-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

كيف قرأ لنا محمد أديب السلاوي اختلالات المشهد الثقافي في المغرب الراهن ؟ الدكتور عبد العزيز اليخلوفي

-1-
واصل الكاتب والباحث الأستاذ محمد أديب السلاوي، مسيرة البحث والتنقيب في القضايا الأكثر ارتباطا بالمواطنة، ثقافيا و سياسيا و اجتماعيا. فبعد سلسلة مصنفاته عن المسرح، والتشكيل، والشعر المغربي والمجتمع والسياسة. وغيرها من المجالات المغربية الهامة، طرح علينا بمناسبة الدخول الثقافي لسنة (2013-2014) كتابا جديدا بعنوان " السياسة الثقافية في المغرب الراهن "( في 144 ص من القطع الصغير).
تضمن هذا الكتاب الذي اختار له مؤلفه توقيتا سياسيا ينطبع بصراعات حادة، بين القيم السياسية والقيم الأخلاقية، بين قيم الفساد وقيم الإصلاح، وهو ما جعله إصدارا في عمق هذا الصراع، ليس فقط لأنه تضمن تشخيصا للاختلالات التي تشوب الشأن الثقافي في المغرب الراهن، ولكن أيضا لأنه ألح على الإصلاحات الثقافية في المرحلة الراهنة. ولأنه أيضا صارع في العديد من محاوره، قوى الفساد التي سعت للإطاحة بالمغرب وثقافته وقيمه الروحية .
توزع هذا الكتاب على فضاءات متعددة : مقدمة للكاتب الدكتور محمد عياد، وفاتحة وعشر محاور، تغطي مساحة واسعة من قضايا الثقافة في المغرب الراهن، منها ما يتعلق بالسياسات الحكومية في المجال الثقافي، ومنها ما يتعلق بالتراث والفنون والهوية والصناعة الثقافية و الأمن الثقافي.
-2-
أكد الباحث في محاور هذا الكتاب، على العلاقة القائمة بين أنماط السلوك الإنساني و الثقافة، إنها في نظره، و لربما في نظر مختلف الفلاسفة و المفكرين، شملت إضافة إلى اللغة و الموسيقى و الفن و التقنيات و الآثار المعمارية، و الفنون التقليدية و الحرف، و فنون الطبخ، شملت أيضا العقائد و الأخلاقيات التي تم تداولها بين الأجيال.
الثقافة في نظر الباحث محمد أديب السلاوي، هي الأساس في بناء المجتمع و تغييره، هي المؤثرة الفاعلة في تنميته/ في بنائه الاقتصادي/ في بناء مفاهيمه السياسية الصحيحة. و السؤال الذي طرحه الكاتب من خلال محاور كتابه : هل استطاعت السياسة الثقافية في المغرب الراهن، القيام بواجبها تجاه المواطن/ تجاه تطلعاته الحضارية...؟
المؤلف لم يجب عن مثل هذا السؤال، و لكنه أبرز الصراعات القائمة بين القيم الثقافية العريقة والحديثة على الساحة المغربية، كما أبرز الصراعات القائمة على جدارية على السياسات الحكومية في المغرب الراهن،/ أي الصراعات القائمة بين قيم السلطة، سلطة المخزن/ سلطة الحكومة/ سلطة الرأسمال وقيم الثقافة في نظرتها إلى الإنسان و هويته و حضارته... وهي الصراعات التي تحد من تأثير الثقافة و مفعولها في المجتمع.
ونرى من الضروري في هذا العرض المختصر، أن نثقف مع، الأستاذ محمد أديب السلاوي الذي يرى أن التدهور الذي يصيب السياسة الثقافية بالمغرب الراهن، لا يعود فقط إلى" السياسة الحكومية " بقدر ما يعود إلى التدهور الذي أصاب التعليم العمومي في بلادنا. إن هذا التعليم كما لا يعني بالإنسانيات/ الآداب و الفنون والفلسفة و الحضارة والتاريخ، لا يعني بطرائق البحث، و لا يسمح بتطويرها. و هو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى أبعاد "الثقافة " عن مفاهيمها و قيمها وموقعها في زمن العولمة، حيث يقف إنسان " الألفية الثالثة " أمام إنجازات حضارية مذهلة، يرى بوضوح و شفافية، أن تطور الحضارة الإنسانية جاء نتيجة القفزات النوعية التي حققتها الثقافة، في شموليتها بالعالم المتحضر.
نعم، إن الثورة العلمية التكنولوجية، التي عرفها العالم خلال العقود الثلاثة الماضية، قد أدت إلى ارتفاع المستوى الثقافي للسكان/ إلى تخطيط متزن و فعال للسياسات الثقافية/ إلى ارتفاع الحد الأدنى من التعليم في كل مراحله. إلا أن هذه القفزات بقيت محاصرة في الدول السائرة في طريق النمو، لم تستطع الاقتراب منها، وهو ما جعل " الثقافة" خارج سياقاتها في هذه الدول- ومنها المغرب بطبيعة الحال-.
-4-
توقف الكاتب في محور خاص من مؤلفه هذا، عند إشكالية الكتاب باعتباره المحور الأساسي لكل ألوان الثقافة والمعرفة، حيث ما زال يعاني في المغرب الراهن، من سلبيات عديدة في التسويق/ الطباعة/ التوزيع...و في القراءة، كما في مكافأة الكتاب والمؤلفين، إضافة إلى المشاكل التي ترتبط بصناعته.
و قد حاول الكاتب في هذا المحور، أن يربط إشكالية الكتاب بالمغرب الراهن، ليس فقط بإشكالية السياسات الثقافية الفاشلة، و لكن أيضا بالانخفاض المهول الذي تعرفه القراءة حاليا، حتى بالنسبة للذين تتوفر لديهم الظروف الموضوعية و الإمكانات الفكرية و المادية و المعنوية للقراءة، و لاقتناء الكتاب...
و كان على المؤلف الذي توفق في إثارة هذا الموضوع و إشكالياته المختلفة الوقوف عند أرقام النشر و التوزيع و الطباعة، وأن يربط هذه الإشكاليات بالأمية الأبجدية/ الأمية الثقافية/ الأمية السياسية التي تحددها الإحصائيات الرسمية في أرقام مجهولة، و التي تضرب في العمق القراءة و الكتاب، و بالتالي الصناعة الثقافية برمتها وأثرها على التنمية الاجتماعية.
-5-
في محور خاص آخر من هذا الكتاب، تحدث الكاتب بإسهاب عن الفرنكوفونية و غزوها الثقافي/ الاقتصادي/ الاجتماعي لمجتمعنا و ثقافتنا، و على أن الأستاذ السلاوي اعتبر الفرنكوفونية قوة فكرية/ لغوية/ ثقافية / سياسية / اقتصادية غازية، فإنني لا أعاكسه، و لكني أرى أن الغزو الذي يواجهنا، لا يأتينا فقط من ديكارت أو كامو أو سارتر أو بودلير أو نابليون أو ديغول، بقدر ما يواجهنا من برامج التعليم الأولي والابتدائي و الثانوي و العالي./ من السينما و التلفزيون و الفيديو/ من الإعلام الذي يغزونا داخل بيوتنا بكل اللغات، وبكل وسائل الاتصال، ونحن ضعفاء، فقراء، أميين، لا قدرة لنا على المواجهة، ومن ثمة فإن التغريب الذي يحيط بنا من كل جانب، لم يعد مفهوما لغويا، بقدر ما أصبح اجتياحا ثقافيا/ حضاريا، يأخذنا بقوة و عنف إلى أحضانه الخشنة.
والسؤال كيف لوزارات التعليم... كيف لوزارة الثقافة في بلادنا، أن تواجه هذا الغزو المتعدد الأسلحة و الوسائل والإمكانات...؟
هل يمكن لإستراتيجية وطنية بعيدة المدى مواجهة هذا الغزو؟ من في استطاعته اليوم وضع هذه الإستراتيجية، و بأي الإمكانات، و بأي الوسائل...؟
الكاتب محمد أديب السلاوي، يرى بوضوح، أن السياسات الحكومية المتلاحقة تثبت أقدام الغزاة يوما بعد يوم خارج كل مقاومة ممكنة.
والحقيقة التي لا جدال فيها، أنه أصبح من الخطأ الاعتقاد، إمكانية وقف الغزو الثقافي/ الحضاري للفرانكوفونية، دون تغيير النظام القائم للتربية و التعليم من أساسه، و هو الأمر الذي علينا التركيز عليه في هذه المسألة الخطيرة... والخطيرة جدا.
إن الرد على هذا الغزو، يتطلب في نظر مؤلف هذا الكتاب، موقفا واضحا و شفافا من الهوية/ من اللغة/ من المواطنة/... و بالتالي من الإنسان المغربي و تاريخه و حضارته، هذا الموقف الكلي و الأساسي، هو البديل الحقيقي في نظره عن فكرة اللحاق بالغرب، ثقافة و حضارة و اقتصادا و هوية....
-6-
إن ما يعطي هذا الكتاب موقعه اللافت في الشأن الثقافي و أهميته الفكرية في نظرنا، ليس فقط المحاور التي اختارها بعناية و دكاء، ليبسط من خلالها إشكاليات السياسة الثقافية في المغرب الراهن، و لكن أيضا الأسئلة التي طرحها بحدة على الفضاء الثقافي عامة، و على السياسة الثقافية بشكل خاص، ليخلص في ختام كل محور إلى نتائج مستخلصة، تشكل في نهاية المطاف رؤية كاتبنا الكبير إلى الإشكالية الثقافية في مغرب يعاني من الفساد و الفقر و الأمية المتعددة الأصناف، منذ عدة عقود، دون أن ينتصر على هذه السلبيات المترابطة.
ما هو واضح في كنه أسئلة الأستاذ محمد أديب السلاوي في هذا الكتاب، هو ذلك الضغط الذي مارسته/ تمارسه السياسة منذ عقود بعيدة على الثقافة و المثقفين، من أجل تسخيرهما لمصلحتها، وهو ما جعل وزارة الثقافة في نهاية المطاف تسعى إلى احتضان الثقافة و المثقفين خارج أية إستراتيجية فاعلة، و في ظل انعدام الشروط الموضوعية، لقيام أية سياسية ثقافية قادرة على التفاعل مع هويتها و الانخراط في زمنها الحضاري.
إن الراهن الثقافي في نظر مؤلف هذا الكتاب، لا يكفي أن نصنفه بالمتأزم، إنه وضع عشوائي/ فوضوي/ مريض، لا يخضع لأي مقياس، كما لا يخضع لأي تخطيط أو رؤى موضوعية، وهو ما جعله يلح في كل محور من محاور هذا الكتاب، على ضرورة بناء إستراتيجية ثقافية متكافئة، بمشاركة كل المثقفين و الفاعلين و المؤسسات ذات العلاقة، في أقرب الآجال، و قبل فوات الأوان.
-7-
إن محاور هذا الكتاب كما قرأها لنا الأستاذ محمد أديب السلاوي، تمتد على مساحة واسعة من الاختلالات التي تقف ضد النهوض بأي حركة ثقافية مغربية، سواء في مجالاتها الإدارية أو في قطاعاتها : الصناعية/ الثقافية، أو بقطاعات الثقافة المترامية على أطراف السياسات الحكومية الفاشلة، ومنها قطاع التأليف/ الطباعة / النشر/التوزيع/القطاع التشكيلي/القطاع الموسيقي/القطاع المسرحي/ بالإضافة إلى القطاعات المرتبطة بالتراث و المتاحف و الفنون التقليدية و جميعها لا يرتبط بسياسة أو إستراتيجية أو تصور منهجي، للوزارة التي يفترض أن تكون حاضنة و مؤطرة لهذه القطاعات.

إن كتاب السياسة الثقافية في المغرب الراهن، ليس فقط جدير بالقراءة، إنه جدير بالدراسة و التمعن، جدير أن يكون ورقة ناضجة لإصلاح الشأن الثقافي في بلادنا، أنه بلا شك يلقي الأضواء الكاشفة، بلغة مهذبة، بمنهج استقرائي واضح، على قضايا ثقافية جد حساسة. و يرسم خارطة طريق لا محيد عنها لمن يسعى لإصلاح الشأن الثقافي في المغرب الراهن.

عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا