-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

قصة قصيرة "الحنش الكبير" بقلم بوقفة رؤوف

على قمة جبل حلوفة يرقد سيدي السردوك الحلوف في ضريح بسيط اقرب إلى كومة من الحجارة , هكذا كانت وصيته قبل صعود روحه للسماء : ” سر السعادة البساطة , ولدنا ببساطة وعشنا في كنف البساطة وسنموت بكل بساطة , فأرجوا أن يكون مرقدي بسيط بساطة حياتي بينكم .”

تناقص عدد الزوار الضريح بعد مئات السنين , خصوصا مع تغير جغرافية جزيرة تاتريت واستقرار الحنش الكبير في المستنقع, الطريق الوحيد إلى جبل حلوفة
المستنقع عالم غامض ,له سكانه وقوانينه وامتداداته وشبكاته وقصصه الحقيقية والخيالية والمختلطة بين الحقيقة والخيال لكن كلها مرعبة
عرف سكانه بممارسة السحر الأسود , ومساعدة النافذين قاصديهم للحكم أو الحفاظ على الحكم , بكل الوسائل , بالسحر أو الاغتيال أو المؤامرات والمكائد والدسائس …
الروح الشريرة والتي نعرفها باسم الشيطان تسكن جميع الكائنات والشيطان هو شر في جوهره وقد يتجسد في دور زاهد او حاكم او شاب طائش او شرير لكن مهمته تكمن في نشر الرسالة الشيطانية لأجل تحرير الشر المطلق من سجنه في الأرض الواطية السابعة , فكلما انتشر الشر وعم الفساد وسفك الدم ضعف القيد النوراني وتشقق ليتحرر الشر المطلق من سجنه لأجل الدينونة بداية الانقلاب الكبير
الشر ثلاث أنواع : شر مبارك وهو موجود في المستنقع فقط , وشر فردي أو فوضوي , متواجد في الجزر الثلاث
وشر مطلق هو الجوهر مسجون ينتظر اكتمال تحقق العلامات للتحرر من سجنه
سكان المستنقع فقط هم الذين اخرجوا قدراتهم الشرية وتحكموا فيها , وعندهم كتاب مقدس لم يطلع عليه إلا قلة قليلة عنوانه ترويض الشر او السيطرة حسب الترجمة حيث من قرأه وفهمه يستطيع التحكم في شره الباطن او اللاواعي وتصبح عنده طاقة وقدرة غير محدودة
وقد قيل أن بؤرة الشر المطلق عند سجنها استطاعت في فرصة واحدة فقط لم تتكرر أن تملي أسرار الشر على الحنش الكبير وهو الذي خطه في كتاب يعرف بعنوان السيطرة
وقد قيل ان سر في اختيار الحنش الكبير من دون بقية مخلوقات العوالم السبعة :
هي كلمة همس بها الشر المطلق في روع الحنش الكبير حيث قال له : ” ܫܰܒܪܳܝܐ “
الحنش الكبير اختلفت أصل قصته بين سكان المزارع الثلاثة, لكن القصة التي تعتمدها فلوسة المهبولة تعود لتاريخ حكم البشر وتقول القصة : ” روي ذات مرة، أن امرأة أنجبت سبعة ذكور، فعملت على تربيتهم و سهرت الليالي إلى أن كبروا و تعلموا أمر الحياة من صيد و فروسية و الرماية و غيرها، بعد ذلك فكرت الأم أن تحمل للمرة الأخيرة راجية من الله ان يهبها طفلة بين إخوتها السبعة.
و في أيام الحمل الأخيرة بدت عليها علامات المخاض، في تلك الأوقات كان اولادها يتأهبون للخروج للصيد فطلبوا من أمهم هذا الطلب قائلين : “نحن ذاهبون للصيد الآن، إذا حان موعد الولادة، فنطلب من الداية (القابلة) إذا كانت بنتا أن ترفع بين يدها رداء أبيضا تصعد إلى أعلى الجبل المجاور، فنعرف أنها بنت فنعود حالا و لا نذهب إلى الصيد، أما إذا كان و لدا فتحمل بين يديها المنجل، فإذا رأيناه فلا نعود أبدا، سوف يكون ذهابا بدون رجعة و للأبد”.
و عندما حان موعد المخاض و أنجبت الأم بنتا جميلة، فالداية قد فعلت العكس تماما، حيث حملت المنجل، فرأى اولادها ذلك فرحلوا من البلد، و مرت السنوات و كبرت البنت و ترعرعت حتى بلغت الثامنة عشرة و كانت تلعب مع قريناتها ولشدة الغيرة منها كنّ يشتمنها و يقلن: “هي المتسببة في خلاء إخوتها السبعة”، بكت الفتاة و ذهبت إلى أمها. ما اللغز في ذلك يا أمي ؟ لماذا يشتمونني ؟ هل لدي إخوة و أنا لا أعرفهم؟ تجاهلت الأم الأمر و مع إلحاح الفتاة اعترفت بالحقيقة، وبعد ذلك عزمت الفتاة على الرحيل للبحث عن إخوتها السبعة، و فعلا تم ذلك، ومن بين المعلومات التي كانت بحوزتها أن كل واحد من الإخوة يحمل علامة مميزة (وشام في الأذنين،جسد، الذراع، اليد، الرجل، الأصابع، الأقدام) مضت الفتاة في رحلتها إلى أن وصلت إلى بلد آخر، فبحثت عنهم، و بفضل العلامات المميزة وصلت إلى إخوتها، و قالت بأنها أختهم الصغرى، لم يصدقــوا في بادئ الأمــر، ثم حملـــوا الفتاة و رجعوا بها إلى أمهم، فقالت إنها أختكـــم التي ولــدت و أن الدايـــة أخطــأت في حمـل الراية البيضاء فحملت المنجل، ساعتها كانت فرحة الإخوة كبيرة جدا و كانت لها معزة خاصة، فبدؤوا يعلمونها ركوب الخيل و تعلم الصيد، دون أن يفارقوها برهة واحدة، تذهب معهم صباحا و تعود معهم ليلا، ذات مرة انتابت الغيرة قلوب زوجات الإخوة السبعة، و قررن أن ينصبن لها فخا، فتشاركتن المؤامرة عليها إلا زوجة الأخ الأصغر فامتنعت عن ذلك , ذات ليلة قمن بتحضير و ليمة كبيرة فحضرن ما طاب و لذ من الطعام، فحضرن أكلة شعبية ووضعن فيها بيض ثعبان، فألقين داخل الأكلة بيضة ثعبان و قلن: “إن كنت تقدرين و تحبين إخوتك بالفعل كلي هذه الأكلة و لا تهضميها بل ابتلعيها مباشرة”، وبدافع المحبة للإخوة ابتلعت الفتاة الأكلة التي بداخلها حبة بيض الثعبان، و بعد مضي ستة أشهر بدأ بطن الفتاة ينتفخ، فزرعت الزوجات الشك في الإخوة قائلات : إن الفتاة حامل و إن العار سيلحق بكم، إنكم رجال القبيلة و سوف تضع رؤوسكم بهذه الفضيحة في الوحل، أقتلوها و تموت الفضيحة و العار معها.
اندهش الإخوة و هلعوا لما اصاب أختهم، إنها تلازمهم طيلة النهار حتى الليل، فكيف حدث لها هذا، حتى زرع بينهم الشك و أن أحد الإخوة كان السبب في ذلك، فقرروا قتلها، في هذه الأثناء دخلت زوجة الأخ الأصغر قائلة: “لا تقتلوها، أعرضوها على العراف ، فهو سيعلن أمرها و يخبركم سببها”، و فعلا تم ذلك و عرف المشعوذ أمرها، فطلب من الإخوة الحضور و قال : “إن الفتاة ليست حاملا، آمركم بأن تذبحوا إحدى الغنم، و تطهوه على الفحم و املئوه بالملح كثيرا، ثم أعطوه لها لتأكله، بعد ذلك اربطوها بحبل من رجلها وضعوها على أعلى عمود في الساحة، ضعوا رأسها في الأسفل و رجليها في الأعلى، بعد ذلك ضعوا إناء كبير فيه ماء وضعوه تحت رأسها، و انتظروا بعد ذلك”.
