إن ما نشاهده ، اليوم ، على شاشات التلفزة من
أفلام و مسلسلات ، يندرج في إطار ما يسمى بالتثقيف المضاد ، و المشوش على القيم
والأخلاق . فالرسائل التي تمرر عبر هذه البرامج ، يتعذر
على غير المتمرسين بالخطاب
التصويري ـ التلفزيوني كشف عن ماهيتها والتعرف على مغزاها و منتهاها ؛ لذا تظل ،
في هذا الباب ، الثقافة النقدية شبه منعدمة عند مشاهد اليوم . فهذه الانعدامية تم
تحقيقها عبر التضييق الممنهج ، وإغراق المشاهد في يم من صور و أصوات للحس ، تؤثر
على الذوق النقدي عند المشاهدين ، على اعتباره ـ أي الحس النقدي ـ شديد الارتباط
بدرجات الوعي الثقافي و الفكري والسياسي
أيضا .
وبالموازاة مع ذلك ، يظل الإعلام السمعي
البصري آلة تصاحب التنشئة الاجتماعية عند الفرد المعاصر . فهو يتقاسم ، ومؤسسات
أخرى ، هذه الصفة أمثال : المسجد ، المدرسة ، الشارع ، الأسرة ... غير أنه يمكن أن
يكون آلة تزيف الحقائق ، ووسيلة من وسائل تلفيق القيم والمبادئ ، التي تشد من لحمة
المجتمع ، وتحافظ على تماسكه الأخلاقي والقيمي . ومن هذا الموقع ، فمن الواجب أن
يتم فرض رقابات صارمة على كل ما يُمرر إلى بيوت المشاهدين . علاوة على تشجيع
البرامج الثقافية ، التي تبني حرية المشاهد عن طريق الحوار البناء والمثاقفة
الحقيقية ؛ لأن فلسفة البناء لا تتم إلا عبر الإحساس بالمسؤولية والمواطنة والانتماء
إلى وطن عريق بتاريخه ونضالاته .
فالمسلسلات ، التي تعرض على الأنظار، عبارة عن
صور مستنسخة لمثيلاتها التركية التي غزت العالم ، لا من ناحية الشكل ولا من ناحية
المضمون . فضلا على ، أنها تسعى إلى إثارة شريحة عريضة في المجتمع . حيث إنها
تستهدف بالدرجة الأولى المراهقين الشباب ، عن طريق مد جسور الألفة والتصالح مع
الجريمة بمختلف مشاربها ( اغتصاب ، قتل ، إجرام ، اتجار في الممنوعات ، تبييض
أموال ...) .
فعندما يقدم بارون المخدرات على أساس أنه يمتلك
السلطة والمال و الجاه ، فهو أكبر دليل على أن المجتمع ماض في مباءته . فأيََا
كانت الظروف ، التي تسمح بعرض مثل هذه المسلسلات ، فإن الشرط التاريخي يفرض نفسه
بقوة . على اعتبار أننا أمة مغربية ، لها تاريخ مجيد وعريق وحافل بالعطاء المعرفي
والفكري ، ويمتد عبر عصور من الزمن .
إن
الإعلام السمعي البصري يلعب دورا هاما في بناء المجتمع و تكوين أجيال ، تكون متشبعة بالقيم و الأخلاق
النبيلة ، ناهيك عن ترسيخ ، في نفوس الناشئة ، حب الوطن والذود عن كرامته وانتماءاته التاريخية
والجغرافية . فعندما تقدم مثل هذه المسلسلات على شاشة التلفزيون ، ويسمح لها
بالمرور الآمن إلى بيوت المشاهدين ، فإنها تساهم بشكل أو بآخر في تدمير القيم و
الأخلاق ، التي من شأنها أن تزود أجيالا قادمة بطاقات إيجابية ، يُستفاد منها في
معركة البناء والتشييد .
علاوة على ذلك ، لقد أصبح الإصرار على هذه الرداءة ، أكيد ، نابعا، عن جهل
مقيم بالدور، الذي يقوم به الأدب في بناء المجتمع ، ففعل تحرير الخطاب الأدبي ،
والانتصار إلى الجنس الأدبي من : قصة
ورواية و مسرح وفنون ، لهو بناء و تشييد مجتمع له ذوق فني رفيع وسام ،
علاوة على أنها تستثمر هذه الروابط في التواصل الإيجابي بين الدولة والمجتمع . غير
أن تقديم قيم دخيلة هدامة وفتاكة ؛ لتحل محل الثقافة الأصيلة النابعة من تاريخ
أدبي عريق ، بني بالإسمنت المسلح على امتداد الزمن ، يندرج في إطار العبث بقدر المجتمع
، والزج بها في مجاهل وغياهب التفكك الأخلاقي والانحلال القيمي .
وسعيا نحو استجلاء دور الإعلام ، الذي يعتمد
بالدرجة الأولى على الصوت والصورة ، فمن الواضح جدا أن يكون المشاهد حاملا لزاد
معرفي مسبق من أجل التفاعل و التكامل مع البرامج التي تقدم . غير أنه من الأفيد أن
تربي ، هذه البرامج ، في المتلقي حسه النقدي الخاص ، حتى يشع دور الإعلام ، ويصبح
منارة للتقدم والرقي المعرفي والفكري .