حسناً فعل وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، في مدّ يد العون لانتشال أديب ومثقف وصحافي سعودي قضّى جلّ عمره في خدمة الأدب والثقافة، حفظاً لكرامته وصوناً لكرامة الأدب والثقافة السعودية.
بحسرة، كتب القاص والأديب جار الله الحميد، قبل نحو عام ونصف العام يروي قصة معاناته مع الفقر والمرض، ختمها بالقول: «.. وفي الطريق للمستشفى ساورتني نوبة من رثاء لنفسي فبكيت!، أنا (مثقف) إذن أنا مسحوق!».
عزّة النفس وكبرياؤها منعتاه أن يوضح أكثر، لكن الحال وصل به قبل أيام إلى أن يجأر بالشكوى، فكتب نداء استغاثة لوزير الثقافة، قائلاً: «أنا قعيد الكرسي المتحرك منذ أربعة أشهر، ولا أملك بديلاً عنه، بل إن المستشفى الذي أعالج فيه من حالتي النفسية لا يبالي بحالتي إلى درجة أنه طردني في آخر زيارة لي»، ثم خاطب الوزير قائلاً: «كن معي أيها الرجل».
وفعلاً، بادر وزير الثقافة لمدّ يدّ العون لجار الله الحميد، ليكتب بعد أن شكر الأمير قائلاً: «لا خوف على المثقفين بعد اليوم بعد أن أثبت سموه بالفعل، لا بالأقوال، اهتمام الدولة والوزارة بهم».
لا يوجد أبشع من الفقر يرزح تحته الإنسان، فكيف إذا اقترن بالمرض؟! أما بالنسبة للمثقفين وأهل العلم والفكر، يصبح الفقر رزيتهم الكبرى، هؤلاء بذلوا أنفسهم وشبابهم من أجل قيم آمنوا بها ودافعوا عنها، ذبلت أجسادهم، ونخرت قواهم، وهم يعملون على صناعة الوعي والفكر والكلمة الحرّة، لا يطيقون أن يمدوا أيديهم للآخرين، وتصبح الحاجة عندهم مُذلة ومُهينة ومُحطّمة للكبرياء.
في تراث العرب عشرات النماذج والقصص لأدباء باعوا كتبهم ليأكلوا من ثمنها، أو سجروها في النار ليحتموا بدفئها من الزمهرير. وكان هناك عباقرة كأبي حيان التوحيدي والجاحظ ومئات الآخرين ضحوا بمنتجاتهم الفكرية بعد عانوا من شظف العيش ونكران المجتمع، ما جعلهم يتحسرون على مهنة لا تكفل لهم حياة كريمة، حتى أن العرب كانوا يربطون قديماً بين العمل الفكري والإبداعي، والفقر، فكانوا يقولون «إن فلاناً أدركته حرفة الأدب»، إشارة إلى سوء أحواله وبؤس معيشته، لأنه احترف مهنة لا تدر مالاً.
صناعة الوعي ليست سلعة رخيصة في المجتمعات الحيّة، وليست مهنة هابطة، يفتقد أصحابها لأدنى حقوق التكافل الاجتماعي النظامي والقانوني الذي يتيح لهم حفظ كرامتهم الإنسانية.
ما ينتظره الأدباء والمثقفون وصناع المحتوى الثقافي في السعودية من وزير الثقافة، الذي أشعل جذوة الحماس في نفوس المثقفين السعوديين بقيام نهضة ثقافية قادرة على التأثير والتغيير، ورفع مستوى الوعي والنهضة للإنسان وإسعاده بثقة ويقين، ينتظرون منه أن يجعل من مثل هذه المبادرة الإنسانية الراقية مشروعاً مؤسساً وثابتاً، لرعاية المثقفين والأدباء والعلماء، وحفظ ماء وجوههم، وصيانة كرامتهم من ربقة السؤال، ثمة من يبلع الغصص ولا تطاوعه نفسه أن يشكو مرضه أو فقره أو عوزه للناس.
على مدى نحو 40 عاماً، كان جار الله الحميد (مواليد 1954)، يكتب في مجال القصة القصيرة، كما يكتب في الصحافة، وهو حزين بطبعه، وكانت أولّ مجموعة قصصية صدرت له بعنوان: «أحزان عشبة برية»، (1980). لكنه قبل نحو 12 سنة ألقى وهو القاصّ قصيدة، اختار أن يرثي فيها نفسه، محاكياً قصيدة مالك بن الريب في رثاء نفسه:
أيا صاحبي رحلي دنا الموت فاصمتا وكفا عن اللوم الذي لمتمانيا
وإن كان في الموت الخلاص فإنه لنعم الذي ما خاف ممن يلاقيا
أكان على دربي، ودربي: وعورة وشوك من القهر، ابتدا، وانتهى بيا!
