-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

الصراع الافتراضي - سعيد يقطين

اعتاد الصحافيون في مثل هذا الوقت من السنة على طرح أسئلة حول الدخول الثقافي. ولكن تبين لهم، مع توالي السنين أن الحديث عنه مستحيل في بلد لا حضور فيه للثقافة.
لكن الدخول المدرسي والجامعي، وقد تزامن هذا العام مع مناسبات عديدة استنزفت ما يملكه المغاربة، جعله يتجاوز الحديث عن أسعار الكتب والأدوات، ومشاكل المدرسة التي لا حد لها، إلى «بغرير وغريبه..» وامتلأت بها الجرائد والوسائط الشعبية الجديدة، وأحاديث الناس في المقاهي والمناسبات. كثرت السخرية، والاحتجاجات، والرسوم الكاريكاتيرية والنكت. وتولت الوزارة الرد على المنتقدين بالإشارة إلى إجراءات اعتماد المقررات المدرسية والمنافسة بين دور النشر.
لكن السؤال الذي يطرح هو: ما الذي أدى إلى هذه «المشكلة» التي تغطي على عشرات المشاكل التي تتصل بالدخول المدرسي والجامعي والاجتماعي؟ كان من الممكن أن يتدخل علماء اللسانيات والنفس والتربية والاجتماع في الموضوع، لإنارة الرأي العام. وكان على الوزارة الوصية بدل أن تتوعد بملاحقة من ينشر صورا من مقررات قديمة أو أجنبية، أو ما شابه ذلك، من عقد ندوة، أو جلسة للتوضيح، ورد الأمور إلى نصابها، لكن البلبلة التي وقعت مردها إلى ما أسميه «الصراع الافتراضي»، أو ما يسمى بـ«الدفاع الذاتي الثقافي»، ومعناه الدفاع، أو رد الفعل الذي يقوم به فرد أو جماعة على هجوم، بوسائل خاصة، عما يعتبرونه هجوما أو خطرا يتهدد جانبا ثقافيا يمسهم، فهل إدراج بضع مفردات من الدارجة المغربية يفضي إلى كل هذه الفتنة؟
لن أناقش مشكلة الدارجة وتوظيفها في التعليم، لأنني أومن إيمانا قويا بأنه لا يمكن تعلم أي لغة بأي لغة أخرى من بداية نطق الطفل إلى أرذل العمر. أذكر حين كنا ندرس الفرنسية في الابتدائي على يد فرنسيين لا يعرفون العربية، كيف أنهم كانوا يعاقبون من يستعمل أي مفردة من العربية أو الدارجة. وكان الشيء نفسه مع الإنكليزية والعربية. كان الأستاذ في أي مادة لا يستعمل إلا العربية الفصحى. لكن عندما صار الأستاذ والمعلم يوظف كلمات من لغات، فقدنا كل اللغات التي نتعلمها. فلا العربية سليمة، ولا الفرنسية قويمة. وشكوى تراجع تعليمنا لا علاقة له باللغة العربية ولا بالتعريب لمن يتفكرون. 
ليس المشكل الحقيقي في تلك المفردات، وكل التبريرات المقدمة من لدن المنافحين أو المعارضين غير مقنعة. إن الصراع الافتراضي، الذي تولد من خلال إدراج تلك المفردات، كان فقط ذريعة لإثارة نقاش يتصل بتوجه ثقافي وسياسي حول «الدراجة المغربية»، بل وحول المسألة اللغوية في المغرب بصفة عامة. لقد تم تجاوز الحديث عن الكتاب المدرسي المثير للجدل إلى استحضار أحد المدافعين، أو المتكلم «الرسمي»، عن «الدارجة» المغربية، وعن أصوله، ومبررات دعوته تلك، وعمن يسانده ويقدم له الدعم لجعل جزء من تصوره يتسلل إلى التعليم. وكأن تلك المفردات القليلة بداية لسلسلة لا نهاية لها من فرض التوجه المراد، وهو جعل الدارجة لغة تعليم. 
هنا يأتي الصراع الافتراضي، الذي تتم فيه المواجهة غير المباشرة بين تصورين، أحدهما في موقع الهجوم، لأن له الإمكانيات التي تقضي بفرض توجهه، والثاني الموقف الدفاعي الذي يستعمل الوسائط الشعبية الجديدة للقيام بالهجوم ـ الدفاع في غياب قنوات أخرى ملائمة. وفي غياب الصراع الموضوعي بين التصورين تتداخل الأوراق، والملفات والقضايا. فيتدخل الدين، وتتدخل اللغة، والجهة، والتاريخ والجغرافيا، والسياسة والاجتماع، والدولة والشعب. من بين ما اطلعت عليه، في هذا النطاق رسالة مؤداها: علينا أن ندافع عن تجويد القرآن ونلغي الموسيقى؟ وتساءلت هل عندنا فعلا مقررات للموسيقى في مدارسنا التي لا يجد فيها التلاميذ في بعض القرى حتى كراسي للجلوس، بله مقاعد للكتابة؟
الصراع الافتراضي شكل من أشكال الصراع، تماما كما رأينا مع المقاطعة، لأنه يكشف التناقض الصارخ بين إرادتين وتوجهين لا يثق أي منهما في الآخر، ولا يريد أي منهما أن يحاور الآخر، وكل حزب بما لديهم فرحون. والمعوّل عليه هو الزمن الذي لا يتحكم فيه أي من الطرفين، ولا يمكن لأي منهما أن يتصور ما ينجم عنه، لأنهما معا لا يملكان تصورا دقيقا لما يمكن أن تؤول إليه الأمور؟ إنها ثقافة التحدي القائمة على مبدأ: «إنا عكسنا». يكتب تشومسكي: «لو كان عندنا نظام تربوي حقيقي لأدرجنا فيه دروسا حول الدفاع الذاتي الثقافي»، بالمعنى الذي حددناه أعلاه. وعندما استعملت عبارة «الصراع الافتراضي» بدل «الدفاع الذاتي الثقافي»، في تشخيص ما سيتحدث عنه لاحقا، كما هو الشأن في التقويم الشعبي، تحت مسمى بـ«عام بغرير»، كنت أقصد أن الدفاع الذاتي الثقافي، بالمعنى الحقيقي، لا يمكن أن يتأسس إلا على «الفكر النقدي» المرتكز على الحوار المبني على الحجج، ويرمي إلى الإقناع لا الإفحام، وإلى البناء لا إثارة الفتنة، وصرف الأنظار عن المشاكل الجوهرية التي تهم الناس. إن الصراع الافتراضي، كما أتصوره، في غياب وسائل أخرى للتعبير (الأحزاب، النقابات، البرلمان) ليس دفاعا عن «العربية»، ولكن عن الحق في الحياة الكريمة، وضد الإقصاء والتهميش.

٭ كاتب مغربي

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا