مقدمة القصة: بداخل كل منا
طفل نسكن إليه أحيانا... فنجد أناملنا تداعبه وتداعب خياله...
أرافق القصة بصورة للوحة من توقيعي وهي تحمل اسم نافورة التفاؤل:
تحجرت الأرض وأصبح لونها لا يسر الناظرين. لا عشب ولا ورد! أوراق الأشجار تسقط تباعا الواحدة تلو الأخرى! عجبا! ما الذي يقع؟ هكذا استغرب الربيع واحتار في أمره وتساءل: هل جئت قبل موعدي؟! التقيت قبل قليل بزميلي "فصل الشتاء"، كانت ملامحه فرحة بقدومي، أحسست شوقه واشتياقه لي. إحساسه كان صادقا. ما الذي وقع إذن؟! أين زهوري المتفتحة؟ أين بساطي الجميل؟ أين فساتيني الأنيقة؟ أيني أنا؟ ما عدت جميلا! تجاعيد أحسها تشق أرضي! رومانسيتي تهجرني! ما عدت أعرف نفسي.
جلس الربيع يتأمل
حاله خائفا فقدان معجبيه. انزوى في ركن شاردا تائها! كان صوت رهيب يهمس له: أيها
الربيع! أنت مريض!
يسكت الصوت للحظات
ويرجع مصطحبا ذبذبات أكثر ذعرا، فيهمس لصاحبنا الربيع من جديد: أيها الربيع! هل
عرفتني؟ أنا الشر، أنا الجائحة، أنا التشاؤم، جئت أفسد بساطك الجميل.
أغلق الربيع أذنيه،
لم يشأ سماع المزيد من تلك الكلمات التي كادت تفقده حاسة السمع. فجأة عطس الربيع
عطسة قوية، استطاع بعدها التخلص لبعض الوقت من تلك الأصوات المرعبة والقاتلة.
كانت الأصوات تزور
الربيع بين الحين والآخر، وكان كلما سمعها يعاود إغلاق أذنيه. تساءل الربيع عن
كيفية الخلاص من هذه الكلمات اللعينة. قال الربيع: أنا لست مريضا، نعم أنا لست
مريضا، لا أعرف ما الذي أصابني، لكني لست مريضا.
بينما هو على هاته
الحال، غير مكان جلوسه، ثم وقف، مد بصره بعيدا، أطال النظر، وجد نفسه مسافرا إلى
ذاته. طال سفره! استطاع السيطرة على تلك الأصوات المرعبة، أحس بنشوة عظيمة وأراد
الربيع أن يشرب نخب انتصاره، لكنه لم يجد ماء!
مازال الربيع مسافرا
في رحلة التأمل، فجأة رأى شيئا يشبه نافورة، ليس متأكدا مما رآه، مشى بعض الخطوات،
دقق النظر مجددا، ومازالت الرؤية غير واضحة.
تعب الربيع، كلما
اقترب من هدفه كلما كان يمعن النظر. بدأت الرؤية تتضح وأيقن الربيع أن لا وجود
للنافورة! لكن الغريب في الأمر أن صاحبنا لم يستسلم! إنه ظمآن لشراب الانتصار.
ظل الربيع على هيأته،
فهو لا يحب الفشل، ظلت صورة النافورة متربعة على عرش أفكاره. قال الربيع في نفسه:
لن أنهزم، يقولون إن الأسماء تؤثر على أصحابها، فكيف أستسلم واسمي الربيع؟! لم أصل
بعد إلى المكان الذي أنشده، الباقي قليل من الخطوات وسأرى النافورة.
ارتاح فصل الربيع
لبعض الوقت، ثم أكمل مسيرته نحو هدفه. زرع في نفسه الأمل والتفاؤل. أخيرا وصل
المكان الذي كان يوحي له بوجود النافورة.
صرخ صاحبنا فرحا
عندما وجد ما تخيله وما رسمته مخيلته الربيعية:
"نعم، لقد وجدتها، وجدت النافورة، إنها نافورتي، نافورة تفاؤلي، نافورة
عزيمتي وإرادتي. نعم إنها نافورة التفاؤل التي ستسقي أرضي وستسقي الكون كله بنور التفاؤل"
ضحك صاحبنا، ابتسم،
قهقه وغنى. بدا صوتا طروبا. ارتسمت على ملامحه مشاعر مختلفة، حلقت جميعها فرحة
بنشوة الانتصارين: الانتصار على صوت الجائحة والانتصار على اليأس.
قال الربيع:
أدركت أن للتفاؤل ظلالا تقينا سم اليأس والتشاؤم. لن أموت! لن تتحجر أرضي، ستزهر
بمياه التفاؤل وستتفتح ورودي وسيرجع الشعراء والأدباء يتغنون بقدومي. إني أسمع
كلماتهم الآن، إني أقرأ إبداعاتهم.
كم كانت سعادة الربيع
عارمة لما علم بسر نجاحه. شرب من مياه النافورة، وشعر بمسامه تتفتح، وأخذت أرضه
تنتعش شيئا فشيئا.
هذه هي قصة ربيعنا
وصديقنا الأنيق مع نافورة الحياة والمستقبل الزاهر! وهذه هي قصة ربيعنا مع نافورة
التفاؤل!