عملت هيأة الانصاف والمصالحة ضمن مسار التجربة المغربية للعدالة الانتقالية بإتباع مناهج وخطوات عملية تتشابه إلى حد كبير مع تجارب لجان الحقيقة والمصالحة، فكان
للهيأة هندسة تنظيمية إجرائية ونهج إرشادية على شكل براديغم Paradigma مسطرية تعمل وفقها الهيأة في موضوع اختصاصاتهما، فهذه التقنيات والأدوات التي توظفها الهيأة نفسها، واتجاه عمل فرق واللجان التابعة لها والعلاقة فيما بينها وطرق ومعايير اختيار كل منها ، والسيناريوهات التي تشتغل وفقها والطاقم الإداري والقانوني في ترسانة أعمالها على مستوى الوثائقي والميداني، لأجل التفكير في ضوابط رئيسية لسير عملها وطرق اتخاذ قراراتها، وسبل تواصلها وتدبير شؤونها الإدارية والمالية.
فالتقرير الختامي للهيأة تبنى منهجية سليمة في البحث بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، قائمة على ركائز ومنطلقات تستوفي، من وجهة نظر علم مناهج العلوم الاجتماعية، لكل الشروط العلمية والموضوعية في شرح المقاربة المنهجية التي اعتمدتها في البحث والتحري، كما ركزت الهيأة في الجزء الثاني من التقرير لتسلط مزيدا من الأضواء على المنهجية التي اعتمدتها في تحليل تلك الانتهاكات ومسؤوليات أجهزة الدولة عنها. كما ساهمت كذلك الشهادات الشفوية كركن أساسي من أركان المنهجية التي اعتمدتها الهيأة
. وعموما، فإن الهيأة اشتغلت بمقاربة منهجية متماسكة وسليمة من الوجهة النظرية متفاوتة بطريقة مباشرة وغير مباشرة باختلاف نوع الانتهاكات والحالات المعروضة عليها. فهيأة الإنصاف والمصالحة لجنة وطنية للحقيقة والإنصاف تعمل على كشف الحقيقة وتحديد مسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كسائر موجة تجارب لجان الحقيقة على مستوى العالم، عملت على إنصاف الضحايا طبقا لاختصاصاتها وتحقيق المصالحة العامة من أجل تقوية وبناء الديمقراطية. فاعتمدت على مساطر منهجية في جبر الضرر وترسيخ المصالحة عبر مداخل متعددة منها جلسات الاستماع العمومية والإطلاع على تجارب لجان الحقيقة الدولية قصد وضع إطار عام لمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وعليه، عملت الهيأة في تجهيز الملفات وفق مساطر منطقية حسب نوع الانتهاكات على مستوى الكمي والكيفي، وتقديم التعويضات وفق مكونات جبر الضرر عن طريق تسوية الأوضاع الوظيفية والإدارية والإدماج الاجتماعي والتأهيل الصحي، بالإضافة إلى وضع برامج جبر الضرر الجماعي في المناطق التي كانت مسرحا للانتهاكات الجسيمة أو كانت تتواجد فيها مراكز الاعتقالات النظامية وغير النظامية.
فإن، مناهج عمل الهيأة، بالرغم من أهميتها لمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واختلافها الاجرائي مع باقي تجارب لجان الحقيقة على مستوى العالم، فمواقف الفاعلين الحقوقيين الذي رحبوا بأهمية التجربة على مستوى القطري والاستثناء العربي، ومعالجة ملف “سنوات الرصاص” وجهوا لها انتقادات واسعة في ضوء أجرأة بعض آليات العدالة الانتقالية على مستوى جبر الأضرار وبرامج جبر الضرر الجماعي، وحفظ الذاكرة، وإقصاء مجموعة من الضحايا الذي اعتبرت ملفاتهم “خارج الأجل” أو عدم الاختصاص، وغياب كشف الحقيقة في إطار ملفات لازالت عالقة.