ورد في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، حث على "تخصيص جزء من الدعم العمومي للأحزاب لفائدة الكفاءات التي توظفها، في مجالات التفكير والتحليل والابتكار".
تجتاز الأحزاب السياسية التقليدية المتواجدة بالبرلمان والحكومة أوضاعا صعبة للغاية، تتصف على العموم بالخصائص التالية:
ـ انعدام القرار الحزبي المستقل عن السلطة، والتبعية الكاملة للنظام السياسي.
ـ تفكك الإطار الحزبي بسبب الصراعات الداخلية التي أدت إليها التبعية للنظام، والتي ساهمت فيها معاقبة القيادات الحزبية التي حاولت تجاوز الخطوط المرسومة للعمل الحزبي.
ـ ضعف العلاقة بالقواعد بسبب استئثار القيادات الحزبية بسلطة القرار في إطار تعاقدها مع السلطة.
ـ تزايد الهوية بين البرامج الحزبية المعلنة والعمل الحكومي الفعلي.
ـ جمود الإيديولوجيا الحزبية بسبب تراجع الفكر السياسي وعدم تجديد المفاهيم وتوضيحها حسب السياقات والتحولات الجارية.
ــ تراجع الأحزاب عن وظيفة التأطير والتحسيس المجتمعيين، بسبب إعطائها الأولوية للإشتغال بالقرارات الفوقية، والسياسات المحدّدة سلفا، ما أدى إلى تحول المقرات الحزبية إلى فضاءات مقفرة وشبه مهجورة.
ـ تجميد النخب الثقافية وأطرها ذات الكفاءة، وإهمال اللجان والقطاعات التابعة للحزب، بسبب عدم أهمية أدوارها ووظائفها في رهانات العمل الحزبي لدى القيادات.
أمام أوضاع كهذه هل يمكن اختزال مشكلة الأحزاب في حاجتها إلى دعم الدولة ؟
لقد أظهرت العديد من الوقائع التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة منذ تجربة التناوب التوافقي تحديدا، مرورا بمرحلة بما بعد 2011، الغياب الكلي والمروع لقوى سياسية قادرة على التحالف والتنسيق فيما بينها من أجل مشروع مجتمعي واضح والدفاع عنه في خطاب وسلوك يعكسان قدرا من التماسك، فأحزابنا أشبه بطوائف متفرقة متناحرة، ما زال معظمها يحمل أحقادا مترسّبة عن انقسامات سابقة، ويفضل تصفية الحسابات الظرفية على التفكير والتخطيط الإستراتيجي، كما أن التحالفات المعلنة تبدو في غاية الهشاشة بسبب ارتباطها بالرهانات الظرفية للنظام السياسي، وكذا بالنظر إلى تباعد الإيديولوجيات وتطاحن القواعد وتباغضها.
إننا أمام قوى سياسية لا تعرف ما تريد تحديدا، أو أنها على الأصح لا تريد أكثر مما تريده السلطة و تسعى إليه، مما يعني انتفاء الحاجة إليها، و هذا ما يفسر ولو جزئيا هيمنة الملكية على المشهد السياسي بشكل أدّى إلى إفقاره ويأس الناس منه، فمعلوم أن الانتقال إلى الديمقراطية لا يمكن أن يتمّ بدون أحزاب قوية ذات امتداد في المجتمع، وذات أطروحات ورؤى سياسية و برامج متنافسة تسند النقاش العمومي في مختلف القضايا وتعمقه، والحال أنّ ما يسود عندنا هو شعارات السلطة وخطابها (الذي تتبناه الأحزاب مسبقا) في مقابل أحلام المجتمع المدني وتطلعاته، بجانب البهلوانيات المتشنجة للأصولية المتطرفة.
غير أنه في المقابل لا يمكن أن نغفل بأن الذي أوصل الأحزاب إلى هذه الدرجة من الإفلاس، التي جعلتها تتقاسم جميعها ما بين 20 إلى 23 في المائة من أصوات الناخبين في غياب الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي، هو مخططات السلطة وسياستها التي سعت دائما إلى ضمان هيمنة مطلقة للفاعل الملكي، مما جعلها تضحي بشرعيتها لتكريس شرعية النظام، وقد قبلت الأحزاب بقواعد اللعبة لتجد نفسها في عزلة شبه تامة عن المجتمع، والسؤال المطروح هو التالي : إلى متى ستستمر الملكية في إحراق النخب الحليفة لها معتقدة بأنها بذلك تقوي نفسها على حساب الغير ؟ وهل اصطناع أحزاب جديدة ، أو العودة إلى محاولة نفخ الروح في أحزاب قديمة، أو تخصيص المزيد من الريع السلطوي للأحزاب، بدون وجود حياة سياسية طبيعية بفاعلين سياسيين حقيقيين، وبدون تغيير جذري في أسلوب تدبير النظام لقضايا الدولة والمجتمع، وبدون إنجاح أوراش التنمية الفعلية على أرض الواقع، من شأنه أن ينعش حقا الحياة السياسية، ويمنحها دما متجددا ؟ أم أنه سيكون الخطأ الذي سيصيب السياسة المغربية في مقتل، ويفاقم من تأزم الأوضاع، ويعرض المغرب لأخطار قد تعصف بشرعية الجميع ؟