-->
مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008 مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة - 8 أكتوبر 2008


الآراء والأفكار الواردة في المقالات والأخبار تعبر عن رأي أصحابها وليس إدارة الموقع
recent

كولوار المجلة

recent
recent
جاري التحميل ...

ثقافة الشاشة ذ . رشيد سكري


   إن ما نشاهده ، اليوم ، على شاشات التلفزة من أفلام و مسلسلات ، يندرج في إطار ما يسمى بالتثقيف المضاد ، و المشوش على القيم والأخلاق . فالرسائل التي تمرر عبر هذه البرامج ، يتعذر
على غير المتمرسين بالخطاب التصويري ـ التلفزيوني كشف عن ماهيتها والتعرف على مغزاها و منتهاها ؛ لذا تظل ، في هذا الباب ، الثقافة النقدية شبه منعدمة عند مشاهد اليوم . فهذه الانعدامية تم تحقيقها عبر التضييق الممنهج ، وإغراق المشاهد في يم من صور و أصوات للحس ، تؤثر على الذوق النقدي عند المشاهدين ، على اعتباره ـ أي الحس النقدي ـ شديد الارتباط بدرجات الوعي الثقافي و الفكري  والسياسي أيضا .
وبالموازاة مع ذلك ، يظل الإعلام السمعي البصري آلة تصاحب التنشئة الاجتماعية عند الفرد المعاصر . فهو يتقاسم ، ومؤسسات أخرى ، هذه الصفة أمثال : المسجد ، المدرسة ، الشارع ، الأسرة ... غير أنه يمكن أن يكون آلة تزيف الحقائق ، ووسيلة من وسائل تلفيق القيم والمبادئ ، التي تشد من لحمة المجتمع ، وتحافظ على تماسكه الأخلاقي والقيمي . ومن هذا الموقع ، فمن الواجب أن يتم فرض رقابات صارمة على كل ما يُمرر إلى بيوت المشاهدين . علاوة على تشجيع البرامج الثقافية ، التي تبني حرية المشاهد عن طريق الحوار البناء والمثاقفة الحقيقية ؛  لأن فلسفة البناء لا تتم  إلا عبر الإحساس بالمسؤولية والمواطنة والانتماء إلى وطن عريق بتاريخه ونضالاته  . 
 فالمسلسلات ، التي تعرض على الأنظار، عبارة عن صور مستنسخة لمثيلاتها التركية التي غزت العالم ، لا من ناحية الشكل ولا من ناحية المضمون . فضلا على ، أنها تسعى إلى إثارة شريحة عريضة في المجتمع . حيث إنها تستهدف بالدرجة الأولى المراهقين الشباب ، عن طريق مد جسور الألفة والتصالح مع الجريمة بمختلف مشاربها ( اغتصاب ، قتل ، إجرام ، اتجار في الممنوعات ، تبييض أموال ...) .
 فعندما يقدم بارون المخدرات على أساس أنه يمتلك السلطة والمال و الجاه ، فهو أكبر دليل على أن المجتمع ماض في مباءته . فأيََا كانت الظروف ، التي تسمح بعرض مثل هذه المسلسلات ، فإن الشرط التاريخي يفرض نفسه بقوة . على اعتبار أننا أمة مغربية ، لها تاريخ مجيد وعريق وحافل بالعطاء المعرفي والفكري ، ويمتد عبر عصور من الزمن .
 إن الإعلام السمعي البصري يلعب دورا هاما في بناء المجتمع  و تكوين أجيال ، تكون متشبعة بالقيم و الأخلاق النبيلة ، ناهيك عن ترسيخ ، في نفوس الناشئة ، حب الوطن  والذود عن كرامته وانتماءاته التاريخية والجغرافية . فعندما تقدم مثل هذه المسلسلات على شاشة التلفزيون ، ويسمح لها بالمرور الآمن إلى بيوت المشاهدين ، فإنها تساهم بشكل أو بآخر في تدمير القيم و الأخلاق ، التي من شأنها أن تزود أجيالا قادمة بطاقات إيجابية ، يُستفاد منها في معركة البناء  والتشييد .
  علاوة على ذلك ، لقد أصبح الإصرار على هذه الرداءة ، أكيد ، نابعا، عن جهل مقيم بالدور، الذي يقوم به الأدب في بناء المجتمع ، ففعل تحرير الخطاب الأدبي ، والانتصار إلى الجنس الأدبي من : قصة  ورواية و مسرح وفنون ، لهو بناء و تشييد مجتمع له ذوق فني رفيع وسام ، علاوة على أنها تستثمر هذه الروابط في التواصل الإيجابي بين الدولة والمجتمع . غير أن تقديم قيم دخيلة هدامة وفتاكة ؛ لتحل محل الثقافة الأصيلة النابعة من تاريخ أدبي عريق ، بني بالإسمنت المسلح على امتداد الزمن ، يندرج في إطار العبث بقدر المجتمع ، والزج بها في مجاهل وغياهب التفكك الأخلاقي والانحلال القيمي .
وسعيا نحو استجلاء دور الإعلام ، الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الصوت والصورة ، فمن الواضح جدا أن يكون المشاهد حاملا لزاد معرفي مسبق من أجل التفاعل و التكامل مع البرامج التي تقدم . غير أنه من الأفيد أن تربي ، هذه البرامج ، في المتلقي حسه النقدي الخاص ، حتى يشع دور الإعلام ، ويصبح منارة للتقدم والرقي المعرفي والفكري .     


عن الكاتب

ABDOUHAKKI




الفصـــل 25 من دستورالمملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي,والتقني مضمونة.

إتصل بنا