الخطر ، الخوف ، الأمن … قيم لازمت الإنسان ، منذ القديم ، في علاقته
بذاته ، بالآخر و العالم . حاولت الفلسفة
الأخلاقية مع الرواقيين و الأبيقوريين و الكلبيين تقديم
أجوبة تهدف الى تحقيق أمن
روحاني نابع من الذات ، كما حاولت التجربة
المسيحية تحقيقه مستندة إلى الإيمان . في العصر الحاضر تولت الدولة ضمان الأمن في
مواجهة كل الأخطار ( الغذاء ، الصحة ، السكن ، الأمن الداخلي ( الشرطة ) الخارجي ( الجيش) … ) .
صار الخطر معها مفهوما و تجربة و
حدث … صار صناعة يتم بناؤها و تنظيمها …
فبين الخطر و الحرية ، و الخطر و الأمن هناك أكثر من تشابك معقد … و نفس الأمر بين
السياسة و المؤسسات الطبية و العقابية … و كذا بين علوم الصحة ( الطب ، الطب
النفسي العقلي ، علم الإجرام ) .
في مقاربة فوكو للسجن ، و بخاصة حديثه عن ولادة
الفرد المجرم وظهور علم الإجرام ومفاهيم
الانحلال ، الغريزة … و ما صاحب ذلك من إشكاليات
بين سلطة القانون الجنائي العقابي و الطب النفسي … تحدث عن إحدى إشكاليات الطب النفسي في علاقته
بالقانون و بعلم الإجرام .
النص القصير يوضح عددا من المفارقات الصعبة
النص
بحسب ما نعرف ؛ القانون يعاقب الرجل على ما
فعله . ولكن ليس على ما هو عليه . أيضا أقل بالنسبة لما سيكون عليه احتمالا ، أيضا
أقل بما يمكن أن نعتقد أو نشك أنه سيكون أو يصير . و ها هو القانون العقابي اليوم يهتم أكثر
فأكثر بأشخاص ” خطيرين ” . يجعل من ” خطورتهم ” نوعا ، إن لم يكن للعقوبة ، على الأقل لتغيير
العقوبة . مازلنا لم نكن تماما كما في الاتحاد السوفياتي ، نعاقب شخصا لأنه خطر
. و لكن الخطورة ، هذه النوعية الغامضة
التي نمنحها للأشخاص ، انضافت الآن للجريمة ، و أعطت حقا إضافيا للعقوبة . نحن نعمل على خلق المخالفة السيكولوجية ” الجريمة السلوكية ” . سأعاقبك لأنك لست كما
يلزم . لنفكر قليلا
1) إذا كانت الخطورة نوعا سيكولوجيا من
بين أنواع أخرى ، فلا يلزم أن تؤدي إلى أية عقوبة ، أية إضافة للعقوبة .
2) إذا كانت الخطورة إمكانية للجريمة أو
المخالفة ، فليس هناك قانون يسمح بعقوبة افتراض أو احتمال بسيط .
3) منذ نهاية الحرب الأخيرة ، صار لزاما
على كل متهم أن يخضع للخبرة الطب نفسية
عقلية لكي تقول بشأنه ، و قبل مثوله أمام
القاضي ، ما إذا كان خطيرا أم لا . ليس لذلك معنى في الطب النفسي العقلي و غير
مألوف بالنسبة للقانون . و على كل حال ، قرار الحكم ينبني على افتراض الخطورة
. هذا كثير ، و لكن يكفي .
4) غير أن قانون 1975 يسمح للإدارة
السجنية بتغيير مجرى العقوبة ووضع المتهم في مركز للحجز حيث يخضع لمراقبة دقيقة و
شاملة ، إذا اكتشفت فيه ” خطورة ما ” . خطورة لا تتكشف مع الجريمة ، و لكنها مثارة
و محرض عليها من قبل السجن . وإذن ، فإذا كان السجن يخلق الخطر الذي هو متعلق به ،
فإن السجن هو ما يلزم التخلص منه
5) أخيرا ، للمدير الحق ، في أصغر مركز
حجز احتياطي ، وضع كل متهم تحت مراقبة دقيقة و شاملة ، حتى قبل عرضه على المحاكمة
، حتى لو لم يتم إثبات خطورته من قبل خبير . فقط لأنه يعتقد بأن هذا الفرد هو خطير
داخل السجن الذي يديره . و إذن فسجنه و
الطريقة التي يدبره بها ، هما ما يخلق الخطورة . العدالة و القانون تودان إذن أن
يكون المدير هو وحده الذي يتحمل المسؤولية .
خلاصات
: إذا كان السجن يخلق الخطر ، فإنه من الصحيح و المشروع التخلي عنه . إنه ضروري ، على كل حال ، إذا أ
ردنا ألا نصير نحن أنفسنا خطيرين . لا يلزم على كل واحد أن يكون متواطئا مع أولئك
الذين يعرضونه طواعية ليصبح خطيرا .