-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

يُحْرقُون الأوراق و يحْترِقون.. ! محمد بشكار

لا أعرفُ من أي غابةٍ يحْتطِبون كل هذا الخشب للغتنا يحْسبون أنفسهم بليغين و هم يُضْرمُونها حريقاً، فلا تسمع دون أن تمدَّ أذنك طويلا، إلا عبارات لم تسْتَشْر بمجتمعنا
عبثاً، بل لأنَّها تُضْمر في مراميها نوايا الفساد، و يبقى أغْزَرها تداوُلا عبارة تأتيك في غالب النصيحة تسترا على الفضيحة بصيغة الأمر: لا تُحرق كل أوراقك..!
لستُ لاعب ورقٍ حاذقٍ و لا ألعب النَّرد إلا شِعْراً تاركا في قعْر الكأس أثر القهوة لقارئة الفنجان عساها تقرأ طالِعي الذي ما زلت أنتظر أن يطلع عليه النهار، و لكن أعلم أنني أعيش في وسط اجتماعي انتقل من الوسط للحافة في سلم التنمية، و صار أغلب نُخبه سواء السياسية أو الثقافية و حتى الاقتصادية التي لا تدرك بتنميتها شبعانا إلا جوَّعتهُ ، يحْترِزون على أوراقهم التي تعُود عليهم بالنَّفْع ريعاً خشية احتراقٍ أو إمْلاقٍ..!
أن يُحْرقَ أحدُهم ممن يتكتَّم على الفساد مُستفيداً ورقةً من الأوراق يعني أن يكشفها للجميع و تُصْبح حديث الألسُن التي تلُوكها في وضح النَّار، من قال إنَّ المعْلومة حين تَسْري كالدم في شرايين حُرِّية التعبير لا ينوبُنا منها تغيير..؟
الورقُ فيه و فيه رغْم أنَّ مَصْدر كُلِّ الأوراق الشَّجر، و قد يبدأ في منافعه ما أكثرها فيَصْلُح للكتابة و ينتهي في مواقع أخرى إلى ورقٍ التواليت غير القابل للإشتعال و لكنه يجري ذائِباً أينما جَرَت المجاري أعزَّكم الله، بعضُ هذا الورق رهيفٌ لا ينقصه إلا اللحم و الدم ليصبح من بني آدم، و يكون أحيانا مُعطَّراً لذلك ينصح طبيب الجلد ذوي الحساسية المفرطة بعدم استعماله، يحتفظ به الكثيرون في جيوبهم للمهمات الصَّعبة التي لا يمكن لامرئٍ أن يتصوَّر مدى قذارتها، هو ورقٌ لا يحترق أو تمسَّه نارٌ في الظل دائما يقبع محجوبا عن الأنظار و لكنه يقوم بعمله بأكثر من وجهٍ ولا يترك حيث يمُرُّ بمُسوحه الأخلاقية العالية أثراً..!
ثمة من يُدشِّن الكتابة بضميرٍ و على وجهه أماراتُ الكآبة فهو في نظر العيادة الثقافية مريضٌ مرفوعٌ عليه القلم و لو كان في النبوغ من أهل القلم، نادراً ما تجدُ مثل هذا الضمير حارقاً كُلَّ الأوراق لأنَّه لا يَحْفلُ بأوراقٍ نقدية تدخُل جيبه ومعها شهادةُ تقديرٍ هي في حقيقة ورقها المُقوَّى المكتوب بماء الذهب المغشوش شهادةُ تبذير..!
أنت و زَهْرُكَ مع الناس إما يكونُ ربيعاً يانعاً أو ذابلا بشِعاً، فبينما تمارسُ احتراقكَ الطبيعي الذي يُخصِّب الأرض بالرماد قبل الحرث تأتيه أنَّى شئْتَ و لو كرِهوا، و تلعبُ بمهنيَّة حياديَّةٍ دور المِصفَّاة التي تبعث نسائم الصَّبا و تُلطِّف المناخ من أجواء الرُّكود الثقافي، ينبري أكثر من ذيلٍ يتَّهمك بتصْفية الحسابات هو الذي يفكر قبل كل كلمة بأي خميرةٍ يطبخها لنفْخ حسابه البنكي..!
في السياسة كما في الثقافة مع فارق في القِياس و القَسْوة لا تحسب كل من يملأ الدنيا زعيقاً و هو لا يدرك أنه يُحْرق نفسه مع باقي الأوراق، طارقاً الذي أحرق السُّفن ليفتح الأندلس، فثمة من لا يستطيع إلا لفمه فتحا لا يكون في غالب اللًّغط مُبيناً و مع ذلك يصل بلغطه للبرلمان، يوهِمُ النَّاس أنَّه يفْضح مكامنَ الفساد ليصِل إلى كنزها ينُوبُه من الكعكة نصيبٌ، فقط أمْهِله رويداً سيأتي يومَ تراهُ ينْقلِبُ بمعطفٍ أو دونه عارياً اللهُمَّ استُر عوْراتنا، من نَابحٍ لمادحٍ فذابح لنَحْره من الوريد للوريد..!
بقيتْ حوالي خمسُون كلمة لأكمل الخمسمائة و هو الرقم الذي يتطلَّبه عمودٌ ليس من خشبٍ، أتبرَّعُ بحيِّزه فارغاً لمنْ امتلأ قلبه بالعِصْيان و لم يجِدْ أين يحترق..!
(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليومه الخميس 20 شتنبر 2018)

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا