أطل من
ثقبِ النافذة.. كانتْ كعادتها كل مساء، واقفةً أمام المرآةِ توظبُبالأحمر الجذابِ بسمتَها
المُقبلة.. كاد أنْ يطرقَ البابَ، لكنه خاف كثيراً من أنْ تَتمحى تلك البسمة التي
على المرآة عن
شفتيْها.. لذلك، واصلَ النظرَ من ثقبِ النافذة، كأنما يتلذذُ تلك
البسمة الخارقة، وكأنما الهوى أخذه مسحوراً، فصارتِ البسمةُ ذاك العشق الذي لا
يعكسُه إلا سحرُ المرايا..
اِنتظرَها كل المساء، حتى كاد أنْ يُرددَ مع
المتنبي تلك العبارة الشعرية الرائعة (على قلقٍ كأن الريحَ تحتي!).. وحين طَوحَ به
الاشتياقُ شديداً، تَوجهَ نحو ثقبِ النافذة للمرةِ الثالثة خلال هذا المساء،
فأمعنَ النظرَ طويلاً، ورأى فيما رأى طيفاً يومضُ ويخبُو فوق المرآة.. ربما كانتْ
روحُ ابتسامتها تلك، تقاومُ التمَاحي أو تحتضرُ شيئاً فشيئاً... سيان قال مع نفسه،
ثم ارتمى على السريرِ مُتعَباً، وقد رَقتْ خواطره قليلاً...
في آخر
الليل، بينما الظلمةُ كثيفةً وأشعةُ الضوءِ اللامعةِ تنبعثُ من مصباحِ العمودِ
الكهربائي صَوْبَ وجهها، رآها تعبرُ مدخلَ العمارةِ وتصعدُ الدرجَ تلو الآخر،
مُتراخيةً نحو شقتها.. بدتْ له شاحبةً الوجهِ مُتعبة.. خاف عليها كثيراً، وعاد
لثقبِ النافذةِ باحثاً عن بقايا تلك البسمةِ الواعدةِ، فوق المرآة...