وقولا لأهلي أنه مات مبعداً لكي لا يظنوا ميتتي كاحتجاجيا
«خذاني فجراني بثوبي إليكما وقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا»
بحسرة، كتب القاص والأديب جار الله الحميد، قبل نحو عام ونصف العام يروي قصة معاناته مع الفقر والمرض، ختمها بالقول: «.. وفي الطريق للمستشفى ساورتني نوبة من رثاء لنفسي فبكيت!، أنا (مثقف) إذن أنا مسحوق!».
عزّة النفس وكبرياؤها منعتاه أن يوضح أكثر، لكن الحال وصل به قبل أيام إلى أن يجأر بالشكوى، فكتب نداء استغاثة لوزير الثقافة، قائلاً: «أنا قعيد الكرسي المتحرك منذ أربعة أشهر، ولا أملك بديلاً عنه، بل إن المستشفى الذي أعالج فيه من حالتي النفسية لا يبالي بحالتي إلى درجة أنه طردني في آخر زيارة لي»، ثم خاطب الوزير قائلاً: «كن معي أيها الرجل».
وفعلاً، بادر وزير الثقافة لمدّ يدّ العون لجار الله الحميد، ليكتب بعد أن شكر الأمير قائلاً: «لا خوف على المثقفين بعد اليوم بعد أن أثبت سموه بالفعل، لا بالأقوال، اهتمام الدولة والوزارة بهم».
لا يوجد أبشع من الفقر يرزح تحته الإنسان، فكيف إذا اقترن بالمرض؟! أما بالنسبة للمثقفين وأهل العلم والفكر، يصبح الفقر رزيتهم الكبرى، هؤلاء بذلوا أنفسهم وشبابهم من أجل قيم آمنوا بها ودافعوا عنها، ذبلت أجسادهم، ونخرت قواهم، وهم يعملون على صناعة الوعي والفكر والكلمة الحرّة، لا يطيقون أن يمدوا أيديهم للآخرين، وتصبح الحاجة عندهم مُذلة ومُهينة ومُحطّمة للكبرياء.
في تراث العرب عشرات النماذج والقصص لأدباء باعوا كتبهم ليأكلوا من ثمنها، أو سجروها في النار ليحتموا بدفئها من الزمهرير. وكان هناك عباقرة كأبي حيان التوحيدي والجاحظ ومئات الآخرين ضحوا بمنتجاتهم الفكرية بعد عانوا من شظف العيش ونكران المجتمع، ما جعلهم يتحسرون على مهنة لا تكفل لهم حياة كريمة، حتى أن العرب كانوا يربطون قديماً بين العمل الفكري والإبداعي، والفقر، فكانوا يقولون «إن فلاناً أدركته حرفة الأدب»، إشارة إلى سوء أحواله وبؤس معيشته، لأنه احترف مهنة لا تدر مالاً.
صناعة الوعي ليست سلعة رخيصة في المجتمعات الحيّة، وليست مهنة هابطة، يفتقد أصحابها لأدنى حقوق التكافل الاجتماعي النظامي والقانوني الذي يتيح لهم حفظ كرامتهم الإنسانية.
ما ينتظره الأدباء والمثقفون وصناع المحتوى الثقافي في السعودية من وزير الثقافة، الذي أشعل جذوة الحماس في نفوس المثقفين السعوديين بقيام نهضة ثقافية قادرة على التأثير والتغيير، ورفع مستوى الوعي والنهضة للإنسان وإسعاده بثقة ويقين، ينتظرون منه أن يجعل من مثل هذه المبادرة الإنسانية الراقية مشروعاً مؤسساً وثابتاً، لرعاية المثقفين والأدباء والعلماء، وحفظ ماء وجوههم، وصيانة كرامتهم من ربقة السؤال، ثمة من يبلع الغصص ولا تطاوعه نفسه أن يشكو مرضه أو فقره أو عوزه للناس.
على مدى نحو 40 عاماً، كان جار الله الحميد (مواليد 1954)، يكتب في مجال القصة القصيرة، كما يكتب في الصحافة، وهو حزين بطبعه، وكانت أولّ مجموعة قصصية صدرت له بعنوان: «أحزان عشبة برية»، (1980). لكنه قبل نحو 12 سنة ألقى وهو القاصّ قصيدة، اختار أن يرثي فيها نفسه، محاكياً قصيدة مالك بن الريب في رثاء نفسه:
أيا صاحبي رحلي دنا الموت فاصمتا وكفا عن اللوم الذي لمتمانيا
وإن كان في الموت الخلاص فإنه لنعم الذي ما خاف ممن يلاقيا
أكان على دربي، ودربي: وعورة وشوك من القهر، ابتدا، وانتهى بيا!
وقولا لأهلي أنه مات مبعداً لكي لا يظنوا ميتتي كاحتجاجيا
«خذاني فجراني بثوبي إليكما وقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا»