعت من مدينة دمشق بعد محرقة تيمورلنك، وقدّر عددها بما يزيد 11 ألف مجلّد. ويعود تاريخ بعض هذا المخطوطات، ولا سيما النفيسة منها، إلى القرنين الثالث والثالث عشر هجري. بالإضافة إلى وجود أقسام مخصصة للصحف والمجلات العربية والأجنبية.