أكلت الفتاة حتى شبعت، و بعد مدة زمنية أصابها الضمأ فطلبت من إخــوتها أن يسقــوها ماء فامتنعوا عن ذلك بأمر من المشعــوذ، حــتى كــادت تمــوت ضمأ، في تلك الأثناء بدأ ثعبان كبير جدا و طويل يخرج من فمها و يتجه نحو الإناء و بدأ يلتوي عليه حتى خرج كله، فأخذ الإخوة ذلك الثعبان و قتلوه ووضعوه في كيس ورموه بعيــدا، و عند الليل ذهبوا ليتفقدوا اختهم التي كانت في حالــة ذعــر وهلــع كبيريـــن، و جدوا الثعبان نائمــا على ذراعهـــا دون أن يلحــق بــها سوءا، أعـــادوا الكــرة فقطعــوه إربا إربا، لكن دون جدوى فقد التأم من جديد.
و ذهب إلى الفتاة و التف حولها،و بعد أن استعادت الفتاة وعيها طلب منها إخوتها الإعتراف من كان مسببا في بلائها، فأشارت إلى نساء الإخوة كلهم عدا زوجة الأخ الأصغر، فانتقموا منهن شر انتقام، و نظرا لرجوع الثعبان الذي نام أمام الفتاة، خاف الإخوة عليها، فحملوهــا و انتقلوا بعيدا و قرروا الاستقرار في بلاد أخرى، حفاظا على سلامة أختهم الوحيدة لكن حين استقروا في جزيرة حيث وجدوا الثعبان لصيقا باختهم في منزلهم الجديد فاستسلموا وتركوه بعد ان اطمئنوا انه حارسا لها حيث يعتبرها والدته باعتباره فقس من البيضة في معدتها
عاش الثعبان مع الفتاة ولم يتركها الى غاية وفاتها في سن السابعة والسبعين ولقد بقى حارسا لقبرها حتى حدوث الزلزال الكبير حيث أصبحت المدينة تعرف اليوم بالجبانة في جزيرة تاتريت
بعدها ظهر في المستنقع , وقد قيل ان روح سيدي السردوك الحلوف منحه الأمان وجعله سيد المستنقع , لذلك تجده لحد الان وفيا ويحمي ضريح سيدي السردوك الحلوف , اه رحم الله مولانا , كان يقول سبحان الذي سخر النار لخدمة الماء , سبحان الذي سخر الشر لخدمة الخير “
رغم ان هذي القصة التي ترويها فلوسة المهبولة للجميع , لكن هناك رواية أخرى قصيرة تهمسها فقط فلوسة المهبولة لبشطولة وهي تدعي ان مصدر الحكاية هو كتاب اعترافات مولانا الحاويذيري وتقول الحكاية : ” الحنش الكبير هو الحية المجنحة التي تسلل إبليس وهو في جوفها ليدخل الجنة بعد الطرد لأجل إغواء أبو البشرية , وكانت الحية وهي من سكان الجنة مجنحة وتعرف في الأساطير بالتنين الصيني وعند طردها من الجنة عوقبت بنزع جناحيها فحرمت من الطيران وإطلاق اللهيب من جوفها , بعد ان كانت قائدة الجيش السماوي الطيار , أصبحت مجرد زاحف , لكن تقديرا لتضحيتها لأجل إبليس كافئها الشر المطلق الذي تجلى في ثلاث مخلوقات , تجلى في إبليس بالنسبة للجن وفي الحية بالنسبة للحيوانات أما الإنس فهو متغير ليس ثابت ففي كل مدة يظهر باسم كالسامري مثلا وآخر اسم له هو المسيح الدجال
ابليس منحها أسراره التي اودعتها فيه بؤرة الشر المطلق واعاد الحنش الكبير صياغته في كتاب عنوانه ترويض الشر أو السيطرة
الحية المعاقبة التي طردت من جنة الخلد هي ما يعرف باسم الحنش الكبير سيد المستنقع , هذا ما جاء في كتاب اعترافات مولانا الحاويذيري .

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا